كرّست نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت السبت الماضي في الجزائر، نفس النتائج التي أفرزتها نتائج الانتخابات النيابية الماضية، حيث أفضت إلى تقاسم مقاعد المجالس البلدية في 1541 بلدية والولائية في 58 محافظة، بين سبعة أحزاب، هي "جبهة التحرير الوطني"، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، و"حركة مجتمع السلم"، و"حركة البناء الوطني"، و"جبهة المستقبل"، و"صوت الشعب"، إضافة إلى "جبهة القوى الاشتراكية"، كتلة المستقلين.
ونجحت "جبهة التحرير الوطني" خلال هذه الانتخابات في تثبيت فوزها السابق، وأكدت بحصولها على المرتبة الأولى من حيث المقاعد في البلديات والولايات، تجاوزها لتداعيات الأزمة الداخلية الناتجة عن الارتباك القوي الذي تعرضت له خلال فترة تظاهرات الحراك الشعبي، الذي أظهر رفضاً كبيراً لها، وحالة الشك التي حامت حول مصير الجبهة.
كما أبرزت النتائج تعافي حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" أيضاً من الهزة الداخلية التي تعرض لها عقب توقيف أمينه العام السابق أحمد أويحيى، وعدد من الوزراء التابعين للحزب في قضايا فساد في يونيو/حزيران 2019، والنزيف الذي شهدته قواعد الحزب بسبب انسحاب عشرات الكوادر منه، والتحاقها بأحزاب أخرى أو العمل كمستلقين.
وفي سياق النتائج، وعلى الرغم من أنها نافست في 500 بلدية فقط من مجموع 1541 بلدية، فإن "حركة مجتمع السلم"، نجحت في هذه الانتخابات في تثبيت نفسها كقوة سياسية قوية ومعارضة، خصوصاً أنها تمكنت من افتكاك حكم مدن كبرى ومهمة، ظلت لعقود تحت سيطرة أحزاب الموالاة، كوهران عاصمة الغرب الجزائري، وعنابة إحدى كبرى مدن الشرق، وسطيف شرقي الجزائر، ووادي سوف جنوبي البلاد، وهو ما وصفه بيان نشرته الحركة أمس الثلاثاء، بـ"النجاح في ولاياتٍ ذات رمزيةٍ وثقلٍ شعبي وسياسي، والتصدر في بعض عواصمها، والنجاح من حيث العضوية في ما يتجاوز 95 في المجالس الشعبية الولائية والبلدية التي ترشحت بها". وبدت الحركة راضية بما اعتبرته "تقدماً في تصدّر عدد من المجالس الشعبية الولائية والبلدية، وفي عدد المنتخبين على مستوى المجالس الشعبية الولائية، وعدد المنتخبين في المجالس الشعبية البلدية.
وحققت "حركة البناء الوطني" (أنشأها منشقون عن حركة مجتمع السلم – إخوان الجزائر) نتائج جيدة مقارنة مع تلك التي حققتها في الانتخابات المحلية 2017، لكنها اعتمدت في تحقيق ذلك على استقطاب عشوائي للمرشحين، لا يضمن استمرار مواقفهم لصالح الحركة في المرحلة المقبلة.
استمرار تقدّم "الكتلة الوطنية" مقارنة بأحزاب "الكتلة الإسلامية"
وتبرز قراءة في النتائج على أساس الكتل والتيارات السياسية، استمرار تقدّم "الكتلة الوطنية" التي تضم أحزاب "جبهة التحرير الوطني"، و"التجمع الديمقراطي"، و"جبهة المستقبل"، مقارنة بأحزاب "الكتلة الإسلامية" التي تضم حركتي "مجتمع السلم" و"البناء الوطني".
واللافت في نتائج الانتخابات المحلية، نجاح كتلة المستقلين في الحفاظ على موقعها الثاني في النتائج، على غرار نفس الموقع في الانتخابات النيابية الماضية، إذ حصلت على ثاني أكبر عدد من المقاعد في المجالس الولائية وفي المجالس البلدية، واستفاد المستقلون من تشجيع لافت وفّره القانون الانتخابي للشباب المستقل، من حيث تمويل الحملة الانتخابية، وخفض سنّ الترشح إلى 23 سنة، بهدف إدماج أكبر للشباب في العملية السياسية.
وفي مقابل ذلك، كرست هذه الانتخابات انكماشاً لافتاً لأحزاب سياسية بعضها تقودها شخصيات سياسية تعمل في الحقل السياسي منذ السبعينيات، على غرار "جبهة العدالة والتنمية" التي يقودها الشيخ عبد الله جاب الله، و"حركة النهضة" (أنشئت في بداية التسعينيات)، و"حركة الإصلاح"، وهي أحزاب دخلت مرحلة خمول سياسي قياسي، لكن النتائج كشفت أيضاً عن اختفاء أحزاب "تجمع أمل الجزائر"، و"التحالف الجمهوري"، و"الجبهة الجزائرية"، وخروج أكثر من 30 حزباً خالي الوفاض من بين 40 شاركت في الانتخابات من دون أي مقعد تماماً، حيث ساهمت هذه الانتخابات في تطهير الساحة السياسية من عدد كبير من الأحزاب التي كانت تتواجد بشكل عشوائي في الساحة، وتظهر في الاستحقاقات الانتخابية فحسب، لغرض الحصول على الدعم والتمويل المالي.
وإذا كانت الانتخابات المحلية قد أغلقت دورة مسار انتخابي بدأ بعد الحراك الشعبي، منذ الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2019، والاستفتاء على الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ثم الانتخابات النيابية التي جرت في شهر يونيو/حزيران الماضي، فإن نتائج انتخابات السبت الماضي، ربطاً بنتائج الانتخابات النيابية، تكون أغلقت رسم تشكل المشهد السياسي في البلاد، على أساس خريطة تضم سبعة أحزاب رئيسة، هي "جبهة التحرير الوطني"، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، و"حركة مجتمع السلم"، و"جبهة المستقبل"، و"حركة البناء الوطني"، و"صوت الشعب" و"جبهة القوى الاشتراكية"، إضافة إلى حزبين قاطعا الانتخابات، هما حزب "العمال" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، ستشكل أضلاع العملية السياسية خلال الفترة المقبلة التي ستدخل فيها الجزائر مرحلة الإصلاحات الهيكلية المثيرة للجدل سياسياً، والمكلفة اقتصادياً واجتماعياً.