استمع إلى الملخص
- أثارت الانتخابات جدلاً بسبب إقصاء مرشحين وتعديل القانون الانتخابي، مع تحديات تواجه زمال بسبب سجنه، بينما يركز المغزاوي على دستور 2022 وسعيّد على قراراته السابقة.
- دعا بعض السياسيين إلى مقاطعة الانتخابات، مشيرين إلى تدخلات تؤثر على نتائجها وتثير مخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية في تونس.
يتوجّه التونسيون، بعد غد الأحد، إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشح للانتخابات الرئاسية من بين ثلاثة قبلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ترشحهم، وهم رئيس حركة عازمون، العياشي زمال، المسجون حالياً، والذي يحمل الرقم 1 على ورقة الانتخابات التونسية المقبلة، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي الذي يحمل الرقم 2، والرئيس الحالي قيس سعيّد الذي يحمل الرقم 3. وتتضارب الوعود الانتخابية بين المرشحين الثلاثة، خصوصاً السياسية منها، إذ تتحدد مواقف الجهات الحزبية والمدنية والشعبية في الغالب من المواقف السياسية وما يُقترح من إصلاح للمناخ السياسي، بعد سنوات من تراجع منسوب الحرية في البلاد.
دستور جديد
يؤكد مدير حملة زمال، رمزي الجبابلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "البرنامج السياسي للعياشي زمال يقوم على وضع دستور جديد (بعد الدستور الذي صدّق عليه الرئيس التونسي قيس سعيّد عقب استفتاء 25 يوليو/تموز 2022، والذي يمنح سلطات أوسع عن تلك التي في دستور 2014 الذي وضع بعد الثورة) في ظرف ثلاثة أشهر، وسيكون الأنجع لأنه سيكون بمشاركة جلّ التونسيين وسيتم عرضه على الاستفتاء وتصادق عليه المحكمة الدستورية". ويشير إلى أن الحملة تدعو أيضاً إلى "الإفراج عن جميع المساجين السياسيين، لأنه يُفترض أن يكون السجن آخر الحلول حتى بالنسبة لجرائم الحق العام"، موضحاً أن "السجون اليوم مكتظة في حين أن الحرية هي الأساس، وهناك عقوبات بديلة يمكن اعتمادها". ويشدّد على ضرورة "طيّ هذه الصفحة بعيداً عن الصراعات الأيديولوجية واقتسام السلطة، وكل هذا يجب أن ينتهي من أجل فكرة المواطنة والعيش المشترك".
ويلفت الجبابلي إلى أن "المسار الانتخابي تعسفي، ظالم واستبدادي"، موضحاً أنه "لا يكفي الانحرافات التي حصلت تجاه بقية المرشحين وعدم تطبيق أحكام المحكمة الإدارية (إقصاء كل من عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي ومنذر الزنايدي من قبل هيئة الانتخابات التونسية رغم قرار المحكمة الإدارية بإدراجهم في قائمة المرشحين)، وتنقيح القانون الانتخابي لسحب البساط من المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات ومنح صلاحياتها للقضاء العدلي، بل يتم التنكيل بالمرشح العياشي زمال وحرمانه من ممارسة حقه بوصفه مرشحا، وعدم منح التونسيين حق الاختيار، كي يكونوا يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول أمام مرشح وحيد وأوحد".
رمزي الجبابلي: البرنامج السياسي للعياشي زمال يقوم على وضع دستور جديد
وبرأي الجبابلي فإنه "من الغريب أن ندخل انتخابات بمرشحَيْن اثنين وسجين (في إشارة إلى زمال)، في حين أن التعددية الانتخابية لا تعني الزج بالخصوم في السجن، خصوصاً بعد قبول ترشح زمال رسمياً من قبل هيئة الانتخابات". ويبيّن أن "حظوظ العياشي زمال كبيرة بحسب الحملة الانتخابية وتحركاتها في الشارع وردود الأفعال، وهو يحظى بتعاطف شعبي"، معتبراً أنه "قد يكون الأوفر حظاً في الفوز، لذلك يتم وضع العراقيل". ويشير إلى أن "لا أحد يمكن أن يتحكّم في إرادة التونسيين، ويؤمل أن تكون لهم الكلمة، لأنهم لن يفرطوا في حريتهم"، مبيناً أن مقاطعة الانتخابات التونسية "تجعل الطريق مفتوحاً أمام استمرار هذه السلطة، ولن يكترث أحد بعد ذلك، ولكن التصويت والتعبير بحرية لقول لا ينبغي أن يكون عبر الصندوق".
في المقابل، قال المرشح زهير المغزاوي إنه "لا عودة إلى دستور 2014" في حال فوزه بالانتخابات، وإن "تلك مرحلة من تاريخ تونس انتهت، ولا عودة إلى الوراء"، مشدّداً في تصريح لإذاعة موزاييك الخاصة، الأربعاء الماضي، على أنه ''لن نعود للجمهوريات التي كانت موجودة وأجواء المشاحنات في البرلمان والتي انتهت بعيش كلّ التونسيين حالة من الإحباط. وأنا الضمان لعدم عودة كل ما سبق''. وبرأيه فإن "تونس ليست ملكاً لرئيس الجمهورية، بل هي ملك لشعبها ولمؤسساتها"، متعهّداً بأن "تتم المحافظة على دستور 2022، مع إدخال تعديلات في صلاحيات رئيس الجمهورية لأنه من غير المقبول أن تكون كل الصلاحيات في يد شخص واحد فوق المحاسبة". وقال إن "هذه التعديلات ستشرف عليها لجنة من الخبراء"، مشيراً إلى أنه في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية سيقوم بتعيين المحكمة الدستورية في غضون شهر واحد، وسيلغي العمل بالمرسوم 54 (يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال ويحاكم بموجب حالياً نشطاء وسياسيين)، "لأن مكافحة هتك الأعراض لا تكون بقانون يكمم الأفواه، بل هناك قوانين تمنع ذلك".
