أكد رئيس هيئة الانتخابات التونسية فاروق بوعسكر، في تصريح إذاعي بنهاية 2023، أن الانتخابات التونسية الرئاسية ستجرى في موعدها أي في سبتمبر/ أيلول أو أكتوبر/ تشرين الأول المقبلين.
وتساءل كثيرون في تونس عن نوايا الرئيس قيس سعيّد بشأن هذه الانتخابات، وعما إذا كان سيذهب إلى تنظيمها في موعدها، باعتبار أنه صاحب القرار الأوحد في البلاد.
كما طُرح تساؤل حول ظروف الانتخابات التونسية الرئاسية ومناخها العام، بحكم تراجع الديمقراطية وضرب الحريات واعتقال المعارضين والمنافسين، وكذلك موقف المعارضة من المشاركة فيها أو عدمها، خصوصاً أنها قاطعت كل الانتخابات السابقة التي دعا سعيّد إليها.
ناجي جلول: المشكلة أن جزءاً من التونسيين لا يعتبر الديمقراطية مطلباً مجتمعياً
والاثنين الماضي، أكد "الحزب الدستوري الحر"، في بيان، أن رئيسته المعتقلة عبير موسي "رهينة سياسية بسجون السلطة، في إطار مخطط إقصائي واضح المعالم، يهدف إلى إلغاء المنافس الجدي والديمقراطي في الانتخابات التونسية الرئاسية المقبلة، وفسح المجال للحاكم بأمره على الساحة العامة، وبث مناخ من الرعب والترهيب لإخراس الأصوات، عبر استغلال النفوذ على أجهزة الدولة والمؤسسة القضائية باستعمال المال العام وتسخير الإعلام العمومي للقيام بحملة انتخابية غير شرعية".
وكان سعيّد قد قال، في ذكرى وفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، في إبريل/ نيسان الماضي، إن "قضية الترشح للانتخابات لا تُخامرني، بل يُخامرني الشعور بالمسؤولية"، مضيفاً أن "القضية هي قضية مشروع يتعلق بكيفية التأسيس لمرحلة جديدة".
وتابع: "المناصب والقصور لا تهمني، ما يهمني هو وطني، ولست مستعداً لتسليم وطني إلى من لا وطنية لهم". وكلام سعيّد مفتوح على كل التأويلات، خصوصاً ما يتعلق "بعدم تسليم الوطن لمن لا وطنية لهم"، على حد تعبيره.
لا شيء يمنع إجراء الانتخابات التونسية الرئاسية بموعدها
وقال ناجي جلول، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في 2019، ورئيس حزب الائتلاف الوطني، لـ"العربي الجديد"، إنه "مبدئياً، لا شيء يمنع إجراء الانتخابات التونسية الرئاسية في موعدها، وهناك دول نظمت انتخابات رئاسية حتى في حالة حرب. أخلاقياً الرئيس مجبر على إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها، وإذا تعذر فقد تجري بعد بضعة أشهر، وأعتقد أنه بقي لنا في تونس تقريباً فتات من الانتقال الديمقراطي يسمح بتنظيمها".
وأضاف: "المشكل أن هناك إمكانية عزوف كبيرة عن الانتخابات، لأن التونسي أصبح لا يؤمن كثيراً بالتغيير بواسطة الانتخابات. فقد شارك في كثير من المحطات الانتخابية ولم يتغير شيء في حياته. والخطير أن جزءاً من التونسيين أصبح لا يكترث للمصير المشترك، في حين أن الديمقراطية هي الإيمان بالمصير المشترك والتفكير فيه".
وبيّن جلول أنه "إذا أردنا أن تنجح الانتخابات التونسية الرئاسية فيجب أن يقدّم المرشحون، سعيّد والمعارضون، برامج اقتصادية واجتماعية وثقافية، ومشروعاً سياسياً بديلاً عما رأيناه خلال الـ13 سنة الماضية". وفي ما يتعلق بظروف الانتخابات واتهام هيئة الانتخابات بعدم الحياد، أعرب جلول عن اعتقاده بأنه "في هذا البلد لا يزال هناك من يملك الحياء حتى يتعظ من التاريخ، ولا يذهب في اتجاه تدليس الانتخابات المقبلة".
جزء من التونسيين لا يعتبر الديمقراطية مطلباً مجتمعياً
وعن الاعتقالات وتراجع حرية التعبير، قال جلول: "صحيح أن هناك تضييقاً على الحريات اليوم، ولكن ما زال هناك حرية في الكلام وبقايا من الديمقراطية، ولكن المشكلة أن جزءاً من التونسيين لا يعتبر الديمقراطية مطلباً مجتمعياً، وهذا فشلُنا جميعاً". وبين جلول أن "الثورة التونسية غيّرت الموازين والعالم تغير، ففكرة إزاحة المنافسين بالسجون ليست ناجعة، ونموذج كوريا الشمالية لم يعد قابلاً للتنفيذ".
