الانتخابات الأوروبية فرنسياً: حزب ماكرون يترقب "كارثة" اليمين المتطرف

08 يونيو 2024
من حملة الانتخابات الأوروبية في باريس، 4 يونيو 2024 (ميشال أوليه/أسوشييتد برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إيمانويل ماكرون يواجه تحديات بعد فقدان الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية، مما يعكس تحولات كبيرة في الساحة السياسية الفرنسية ويسمح لليمين المتطرف بتعزيز وزنه.
- الانتخابات الأوروبية تأتي في ظل ظروف دولية معقدة وتزايد مشاعر القلق بين الفرنسيين، مع توقعات بتعزيز اليمين المتطرف لشعبيته، مما يشكل تحدياً للطبقة السياسية التقليدية.
- نتائج الانتخابات الأوروبية المتوقعة تشير إلى نكسة لحزب "النهضة" بقيادة ماكرون، مع تقدم اليسار وتأييد متزايد لليمين المتطرف، مما يؤثر على الخريطة السياسية الفرنسية وولاية ماكرون الرئاسية.

عبثاً يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التقليل من شأن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، التي بدأت أول من أمس الخميس، والمقررة جولتها في فرنسا، غداً الأحد، وتبلغ حصة باريس من هذا البرلمان 81 مقعداً من أصل 720. وعبثاً يؤكد ماكرون عبر مداخلاته وتصريحاته المتتالية أن هذا الاستحقاق أوروبي وتداعياته أوروبية بحتة، إلا أن كلامه غير مقنع ولن يغيّر من احتمال تلقي حزبه (النهضة) نكسة انتخابية قاسية. الانطباع السائد في فرنسا هو أن ما ستؤول إليه الانتخابات الأوروبية من نتائج سيترك بصمات واضحة على صعيد الخريطة السياسية في البلاد، وأيضاً على السنوات الثلاث المتبقية من ولاية ماكرون قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2027. هذا الانطباع يجد ما يبرره في الترهل المستمر للحياة العامة في البلاد منذ إعادة انتخاب ماكرون لولاية رئاسية ثانية في إبريل/نيسان عام 2022، في مواجهة زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان.


فيكتور لاشنيه: اليمين المتطرف قد يحظى بتأييد حوالي 40% من الفرنسيين

رئاسيات 2022

معروف أن الناخبين في حينها اختاروا قطع طريق الرئاسة أمام لوبان، لكنهم وجهوا إنذاراً بالغ الأهمية للرئيس عبر الانتخابات التشريعية التي أعقبت الرئاسيات في يونيو/حزيران 2022، ما أدى إلى حرمانه من الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية (البرلمان) واضطراره للاكتفاء بغالبية نسبية. هزال مواقع القوى التقليدية اليمينية واليسارية أتاح لليمين المتطرف تعزيز وزنه في المنتدى النيابي، فتحول إلى ثاني أكبر قوة برلمانية بعد حزب النهضة الموالي لماكرون. بدا منطقياً في حينه أن تعمل القوى المختلفة على مراجعة مواقفها وأدائها سعياً إلى إعادة كسب تأييد جمهورها الذي نفر منها ليلقي بنفسه في أحضان التجمع الوطني، لكنها بدلاً من ذلك انغمست في صراعات داخلية وتنافس على المناصب. فمحاولة تجميع الصف الذي قامت بها القوى اليسارية التي أعلنت عقب الانتخابات التشريعية عن انضوائها في جبهة موحدة، لم تصمد طويلاً وسرعان ما انهارت تحت وطأة التجاذبات الداخلية والحساسيات الشخصية. وغرق حزب الجمهوريين اليميني من جانبه في عمليات تناحر بين أقطابه، وارتأى بعض هؤلاء أن ليس هناك ما يمنع من اقتباس بعض أفكار ومواقف الجبهة الوطنية المتصلة بالهجرة وبالإسلام أملاً في التقرب من قواعدهم، لكن النتيجة جاءت معاكسة اذ ساهم ذلك في إزالة كافة المحاذير المتصلة بمواقف هذه الجبهة وساعدها على ترسيخ مواقعها وطروحاتها. من جانبه، لم يوفق ماكرون أكثر من سواه في معالجة الخلل الذي أدى إلى تقلص شعبيته، وبدلاً من العمل على تعزيز هيكلية حزبه وترسيخ مواقعه على صعيد المناطق الفرنسية، فإنه آثر إسناد هذا الحزب وقيادته إلى شخصيات شبابية لم يألفها الفرنسيون ولا تبعث بالضرورة على الثقة. الأمر نفسه ينطبق على التشكيلات الحكومية التي ضمت بدورها تكنوقراطيين وشبابا طموحين يفتقرون إلى خبرة سياسية لتولي إدارة فرنسا في هذه المرحلة الحساسة على الصعيدين الداخلي والدولي.

