الانتخابات التركية: اهتمام أميركي ينمّ عن رغبة بتغيير أردوغان

13 مايو 2023
تشير الاستطلاعات إلى تقارب في الأصوات بين أردوغان ومنافسه كلجدار (Getty)
+ الخط -

تتابع الأوساط والدوائر الأميركية انتخابات الرئاسة التركية، من موقع المعني بها أكثر من المراقب لها، خاصة في الآونة الأخيرة، بعد أن بات المرشح كمال كلجدار أوغلو منافساً "جدّياً" للرئيس أردوغان، بل متقدماً عليه ولو بفارق ضئيل، حسب استطلاعات الانتخابية. وهو ما غلّب لغة التفاؤل، ولو الحذِر، على التوقعات التي ذهب بعضها إلى حدود الحديث من الآن عن الترتيبات والمقاربات المطلوب من الإدارة الأميركية اعتمادها لإعادة نسج علاقة مع الزمن التركي الجديد، تتسق مع "الهيكلية الأمنية الأميركية-الأوروبية"، وفق تحليل أعدته مؤسسة "كارنيغي" للدراسات والأبحاث في واشنطن.

وهنا يكمن جوهر الخلاف بين واشنطن وأنقرة. فالعلاقات مرت بمحطات كانت كفيلة بتدميرها لولا خصوصية الرابط المانع للانفصال بين البلدين، أو ما سماه البعض بالتعايش المفروض مع حالة "الصداع النصفي" التركي- الأردوغاني.

في أكثر من مرة ارتفعت أصوات أميركية تدعو إلى إخراج أنقرة من حلف "الناتو"، كان أبرزها عندما تزوّدت تركيا بنظام إس 400 الروسي للدفاعات الجوية، رداً على تراجع واشنطن عن الشراكة مع تركيا في مشروع المقاتلة إف 35 الأميركية.

قائمة الخلافات التي يجري التذكير بها طويلة، تبدأ من تعاطف واشنطن مع قضية الأرمن، وما تثيره من حساسية تركية، وتنتهي بامتناع أنقرة حتى اللحظة عن الموافقة على عضوية السويد في "الناتو". 

على هذه الخلفية تراكم كمّ كبير من الريبة والشكوك، بحيث صارت العلاقات معلقة بخيط رفيع تمسك به الحاجات المتبادلة، وبما حوّلها إلى "علاقة معاملات" أو "علاقة انتقالية"، حسب أحد المختصين بالشأن التركي.

من هنا، فالاهتمام الأميركي بالانتخابات التركية باعتبارها حدثاً "تاريخياً" يصادف مئوية المؤسس مصطفى كمال أتاتورك، ثم إنه مفصلي لما سوف يترتب على نتائجه من مضاعفات وتبعات، فهو يأتي بعد أطول فترة حكم لقيادة تركية في العصر الحديث، في مرحلة تميزت بالمفارقات والاقتحامات وأحياناً بالمفاجآت والتقلبات، وبما أربك الحلفاء وأثار الحيرة لدى الخصوم. هو الحليف الوازن الوحيد في حلف "الناتو" الذي خرج أحياناً عن السرب ووضع واشنطن في حالة من عدم القدرة على الرد الآني. الحليف الذي مارس لعبة التحدي ولو المؤقت معها، من شمالي سورية ومطاردة حلفائها الأكراد، إلى تجاوز العقوبات والتعامل التجاري مع روسيا. لذلك يتطلع الأميركيون إلى الانتخابات التركية فرصة توفرها توازنات اللحظة الراهنة "للتخلص" من الرئيس أردوغان، ففي التقدير أن أوراقه المحلية لم تعد بقوة ما كانت عليه في السابق.

"نزعته الفردية" في الحكم، وتراكم الأخطاء، خصوصاً "الاقتصادية" (مثل خفض سعر الفائدة لمحاربة التضخم) التي أدت إلى حالة الضيق، ثم تداعيات الزلزال الأخير عشية الانتخابات، إضافة إلى وحدة المعارضة "حول شخصية معتدلة"، كله مع بعضه أدى إلى رفع رصيد منافسه، بالرغم من أن الانقسام السياسي في البلد يميل لصالحه، 65% محافظون و35% يساريون، وفق الاستبيانات. برغم ذلك يتقاسم أصوات الناخبين بالنصف مع كمال كلجدار أوغلو. وهي مناصفة يرى فيها مراقبون مؤشراً على احتمالات فوز هذا الأخير الذي يحظى بوحدة التفاف المعارضة حوله، ولو أن هناك من يسارع للتذكير بأن قاعدة الرئيس أردوغان الانتخابية ما زالت "موالية" له، فضلاً عن الامتيازات التي يتمتع بها بحكم المنصب، وقدرته على توظيفها في الساعات الأخيرة من الحملة الانتخابية.

مع ذلك يبقى الترقب سيد الموقف، حيث كل الاحتمالات واردة. كما يسود التحفظ فيما يتعلق باحتمالات التغيير في السياسة الخارجية.

المؤكد الوحيد، حسب أحد المتابعين، أن الفترة التركية القادمة "محكومة بالمشاكسات والخصومات" حتى لو حصل التغيير الرئاسي. كما يرجح الاعتقاد بأنه حتى في هذه الحالة فإنه لن يكون من السهل على الرئيس الجديد لو فاز، التراجع عن كل سياسات أردوغان، أو التماهي مع جميع التوجهات الغربية، كالتعامل مع روسيا، حيث صار لتركيا مصالح راسخة ومتبادلة معها.

في الوقت المتبقي قبل فتح صندوق الاقتراع، تأمل نخب السياسية الخارجية بأن تصدق التوقعات، وإن كانت لا تخلو من الرغبوية.

المساهمون