تتجند مختلف المؤسسات البرازيلية، غداً الأحد، لمواكبة الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى، ليس فقط بسبب أهمية الحدث، وإنما أيضاً بسبب المرشح اليميني الشعبوي لهذه الانتخابات الرئيس الحالي جايير بولسونارو، الذي يبدو أنه لن يقبل إلا نتيجة واحدة، وهي الفوز على منافسه اليساري الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
وبينما تؤكد مختلف الاستطلاعات أن الأخير هو الأوفر حظاً، تسود مخاوف مما قد يقدم عليه بولسونارو بحال خسارته، وهو الذي يسير على خطى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لناحية التشكيك مسبقاً في مجمل العملية الانتخابية إذا لم تعده إلى السلطة في ولاية ثانية، بما يضع أكبر ديمقراطية في أميركا اللاتينية على المحك.
ولن يكون التحدي مع نهاية يوم غد، هو إنجاز مهمة إجراء الانتخابات، بل المحافظة على الديمقراطية، ومواجهة التداعيات المحتملة لما بعد إعلان النتائج التي يتوقع أن تصدر عقب ساعات من إغلاق مراكز التصويت نسبة إلى اعتماد نظام الاقتراع الإلكتروني.
سبق أن صرّح بولسونارو أن "الله وحده" يمكن أن يطيح به
وتشهد البرازيل يوماً حاسماً في الدورة الأولى من انتخابات رئاسية تثير استقطاباً شديداً، بين لولا دا سيلفا وبولسونارو. وقد دعي أكثر من 156 مليون برازيلي إلى التصويت في البلد المترامي الأطراف الأشبه بقارة. وسينتخب البرازيليون أيضاً حكامهم وثلث أعضاء مجلس الشيوخ والنواب الفدراليين والذين سيمثلونهم في المجالس التشريعية في كل من ولايات البلاد الـ27.
وتفتح مراكز الاقتراع أبوابها في الساعة الثامنة صباحاً بالتوقيت المحلي (11,00 بتوقيت غرينيتش)، وتغلق في الساعة الخامسة. ويفترض أن تعرف النتائج بعد ساعتين تقريباً من الإغلاق.
وحسب منظمي حملته، سيصوت رئيس الدولة في الصباح في ريو دي جانيرو، معقله الانتخابي، ثم يعود إلى العاصمة برازيليا لمتابعة النتائج. أما لولا، فسيصوت في ساو برناردو دو كامبو، المدينة الصناعية القريبة من ساو باولو حيث كان يعمل في مصنع قبل أن يصبح زعيماً نقابياً في سبعينيات القرن العشرين.
بولسونارو لن يقبل بالهزيمة وخشية من اضطرابات
وواصلت استطلاعات الرأي على مدى الأسابيع الأخيرة ترجيح فوز لولا على بولسونارو. ولكن ليفوز لولا من الدورة الأولى يجب أن يحصل على خمسين في المائة من الأصوات على الأقل (من دون الأصوات اللاغية أو أوراق الاقتراع البيضاء)، وهو ما تمنحه إياه استطلاعات الرأي، التي لا يؤمن بها بولسونارو ويصفها بأنها "كاذبة"، وما زال مقتنعاً بأنه سيعاد انتخابه غداً.
واصلت استطلاعات الرأي ترجيح فوز لولا على بولسونارو
وسبق أن صرّح بولسونارو أن "الله وحده" يمكن أن يطيح به، وأن ترشحه لولاية جديدة له واحدة من ثلاث نتائج فقط: "السجن أو الموت أو النصر". حتى أنه لمّح الأسبوع الماضي إلى أن عدم فوزه بنسبة 60 بالمائة من الأصوات، سيكون أمراً "غير عادي" متحدثاً خصوصاً عن مخاطر حصول "تزوير" من دون أن يقدم أي دليل على ذلك، مما أثار مجدداً مخاوف من احتمال طعنه في نتائج صناديق الاقتراع الإلكترونية، وهو ما قد يجعل نقل السلطة أكثر صعوبة بحال فاز لولا بالفعل.
لا بل إن بعض الخبراء يستحضرون سيناريو أكثر تشاؤماً، ويتحدثون عن إمكانية تحريض بولسونارو أنصاره في الشارع مما قد يؤدي لحدوث اضطرابات. وهو ما عبر لولا عن خشيته من وقوعه إذا هزم منافسه.