وهذه النسخة من انتخابات البرلمان الأوروبي تقترن بحربين بالغتي الخطورة، إحداهما في القارة الأوروبية نفسها (أوكرانيا) والثانية هي الحرب على غزة وما يواكبها من مخاطر تصعيد، مما يغذي مشاعر القلق والقنوط لدى الفرنسيين، خصوصاً أن بلادهم باتت فاقدة للدور والوزن المؤثر على صعيد الملفات الدولية الساخنة. هذه المواضيع طرحت بالطبع على هامش السجال الانتخابي حول مستقبل أوروبا وسياساتها وهندستها ورفاهية شعوبها، في ظل مؤشرات عدة تؤكد أن الناخبين الفرنسيين هم بصدد معاقبة مسؤوليهم على هشاشة أدائهم حيال قضاياهم المعيشية والاجتماعية وفي طليعتها القدرة الشرائية. كما أن الطبقة السياسية التقليدية مجتمعة هي بصدد دفع ثمن هذا التقاعس، اذ تشير أحدث استطلاعات الرأي في فرنسا إلى أن اليمين المتطرف سيعزز شعبيته عبر الانتخابات الأوروبية ويكرس تفوقه بحصوله على نسبة تفوق عن نسبة 23% من الأصوات مقابل 22% أحرزها في الانتخابات الأوروبية عام 2019. مغزى هذا التقدم المستمر هو أن التجمع الوطني يتقدم بثبات في أوساط الرأي العام الفرنسي، بما يحمل في طياته خطر سقوط مقاليد السلطة الفرنسية في قبضته إذا استمرت الأمور على هذا النحو. يقر برنار غيتا النائب في البرلمان الأوروبي، المرشح عن حزب النهضة الرئاسي إلى الانتخابات الأوروبية في حديثٍ لـ"العربي الجديد" بجدية احتمال أن يسدد اليمين المتطرف ضربة جديدة وجدية للقوى السياسية الديمقراطية. لكن غيتا يعتبر أن "المشكلة ليست فرنسية بل أوروبية وحتى دولية" في ظل مد التطرف الذي يسيطر تباعاً على دول أوروبا ودول العالم الأخرى، من دون أن ينكر ضرورة مواجهته، مستشهداً بالرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران الذي كان يعتبر أن "تصاعد القومية يقود إلى الحرب".


برنار غيتا: مشكلة اليمين المتطرف ليست فرنسية بل أوروبية وحتى دولية

الخاسرون في الانتخابات الأوروبية

في ضوء هذا التقدم للتطرف اليميني فإن أبرز الخاسرين في الانتخابات الأوروبية غداً الأحد، التي يصر الناخبون بوضوح على تحويلها إلى ما يشبه الاستفتاء على سياسة ماكرون، سيكون على الأرجح حزب النهضة الذي تعطيه الاستطلاعات ما بين 15 أو 16% من الأصوات، في مقابل 23% أحرزها في انتخابات 2019. وشهدت الحملة الانتخابية تنافساً بالغ الحدة بين اللائحة اليسارية، التي تضم مرشحين من الحزب الاشتراكي وقوى يسارية أخرى منها بقيادة رافاييل غلوكسمان، واللائحة اليسارية الراديكالية لحزب فرنسا غير الخاضعة، بزعامة جان لوك ميلانشون. وتفيد الاستطلاعات بأن اللائحة اليسارية نجحت في تحقيق نوع من الاختراق إذ إنها تحظى بنسبة 14.5% من الأصوات، في مقابل حوالي 9% للائحة فرنسا غير الخاضعة. وفي معرض تعليقه على هذه التوقعات لم يخف المرشح على اللائحة اليسارية فيكتور لاشنيه، في حديث لـ"العربي الجديد"، ارتياحه للأرقام المتوقع أن تحرزها لائحته. وقال إنها "تعبر عن ديناميكية إيجابية فعلية"، لكنه أشار إلى أنه "أياً كانت نسبة الأصوات التي سنحرزها الأحد فإن الأمر المثير للقلق هو نسبة تقدم اليمين المتطرف، الذي يعد بمثابة كارثة فعلية، خصوصاً وأنه إذا جمعنا نسبة أصوات التجمع الوطني مع نسبة أصوات حزب الاسترداد (حزب إريك زيمور) فإن اليمين المتطرف سيحظى بتأييد حوالي 40% من الفرنسيين، وهو ما يمثل كارثة مطلقة لا بد من التوقف عندها". واعتبر أن هذه الكارثة "تخاطب جميع مكونات الطبقة السياسية"، وهذه مسؤولية تقع برأيه على عاتق جميع السياسيين "لأن الجميع يتحمل قسطاً من المسؤولية عن هذا الاختراق"، وتضع الجميع أمام ضرورة العمل بفاعلية للحؤول دون سقوط فرنسا في قبضة التطرف خلال انتخابات الرئاسة المقبلة.

المساهمون