الانتخابات التشريعية الروسية: الحزب الشيوعي في مرمى نيران السلطة

31 يوليو 2021
صعّد زعيم الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف (وسط) لهجته (فاليري شاريفولين/Getty)
+ الخط -

مع بدء العد التنازلي لإجراء انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي بين 17 و19 سبتمبر/أيلول المقبل، تواصل السلطات الروسية تضييق الخناق على الحزب الشيوعي الروسي، على الرغم من أنه أبدى دوماً ولاءً للكرملين، وكذلك على الرغم من ضعفه أمام حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، الذي استعان في قائمته المرشحة للانتخابات بشخصيات ذات شعبية وثقل، في مقدمتها وزيرا الخارجية، سيرغي لافروف، والدفاع، سيرغي شويغو، بعد إبعاد رئيس الحزب، دميتري مدفيديف، عن ترؤس القائمة.

ومن مؤشرات تزايد الضغوط على عدد من مرشحي الحزب الشيوعي، استبعدت السلطات الانتخابية الروسية، المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية في عام 2018، بافيل غرودينين، من القائمة الفيدرالية للحزب الشيوعي، بذريعة امتلاكه حصة في شركة لم يذكرها في إقراره المالي. كما استدعت الشرطة الروسية أخيراً، المرشح نيكولاي بوندارينكو، لاتهامه بـ"نشر مواد متطرفة" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما قد يفضي لاستبعاده كذلك من السباق الانتخابي.

طلب زيوغانوف صراحة من بوتين الاختيار بين "الاجتماعية" و"الفاشية"

وأول من أمس الخميس، أوقفت الشرطة الروسية 18 مشاركة في وقفة أمام مبنى ديوان الرئاسة الروسية، احتجاجاً على استبعاد غرودينين من الانتخابات. بدوره، صعّد زعيم الحزب الشيوعي، غينادي زيوغانوف، لهجته، طالباً صراحة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاختيار بين "الاجتماعية" و"الفاشية". ولخص الانتقال إلى الفاشية في "تصفية المعارضة بالقوة"، وقانون رفع سن التقاعد (الذي وقّعه بوتين في أكتوبر/تشرين الأول 2018 وأثار احتجاجات واسعة)، وعجز السلطة عن التحكم في أسعار أبسط المواد الغذائية، وغيرها من المظاهر.

وبذلك، لم يعد تضييق الخناق على المعارضة يقتصر على أشد خصوم الكرملين أمثال المعارض المعتقل، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، بل بات يطاول المعارضة البرلمانية، في مؤشر على تزايد التوجس من النتائج التي قد تفضي إليها الانتخابات، واختلاف الحملة الانتخابية الحالية عن سابقاتها.

في السياق، أرجع المدير العام لمركز المعلومات السياسية في موسكو (شركة استشارات متخصصة في التحليل السياسي والعلاقات العامة)، أليكسي موخين، الحملة الحالية على الحزب الشيوعي إلى وجود عناصر في صفوفه تشكل حساسية لـ"روسيا الموحدة"، الذي يعاني تراجعاً في شعبيته منذ ثلاث سنوات. وقال موخين في حديث مع "العربي الجديد": "صحيح أنّ الحزب الشيوعي موالٍ بشكل عام، ولكن صفوفه تتضمن عناصر تشكل حساسية لروسيا الموحدة، بمن فيهم غرودينين بسبب نقده غير البناء، والنائب فاليري راشكين الذي يغازل النافالنيين (في إشارة لأنصار نافالني). وصحيح أن زيوغانوف يبقى على تواصل دائم مع ديوان الرئاسة من جانب، ولكنه لم يعد يتحكم في أعمال أتباع حزبه، من جانب آخر".

وشرح موخين أسباب قلق "روسيا الموحدة" من منافسيه، قائلاً إن "الحزب الحاكم يعاني من صداع، منذ الإعلان عن الإصلاح القاضي بالرفع التدريجي لسن التقاعد في عام 2018"، في إشارة إلى تهاو متواصل لنسبة تأييد الحزب، وفق استطلاعات الرأي منذ ذلك الحين.