وقال الرئيس البرازيلي السابق، أول من أمس الجمعة إنه يخشى من أن يتسبب منافسه في "اضطرابات" إذا هُزم في الدورة الأولى للاقتراع. كما قال لولا خلال تجمع انتخابي الشهر الماضي، إن "ما هو على المحك هو الديمقراطية ضد الفاشية".
وقد شكك بولسونارو، مراراً في نظام التصويت الإلكتروني في البرازيل ولمّح إلى أنه لن يقبل الهزيمة في الانتخابات الرئاسية. وجرت المناظرة الأخيرة بين الرجلين، والتي بثها التلفزيون مساء الخميس الماضي، في أجواء من التوتر الحاد إذ تبادل المرشحان الاتهامات بـ"الكذب" و"الفساد".
مخاوف على الديمقراطية في البرازيل
في السياق، قال مايكل شيفتر، المحلل السياسي في مركز أبحاث "إنتر أميركان ديالوغ" (الحوار بين الأميركتين)، لوكالة "فرانس برس" إن "الديمقراطية على المحك في صناديق الاقتراع"، واصفاً بولسونارو بأنه "الرئيس الأكثر مخالفة للديمقراطية منذ الحكم العسكري".
ورأى المحلل نفسه أن خطر وقوع أعمال عنف في حال خلاف حول نتائج صناديق الاقتراع واقعي. وقال إنه "من المحتمل جداً" حصول اضطرابات مشابهة لاقتحام الكونغرس الأميركي في يناير/كانون الثاني 2021 في واشنطن، إذا تحدث بولسونارو عن تزوير.
ويبدو أن هذا الاحتمال تستعد له مختلف المؤسسات البرازيلية منذ فترة. وقد نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مختلفة الشهر الماضي، قولها إن المحاكم البرازيلية والكونغرس ومجموعات الأعمال والمجتمع المدني، تعمل على توحيد الصفوف لتعزيز الثقة في نزاهة التصويت، بينما يزداد اليقين بأن بولسونارو لن يسلّم بالنتيجة وسيطعن بها.
قد يلجأ بولسونارو لتحريض أنصاره للنزول إلى الشارع
وأضافت الوكالة نقلاً عن مصادرها، أنه حتى قادة الجيش، الذين أصبحوا الآن أكثر انخراطاً في السلطة من أي وقت مضى منذ الدكتاتورية العسكرية (1964-1985) بعدما عين بولسونارو عشرات الضباط في مناصب مهمة في إدارته، يقدمون تأكيدات بأنهم لا يريدون أن يكون لهم أي دور في تعطيل النظام الديمقراطي.
ولكن يبقى الخوف من أن يلجأ بولسونارو للعبة الشارع، وملئه بالمتظاهرين المتشددين الغاضبين بعد تحريضهم، قائماً. ويعتقد كثيرون أن ذلك يفتح الباب أمام حدوث اضطرابات.
ويحذر مسؤولون، وفق "رويترز"، من انتفاضة مستوحاة من اقتحام الكابيتول الأميركي مطلع العام الماضي، إذا خسر بولسونارو أمام لولا. حتى أحد مستشاري حملة بولسونارو، الذي تحدث لـ"رويترز"، طالباً عدم الكشف عن هويته، لم يستبعد حدوث تظاهرات عقب الانتخابات إذا طعن بولسونارو في النتائج. وقال: "بولسونارو لا يمكن التنبؤ بتصرفاته على الإطلاق".
ولأكثر من عام، أصر بولسونارو على فكرة اتساع قاعدته الشعبية وأنه يستطيع بسهولة حشد عشرات الآلاف من المؤيدين.
في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مساء أول من أمس الجمعة، أنه يتوقع من البرازيل أن تُظهر قوة مؤسساتها الديمقراطية في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
وقال بلينكن للصحافة إلى جانب نظيرته الكندية ميلاني جولي التي تزور واشنطن: "يمكنني فقط أن أقول لكم، في شكل عام، إن البرازيل لديها مؤسسات ديمقراطية قوية جداً، بما في ذلك هيئات انتخابية قوية للغاية، وقد أثبتت ذلك مراراً". وأضاف: "نتوقع أن تكون هذه هي الحال مرةً أخرى خلال الانتخابات في نهاية هذا الأسبوع"، مشدداً على أنه لا يريد التدخل في الاقتراع.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)