تعهّد المرشح زهير المغزاوي بالمحافظة على دستور 2022 مع إدخال تعديلات في صلاحيات رئيس الجمهورية
من جهة أخرى فإن قيس سعيّد لم يصرّح ببرنامجه السياسي بالتفصيل. ووفق بيانه الانتخابي، منتصف الشهر الماضي، فإن "الهاجس الأكبر من وراء إجراءات 25 يوليو 2021 (ألغى العمل بدستور 2014، وحلّ البرلمان ومجلس القضاء) كان الحفاظ على السلم داخل المجتمع"، قائلاً إن "كل خطوة تم اتخاذها كانت خطوة في حقل مليء بالألغام"، فضلاً عن "اكتشاف ارتباط العديد من الدوائر الإجرامية في الداخل بمثيلاتها في الخارج". وأشار في البيان إلى أنه "قد يأتي يوم تذكر فيه تفاصيل كثيرة عن المغالطات وكل أوجه العمالة وشتى الخيانات"، مضيفاً أنه "أمام سلب الثروات واستشراء الفساد وتهريب الأموال والإرهاب والاغتيالات، والتسلل إلى كل مفاصل الدولة بهدف تقسيمها، كان لا بدّ من اتخاذ القرار التاريخي لإنقاذ الدولة والاستجابة لمطالب المواطنين لحقّهم في حياة كريمة تحفظ حقوقهم وحرياتهم، والدخول يداً واحدة في معركة تحرير وطنية لا رجوع بعدها إلى الوراء، فكان يوم 25 يوليو 2021".
خلافات الانتخابات التونسية
هذه المواقف والوعود المتباينة، ألقت بظلالها على الساحة السياسية التونسية، خلال الأيام الماضية، وعمّقت الخلافات بشأن اختيار المرشح الأنسب، وبشأن المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات التونسية. فقد دعا الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، في رسالة مسجلة على منصة فيسبوك، مساء أول من أمس الأربعاء، التونسيين إلى "مقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة"، إذ إن "من قام بالانقلاب ووضع الناس في السجون وضيّق على الحريات وغيّر القوانين، لن يقبل بانتخابات نزيهة وديمقراطية"، متسائلاً "هل تتصورون فعلاً أن من قام بكل ذلك سيقبل بانتخابات نزيهة؟". ورأى المرزوقي أن "نتائج الانتخابات التونسية محسومة سواء صوّت التونسيون أم لم يصوّتوا، ومهما كان اختيارهم، لأن القرار تم اتخاذه من الدولة العميقة ومن أربع دول أجنبية معنية بالشأن التونسي. وأن الذهاب للتصويت هو قبول بلعب دور كومبارس في مسرحية رديئة". وحذّر من "إعادة انتخاب سعيّد لخمس سنوات مقبلة"، معتبراً "ذلك سيؤدي إلى انهيار الوضع الاقتصادي بسبب تفاقم الأزمة السياسية منذ الانقلاب وكذلك بسبب مناخ الاستثمار المتردي واستهداف جميع رجال الأعمال ما أدى إلى نفورهم وبحثهم عن وجهات استثمار خارجية".
ومن سجنه في المرناقية، بالضاحية الغربية للعاصمة، وجّه المعتقل السياسي عبد الحميد الجلاصي (استقال من حركة النهضة في 2020) رسالة إلى التونسيين، دعا فيها إلى "المقاطعة وعدم مخادعة شعبنا بمعارك لا فائدة فيها". وقال إن "صاحب الانقلاب كان منذ البداية يهيّئ لانتخابات يكون فيها منافساً لنفسه"، موضحاً أن "مشروعه لنفسه هو تملّك الدولة وتحييد المجتمع، وكلّ الخطوات الّتي حدثت منذ 25 يوليو 2021 في مسار بناء المؤسسات والتشريع والتعاون مع الوضع السياسي تؤكد ذلك". وأضاف الجلاصي بشأن الانتخابات التونسية أن "الزخم الذي أحدثه ترشّح عدد من الشخصيات الوازنة، أثار ارتباك صاحب السلطة وخوفه واستعداده لتجاوز كل الحدود، فلا شيء غير ممكن في نظره".
وتابع: "لا أرى الآن رهاناً انتخابياً ممكناً إذ لا يتوفر عرض مقنع وناجع، فأحد المنافسين هو من عُمق منظومة الانقلاب (يقصد المغزاوي)"، مضيفاً أنه "رغم أهمية الميثاق الذي قدّمه المرشح العياشي زمال، فليست له حظوظ كافية للتنافس بسبب الهرسلة (القمع) التي يتعرّض لها".كذلك قال المعتقل جوهر بن مبارك، والقيادي في جبهة الخلاص الوطني المعارضة، في رسالة من سجنه: "بعد أن حرمتني سلطة الانقلاب من ممارسة حقي في التصويت. فإني أدعو جميع المناضلات والمناضلين الذين ملأت حناجرهم ساحات الاحتجاج والمقاومة أن يبلغوه نيابة عني وفي حقي يوم السادس من أكتوبر في صناديق الاقتراع"، وأن يضعوا "قاطع ومقطوع" تحت "صورة المرشح عدد 1 العياشي زمال". وأضاف بن مبارك: "لا تتركوه يعبث وحيداً بإرادة التونسيين والتونسيات، وأوصِلوا أصواتكم وتصويتكم بقوة وبكثرة".