رياض الشعيبي: لا يمكن أن نتحدث عن انتخابات في ظل استمرار الوضع الحالي المتأزم
وبخصوص استبعاد المنافسين والتضييق على الأحزاب وإضعافها بالاعتقالات، قال جلول: "لا أتصور أن الرئيس سيذهب نحو إبعاد منافسين، ولكن هناك صعوبات حقيقية أمام الأحزاب بعقد الاجتماعات والتظاهرات، والإعلام العمومي أصبح تقريباً حكراً على داعمي مسار 25 يوليو/ تموز 2021، وهناك تضييق على المعارضة والأحزاب، ولكن هذا لا يمنع أنه ما زال هناك الحق في العمل السياسي والاجتماعات والتنقل، فالتضييق موجود، وهو ما قد يدفع الأحزاب إلى مراجعة أساليب عملها". ولفت إلى أن "ما نعيشه الآن هو آخر مراحل الانتقال الديمقراطي، وأتصور أن انتخابات 2024 ستكون مختلفة عما سبقها".
وأشار جلول إلى وجود "توجه نحو تقديم مشروع متكامل وحكومة وبرامج، عكس ما قام به الرئيس الحالي الذي منح المسؤوليات لأصدقائه، أو الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي الذي جلب عائلته".
وقال: "سيتم ترشيح الأجدر من العائلة الوطنية، أي شخصية تقبل بالبرنامج الذي سيعده حزبنا، وإنقاذ البلاد التي لم تعد قادرة على استيعاب هذا التطاحن والصراعات، فالبلاد بحاجة لوحدة وطنية وحوار وطني".
ما هو موقف "الخلاص" و"النهضة" من الانتخابات التونسية الرئاسية؟
القيادي في حركة النهضة وفي جبهة الخلاص رياض الشعيبي أكد، لـ"العربي الجديد"، أن "حركة النهضة التزمت، منذ انضمامها لجبهة الخلاص الوطني، بتنسيق مواقفها السياسية مع الجبهة والالتزام بما تتفق عليه معها".
وأضاف: "في ما يخص الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالحوارات لا تزال جارية داخل النهضة وداخل الجبهة، لذلك ليس هناك موقف رسمي حول المشاركة أو عدمها. غير أن الاتفاق حاصل على أهمية توفر شروط الانتخابات النزيهة، وتنقية المناخ السياسي وإطلاق سراح المعتقلين ورفع يد السلطة عن الفضاء العام".
وأوضح الشعيبي أنه "لا يمكن أن نتحدث عن انتخابات في ظل استمرار الوضع الحالي المتأزم، ومن المؤكد أن استمرار النزعة التسلطية للسلطة سيمثل عائقاً حقيقياً أمام المشاركة في هذه الانتخابات".
وعن بحث المعارضة لتقديم مرشح موحد لمنافسة سعيّد، قال الشعيبي إنه "ليست هناك خيارات كثيرة أمام القوى الديمقراطية المقاومة للانقلاب غير الاتفاق على مرشح واحد إذا قررت المشاركة في الانتخابات الرئاسية، في ظل الشروط والضمانات الكافية، وذلك بغض النظر عما إذا كان هذا الاتفاق في الدور الأول أو الثاني، إذ يبقى ذلك لتقدير اللحظة وفرص كل من ينوي الترشح".
وأوضح أن "الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون بمثابة الاستفتاء على مسار 25 يوليو، لذلك لا بد من مشروع ديمقراطي موحد لمنافسته، يكون أحد أهم شعاراته استئناف المسار الديمقراطي وإلغاء المسار الانقلابي الحالي".
وكشف الشعيبي أنه "إلى حد الآن ليست هناك أسماء متداولة، لأننا كما قلت لم نقرر موقفنا من الانتخابات. غير أننا لا نثق في إرادة هذه السلطة لتنظيم انتخابات نزيهة، لأنها ستخسرها حتماً أمام تراجع شعبيتها وافتضاح شعاراتها الزائفة".
ونبه إلى "إمكانية إدخال تحويرات إقصائية على القانون الانتخابي، بما يفضي إلى استبعاد بعض المنافسين الجديين المحتملين للرئيس الحالي. وإذا حصل ذلك، فإن هذا الأمر سيراكم فشل هذه السلطة، التي عجزت إلى حد الآن في إعادة بناء شرعيتها السياسية والشعبية في مختلف المحطات التي خاضتها".
وختم الشعيبي بأن "حملة الاعتقالات التي انطلقت منذ أكثر من سنة أزاحت بالفعل مرشحين محتملين للرئاسة. ومن غير المستبعد أن تتوسع دائرة الاستهداف لتشمل شخصيات أخرى يمكن أن تمثل خطراً على مرشح السلطة في انتخابات 2024".