الانتخابات الإسرائيلية الرابعة (3): نتنياهو يخشى خسارة الحريديم واليسار يحاول جمع شظاياه
لكل انتخابات في إسرائيل سماتها الخاصة. وإذا كانت الانتخابات الثالثة (في أقل من عامين)، والتي جرت في مارس/ آذار الماضي، تمت وسط تسليم وإجماع إسرائيليين حول صلابة معسكر اليمين المؤيد لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ولا سيما إصرار حزبي الحريديم (شاس ويهدوت هتوراة)، على البقاء في معسكر نتنياهو والتوصية عليه، فإن الانتخابات المقبلة، والمقررة في 23 مارس المقبل، تحمل بذور احتمال فك الشراكة التقليدية بين الحريديم ونتنياهو منذ 2014، وبدء دراسة إمكانية التحالف مع خصمه من اليمين غدعون ساعر من جهة، والسعي لمحاولة إنقاذ وجمع شظايا اليسار الإسرائيلي بمواقف اليسار وتوجهات لا ترى بكل مرشح حتى لو كان من اليمين الأيديولوجي بديلاً وخياراً مقبولاً لمجرد أن اسمه ليس بنيامين نتنياهو، من جهة أخرى.
فوق هذا كله تبدو الانتخابات الحالية، أكثر من أي وقت مضى، منافسة داخل معسكر اليمين نفسه (بنيامين نتنياهو على رأس الليكود، وخصمه الجديد غدعون ساعر على رأس حزب أمل جديد)، من دون أن يكون لما تبقى من أحزاب الوسط، ولا سيما حزبي "كاحول لفان" بقيادة الجنرال بني غانتس، و"ييش عتيد تييلم" بقيادة يئير لبيد، أي أمل بأن يحصلا على عدد من المقاعد يؤهل أياً منهما لأن يحلم حتى بالحصول على توصية عدد كافٍ لدى رئيس الدولة لتكليفه بتشكيل الحكومة. وقد تفتت "كاحول لفان" إلى ما دون 6 مقاعد، وبقي حزب "ييش عتيد" دون القدرة على الحصول على 20 مقعداً، بما يتيح له إبرام تحالفات توصله لأكثر من 50 مقعداً. أما القائمة المشتركة للأحزاب العربية فلن تكون مرشحة للانضمام لأي كتلة أو تكرار عملية التوصية عند رئيس الدولة على أي من قادة هذه الأحزاب للحصول على تكليف بتشكيل حكومة.
يبدو أن حزب "يمينا" يغرد خارج سرب نتنياهو هذه المرة
وعلى الرغم من أن نتنياهو كان يستند لغاية الآن إلى الدعم التلقائي والمفهوم ضمناً من قبل حزبي الحريديم و"يمينا" بقيادة نفتالي بينت، إلا أن انشقاق ساعر عن "الليكود" قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، والدينامية التي أحدثتها هذه الاستقالة وسرّعت حل الكنيست، حمل معه للمرة الأولى تهديداً حقيقياً لسلطة نتنياهو، وفرص تشكيله الحكومة المقبلة، ليس فقط على مستوى عدد المقاعد التي يحصل عليها، والمقدّرة بحسب الاستطلاعات بنحو 20-22 مقعداً، وإنما أيضاً لأنه يشكل منافساً يمينياً، لا يمكن اتهامه بنزعات يسارية، وإنما بالأساس بسبب علاقاته الجيدة مع الحريديم، لكونه أيضاً محافظاً، ويتردد إلى الكنيس أسبوعياً، ويحظى بالاحترام في أوساط قادة الحريديم السياسيين.
وقد تجلى ذلك بشكل واضح الأسبوع الماضي عندما أعلن زعيم "أغودات يسرائيل" مئير بورش، أن أحزاب الحريديم ولدت لتبقى في الائتلاف الحكومي، وليس في المعارضة، وبالتالي فهي ليست في جيب نتنياهو بالضرورة، لا سيما أن ساعر سيشكل ائتلافاً يمينياً. وأثار هذا التصريح مخاوف كبيرة لدى نتنياهو، دفعته إلى عقد لقاءات عاجلة مع قادة أحزاب "شاس"، و"يهدوت هتوراة"، و"أغودات يسرائيل"، لاستصدار تصريح منهم يؤكد التزامهم وأحزابهم بالتحالف والائتلاف فقط مع حكومة يقودها نتنياهو. ولم يحصل نتنياهو إلا على تأكيد وموافقة من حزب "شاس" الذي يمثله أريه درعي، فيما تحفظ "يهدوت هتوراة" بقيادة يعقوف لتيسمان وموشيه غفني عن إصدار بيان كهذا. كما أن حزب "يمينا" الذي يمثل التيار الديني الصهيوني، بقيادة نفتالي بينت، يبدو هذه المرة مغرداً خارج سرب نتنياهو، خصوصاً أن الأخير لم يضم الحزب إلى حكومة الطوارئ الوطنية التي شكلها مع الجنرال بني غانتس، وترك بينت في المعارضة، مع شن حملة منهجية باستمرار ضد حزب بينت والاستهزاء بقدراته السياسية والقيادية. من جهته، رد بينت بتصريح وإعلان عززا من مخاوف نتنياهو، عندما أعلن، الأسبوع الماضي، رسمياً وللمرة الأولى أنه سينافس على رئاسة الحكومة.