نسبة تأييد "روسيا الموحدة" لم تعد تتجاوز 30 في المائة

وبحسب آخر الاستطلاعات لـ"صندوق عموم روسيا لدراسة الرأي العام"، فإنّ نسبة تأييد "روسيا الموحدة" لم تعد تتجاوز 30 في المائة، ولكنه لا يزال مع ذلك يتفوّق بفارق هائل على الأحزاب الثلاثة الأخرى الممثلة في البرلمان، أي الشيوعي (بنسبة تأييد تبلغ 14 في المائة) والليبرالي الديمقراطي (10.6 في المائة) و"روسيا العادلة" (7 في المائة).

وحول رؤيته لتشكيلة الأحزاب التي قد تصل إلى الدوما، رأى موخين أنّ "التشكيلة الرئيسية لن تتغيّر من جهة تأهل أحزاب روسيا الموحدة والشيوعي والليبرالي الديمقراطي، بينما حزب روسيا العادلة، قد لا يصل إلى البرلمان هذه المرة، وقد يحل محله حزب يابلوكو (تفاحة) الليبرالي أو حزب المتقاعدين من أجل العدالة الاجتماعية". ولكنه أوضح في الوقت نفسه أن "هناك مشكلة قد تحول دون تأهل يابلوكو، وهي طرحه تسوية قضية شبه جزيرة القرم، في موقف خارج عن الإجماع السائد في روسيا". وتضمن البرنامج الانتخابي لـ"يابلوكو" الذي تم الإعلان عنه مطلع يوليو/تموز الحالي، بنداً لافتاً، خاصاً بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014، داعياً إلى تنظيم مؤتمر دولي لـ"حل مشكلة القرم"، ومرجعاً ذلك إلى سعيه لأن تكون لروسيا "حدود معترف بها".

أما "روسيا الموحدة"، فيبدو أنه بات يراهن على لافروف (71 عاماً) وشويغو (66 عاماً)، اللذين يعتمد بوتين كثيراً عليهما في سياساته، لمواجهة تآكل شعبية الحزب. وبحسب صحيفة "كوميرسانت" الروسية، فإنّ شويغو ولافروف سيشاركان في 9 أغسطس/آب المقبل، في مراسم الافتتاح الرسمي لمقر الدعم المجتمعي لـ"روسيا الموحدة".

يراهن "روسيا الموحدة" على لافروف وشويغو لمواجهة تآكل شعبية الحزب

ولا يستبعد موخين احتمال انتقال لافروف أو شويغو إلى منصب برلماني رفيع بعد الانتخابات، قائلاً: "لمَ لا؟ يشاع أنّ كليهما يتمنيان منذ فترة طويلة إعفاءهما من منصبيهما الحاليين، وقد يشغل أي منهما منصباً مثل رئيس أو نائب رئيس البرلمان".

وبشأن التكهنات حول مصير الحزب الشيوعي، رأى المحلل السياسي، فيودور كراشينينيكوف، أنّ "خضوع قيادة الحزب الشيوعي، أدى إلى فقدان الأخير نفوذه، ولكن ذلك لا يمنع الكرملين من اعتباره تهديداً في ظروف الأزمة السياسية".

وفي مقال بعنوان "متى وكيف يُحظر الحزب الشيوعي الروسي؟"، نُشر في صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية، يوم الأربعاء الماضي، قال كراشينينيكوف إنه "يبدو من الوهلة الأولى، أنّ الكرملين لن يجرؤ أبداً على حظر حزب ذي أيديولوجيا ونواة صلبة من الناخبين، ولا ينتمي للراديكاليين غير النظاميين الموالين للغرب، وغيرهم من الخونة". ومع ذلك، سخر كاتب المقال من أنه "يمكن تحميل الحزب المسؤولية حتى عن مصائب الحقبة السوفييتية مثل إعدام آخر قياصرة آل رومانوف، نيقولاي الثاني، في عام 1918، ورسم خريطة الاتحاد السوفييتي على طريقة أصبحت القرم تتبع عليها لأوكرانيا".

وأرجع كراشينينيكوف السبب الرئيسي لتضييق الخناق على الحزب الشيوعي إلى أنه "لم يعد يساعد السلطة في استيعاب وجذب أصوات الناخبين الغاضبين، بل بات ينافسها على تلك الأصوات التي تحتاج إليها". يذكر أن الحزب الشيوعي يعد في تشكيلة مجلس الدوما الحالي، ثاني أكبر كتلة برلمانية تضم 43 نائباً، متفوقاً على الحزب الليبرالي الديمقراطي (40 مقعداً) و"روسيا العادلة" (23 مقعداً)، بينما يسيطر "روسيا الموحدة" الحاكم على 335 من أصل 450 مقعداً.

المساهمون