الانتخابات البرلمانية التونسية.. خريطة المقاطعين والمشاركين

15 ديسمبر 2022
تعدّ هذه الانتخابات التشريعية الرابعة منذ الثورة (Getty)
+ الخط -

يصوت التونسيون في 17 ديسمبر/ كانون الأول على أول انتخابات تشريعية منذ سيطرة الرئيس قيس سعيّد على كل السلطات في 25 يوليو/ تموز 2021، ليشهد الجسم الانتخابي انقساماً حاداً لم يعرف له مثيلاً منذ ثورة عام 2011، فرّق التونسيين بين مشاركين ومقاطعين.

وتعد هذه الانتخابات التشريعية الرابعة منذ الثورة، ويصفها الخبراء بالانتخابات المبكرة بعد أن أقدم سعيّد على حل البرلمان المنتخب في 30 مارس/آذار الماضي، وقام بتمرير دستور جديد عبر الاستفتاء في 25 يوليو/ تموز، ثم وضع مرسوماً انتخابياً في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما زاد حدة الانقسام بعد قرار غالبية الطيف الحزبي والسياسي والمدني مقاطعة المسار السياسي الذي فرضه الرئيس منذ تفرده بالسلطات. 

ويعتبر مراقبون أن هذه الانتخابات هي الخطوة الأخيرة لإرساء مشروع الرئيس سعيّد من أجل بناء جمهورية جديدة، كما يراها.

وينقسم المشهد السياسي ليلة الانتخابات إلى قطبين انتخابيين بارزين، قطب المشاركين في الانتخابات والمساندين لمسار 25 يوليو، الذين يتوزعون إلى الأحزاب القومية والعروبية، وأبرزها حزب حركة الشعب والتيار الشعبي وحزب تونس إلى الأمام، وعدد من الحركات السياسية الجديدة المساندة لسعيّد، وحزب التحالف من أجل تونس، وبعض أعضاء الأحزاب التي حكمت خلال العشرية الماضية، أبرزها حزب نداء تونس ومستقيلون من قلب تونس. 

أما القطب الثاني الذي يصفه خبراء الشأن الانتخابي بالأكبر، فيجمع رافضي "منح الانقلاب الشرعية"، حسب تعبيرهم، على غرار مكونات جبهة الخلاص الوطني التي تضم حزب النهضة (أكبر الأحزاب البرلمانية حسب نتائج انتخابات 2019)، وحزب قلب تونس، وحزب ائتلاف الكرامة (من بين أكبر الأحزاب البرلمانية عدداً)، وحراك مواطنون ضد الانقلاب، وحركة أمل، وحراك "تونس الإرادة واللقاء الوطني للإنقاذ"، وحراك توانسة من أجل الديمقراطية، واللقاء من أجل تونس، وحزب العمل والإنجاز، وتيار المحبة واللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى تنسيقية عن نواب مجلس الشعب المنحل.

كما تمثل مجموعة أخرى من الرافضين الأحزاب اليسارية الاجتماعية، وتشكل جسماً مهماً سيقاطع الانتخابات القادمة، كما قاطع قبلها الاستفتاء، وتضم 5 أحزاب سياسية تتكون من التيار الديمقراطي وحزب التكتل والحزب الجمهوري وحزب العمال وحزب القطب.

كما يعتبر الحزب الدستوري الحر أيضاً من أبرز المقاطعين للانتخابات، وهو من بين الأحزاب الوازنة حسب نتائج سبر الآراء المختلفة.

إلى ذلك، توسع الجسم الانتخابي المقاطع للانتخابات إلى أحزاب أخرى شاركت في الاستفتاء بمعارضة الدستور، ولكنها قررت المقاطعة اليوم على غرار حزبي آفاق تونس والاتحاد الشعبي الجمهوري، إلى جانب أحزاب أخرى جديدة كحزب عازمون وحزب الائتلاف الوطني.

واعتبر القيادي بحزب النهضة (عضو جبهة الخلاص المقاطعة للانتخابات) العجمي الوريمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذه "الدعوة للمقاطعة تأتي تعبيراً عن رفضنا أن نكون شهود زور على هذه المرحلة البائسة، وتعبيراً عن مسؤوليتنا تجاه شعبنا الذي خاب أمله من الرئيس المنتخب، الذي تحول إلى ديكتاتور مُنقلب يهدم ولا يبني، ويعمق كل يوم عزلته وعزلة البلاد لعدم درايته بإدارة الدولة، وعدم إدراكه عواقب العبث الناتج عن خياراته البائسة".