يدرك نتنياهو أن خسارة معسكره، بعد نشوء حزب ساعر، لأي ضلع من الحريديم أو حزب "يمينا" بقيادة نفتالي بينت، يعني نهاية طريقه السياسي. فيكفي أن يعلن حزب "يهدوت هتوارة" أنه يقف على الحياد ولا يلتزم بدعم مسبق لنتنياهو، كي يحدث ذلك زلزالاً من شأنه أن يطاول أيضاً حزب "شاس" الحريدي الآخر، وأن يقوض فرص نتنياهو في تشكيل حكومة مقبلة، لأن سحب تأييد "شاس" أو "يهدوت هتوراة" يعني أن نتنياهو لن يصل إلى تحصيل ترشيح 61 نائباً له ليحصل على تكليف بتشكيل الحكومة.
خسارة نتنياهو للحريديم أو "يمينا" تعني نهايته سياسياً
في المقابل، وفي المعسكر المضاد لليمين الذي يمثله نتنياهو، تصارع القوى التي تصنف نفسها إسرائيلياً بأنها أحزاب وسط ويسار، أو مقربة من اليسار، للبقاء على الخريطة الحزبية، لا سيما أن حل الكنيست، وضعف غانتس في مواجهة نتنياهو، أكثر من مرة خلال الأشهر الأخيرة للحكومة، ضربت "كاحول لفان"، لدرجة تتوقع الاستطلاعات أقل من 7 مقاعد للحزب، مع بدء عدد من أبرز أعضائه الانسحاب منه، والتفكير في مستقبل سياسي في أطر جديدة.
وفيما يبدو أن الجنرال غابي أشكنازي، الرجل الثاني في "كاحول لفان"، سيعتزل الحياة السياسية والحزبية، فإن وزير القضاء عن "كاحول لفان"، أفي نيسان كورن، أعلن أنه سيغادر الحزب، ومعه أربعة إلى خمسة من أعضاء الحزب. ويسعى كورن إلى العودة للتنافس على رئاسة حزب العمل، ومحاولة إحياء الحزب، الذي تتوقع له الاستطلاعات الاختفاء كلياً من المشهد السياسي، من خلال توليفة جديدة، أو الذهاب لتأسيس حزب جديد مع رئيس بلدية تل أبيب رون حولدائي، كمبادرة جديدة لمحاولة رص وجمع شظايا أحزاب اليسار والوسط.
وفي الوسط، شهد حزب "ييش عتيد" هو الآخر حالة تململ ورفض لنهج قائد الحزب يئير لبيد، ورفضه إجراء انتخابات تمهيدية داخلية. ووصلت حالة التململ إلى تمرد مع إعلان عضو الكنيست عوفر شيلح قرار الانشقاق عنه والسعي لتشكيل حزب جديد، بتوجهات يسارية أكثر وبرنامج بديل لطروحات اليمين، بما في ذلك إعلاء حل الدولتين، ولكن أيضاً إصلاحات وطروحات اشتراكية ديمقراطية. واستنكر، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" أخيراً، استنكاف حزبي اليسار التقليدي (العمل وميرتس) عن معارضة نتنياهو، ليس فقط سياسياً وإنما أيضاً عبر طرح بديل فكري لطروحات اليمين، ورضوخهما لشعار استبدال نتنياهو ولو بثمن التوصية، ودعم البديل الذي يقدمه حزب ساعر الذي دعم أقطابه قانون القومية اليهودي.
حالة المخاض في إسرائيل قد تطول كثيراً، وقد لا تلد معسكراً موحداً، لكن ما يبدو أكيداً هو استمرار كون المنافسة الأساسية في هذه الانتخابات بين قطبي يمين، مع نذر بخسارة نتنياهو لدعم الحريديم، الأمر الذي ينذر أيضاً بمعركة ضارية وشرسة، تتخللها كل ضروب التحريض والتحريض المضاد وسط أجواء فاشية بينية.