وشدد على أن "أول من قام بتقسيم التونسيين منذ انتخابه رئيساً للجمهورية هو قيس سعيّد، الذي أضاع على نفسه وأنصاره وعلى البلاد فرصة تاريخية لإتمام البناء الديمقراطي، من خلال استكمال المؤسسات الدستورية، ودعم الإصلاحات الكبرى لتحقيق أهداف الثورة، وأهمها الكرامة للتونسيات والتونسيين".

وتابع القيادي بحزب النهضة أن سعيّد "اعتمد خطاباً شعبوياً فيه ترذيل للنخبة وللأحزاب، وفيه دغدغة لعواطف الجماهير دون أن يحل ملفاً واحداً أو يحقق إنجازاً واحداً منذ التدابير الاستثنائية التي اتخذها"، مستغلاً "الأزمتين الصحية والمالية، لينقلب على الشرعية ويخرق الدستور الذي أقسم على حمايته والالتزام بمقتضياته".

وأضاف الوريمي أن "هذا الانقلاب الذي أدخل البلاد في نفق مظلم، عمّق الأزمة الاقتصادية والمالية"، وأضاف إليها "أزمة دستورية بتعطيله للحياة الديمقراطية، وهدم مكتسبات الدولة، والثورة من برلمان وهيئات دستورية وتعديلية".

وتابع: "لقد فرض سعيّد نصاً دستورياً مُسقطاً أعده بنفسه، وصممه على مقاس أوهامه، وادعى بأنه حامل فكر جديد ومبشر بعصر جديد، وكان متعطشاً لحكمٍ مطلق ليس فيه رقيب ولا شريك ولا تحده سلطة أو قانون"، مضيفاً أنه "صدق هذا الدستور باستفتاء تميز بنسبة عالية من المقاطعة، كي يُتوج تلك المهزلة التي أخرج بها تونس من نادي البلدان الديمقراطية، بخطيئة أكبر متمثلة في نظام انتخابي على الأفراد، غير معترف بأن الديمقراطية تقوم على الأحزاب وعلى التنافس بينها على أساس البرامج".

وقال القيادي قي حزب النهضة إن "هذا المسار الذي حذرنا منه في حركة النهضة وفي جبهة الخلاص الوطني (...) وأعلنا بطلانه ومعارضتنا لنتائجه ومخرجاته، تأكدت جميع الأطراف من منظمات وطنية وأحزاب سياسية ومجتمع مدني ومواطنين أنه خطر على البلاد وعلى مستقبلها، وهو ترجمة لتخبط سلطة الأمر الواقع وعجزها عن إخراج البلاد من أزمتها".

وخلص قائلاً: "لذلك نجد أن الأغلبية تقاطع انتخابات 17 ديسمبر/ كانون الأول، وتعتبرها مهزلة، ولا تعترف بالبرلمان الصوري(...) لأن كل هذه الانتخابات تحدث وسط لامبالاة تامة من عموم المواطنين، الذين أرهقتهم مصاعب العيش، وغلاء الأسعار، وفقدان المواد الأساسية، وتدهور الخدمات والمرافق العمومية، بما يؤشر لعزوف غير مسبوق عن التصويت يوم الاقتراع".

واعتبر المتحدث الرسمي باسم حزب حركة الشعب (حزب مشارك في الانتخابات مساند لسعيّد) أسامة عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الحملة الانتخابية باهتة وباردة، لاعتبارات كثيرة، أهمها الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتردي المقدرة الشرائية، التي جعلت تركيز التونسيين الكلي على وضعهم المعيشي".

وتابع أنه "في كل الحالات سيتم ترسيخ برلمان جديد بعد 17 ديسمبر/ كانون الأول، وإن كان الإقبال كبيراً أو ضعيفاً، فالأمر واحد، سيتم تنصيب مجلس جديد (...) لكن على المستوى السياسي سنجد تشكيكاً في العملية الانتخابية، ويمكن أن  يتعمق الانقسام السياسي والوضع المتأزم".

وأشار عويدات إلى أنه "على مستوى الفعل السياسي كل من سيكون خارج البرلمان سيكون في موقع غير قادر على التأثير فيه، وممكن أن يتأثر دون أن يؤثر"، بحسب تعبيره.

المساهمون