الاحتلال يستنسخ تجربة "روابط القرى" بترويج تسليم غزة للعشائر

05 يناير 2024
عشائر فلسطينية في غزة، أكتوبر 2018 (مصطفى حسونة/الأناضول)
+ الخط -

تحاول حكومة الاحتلال الإسرائيلي، استنساخ تجربة "روابط القرى" الموجودة في الضفة الغربية المحتلة، وتطبيقها في قطاع غزة وذلك في أتون بحثها عن مخرج من المأزق الذي تورطت فيه بدخولها إلى القطاع، بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط ضربات متتالية للمقاومة الفلسطينية.

وبدأ الاحتلال الحديث عن مخطط "تسليم غزة إلى عشائر تدير شؤونها"، في إشارة إلى "قرب انتهاء حكم حركة حماس للقطاع". وفي تفاصيل الحديث الإسرائيلي حول غزة، كشفت هيئة البث العام الإسرائيلية "كان 11"، أنه "في إطار المناقشات الإسرائيلية حول اليوم التالي للحرب على قطاع غزة، هناك خطة جديدة أعدها جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوكل بموجبها إلى عشائر فلسطينية معروفة لدى الشاباك (جهاز الأمن الداخلي)، مهمة إدارة قطاع غزة لفترة مؤقتة".


رخا أحمد حسن: لا توجد أي عشيرة على استعداد للعودة إلى نظام روابط القرى

وحسب القناة، فإنه "من المقرر أن يجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية، وسيتم خلال الاجتماع طرح مخططات جيش الاحتلال عليه في ما ينص مقترح تقسيم قطاع غزة إلى مناطق إدارية، بحيث تسيطر عشائر معروفة للشاباك والجيش على كل منطقة وتكون مسؤولة عن توزيع المساعدات فيها". ووفق المقترح الذي نشرته القناة "ستقوم العشائر كذلك بإدارة الحياة المدنية في غزة لفترة مؤقتة (لم تحدد)".

استنساخ "روابط القرى"

و"روابط القرى"، هي عملية تنظيمية طبقتها الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية عام 1978 في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد (المؤلفة من قسمين، الأول متعلق بإدارة الضفة وغزة، والثاني بعملية السلام بين إسرائيل ومصر)، تحت الإدارة المدنية الإسرائيلية.

وكانت الأهداف المعلنة لهذه الروابط القروية هي حل المنازعات والخلافات السكانية ومساعدة المزارعين في تحسين أوضاعهم الاقتصادية، إلا أن الأهداف الحقيقية لتلك الروابط كانت دعم سلطات الاحتلال لها بالمال والسلاح، في محاولة لخلق قيادة فلسطينية بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية تكون مستعدة لتأييد كامب ديفيد، وقادرة على المشاركة في مفاوضات الحكم الذاتي وتنفيذ مخطط إسرائيل للإدارة المدنية وتولي المناصب أو المهام التي توكل إليها في هذا السياق. وأثارت خطة "روابط القرى" في قطاع غزة، أسئلة حول قبول مصر للفكرة، باعتبارها طرفاً ذا مصلحة في تحديد مستقبل قطاع غزة.

في السياق، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، رخا أحمد حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مصر أوضحت منذ بداية تسريب هذه الأفكار، أن الفلسطينيين هم الذين يقررون شكل وسلطات حكوماتهم، بالاتفاق بين جميع قادة الفصائل الفلسطينية".

وأضاف أن "حديث الاحتلال بشأن العودة إلى حكم العشائر الفلسطينية في غزة، يعيد وضعاً كان قائماً في ظل الاحتلال الإسرائيلي منذ 1967 حتى 1994، عندما نشأت السلطة الفلسطينية، وحلت محل العشائر في الضفة الغربية وغزة، ومنذ ذلك الحين انتهى تماماً حكم العشائر للأراضي الفلسطينية المحتلة".

وأوضح حسن أن "السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية وزعماء العشائر في غزة عبّرت عن رفضها التام والقاطع لما تقترحه إسرائيل، وأنه لا توجد أي عشيرة على استعداد للعودة إلى هذا النظام الذي حلت محله السلطة الفلسطينية". وتابع أنه "من الملاحظ أن إسرائيل لم تخرج بعد من حالة الارتباك والتضارب التي أصابتها منذ 7 أكتوبر الماضي حتى الآن".

من جهته، رأى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مسألة "روابط القرى" فاشلة "لعدة أسباب، أولاً أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لا يمكن أن يقبلوا بمثل هذه الطروحات الإسرائيلية، ومن المؤكد أن هناك رفضاً إقليمياً لمثل هذه الطروحات من جانب الدول العربية المجاورة لقطاع غزة خصوصاً مصر".

وتابع: "أعتقد أن مثل هذا هذه المشاريع الإسرائيلية سوف تفشل على المستوى الشعبي الفلسطيني، لأنه بعد هذا العدد الكبير من الشهداء والتضحيات، لا يمكن أن يقبل الشعب بمثل هذه المشاريع التي تعمّق من الاحتلال، وتزيد من المأساة الفلسطينية".


مخيمر أبو سعدة: العرب والولايات المتحدة والمجتمع الدولي لا يمكن أن يقبلوا بمبدأ روابط القرى

وأضاف أبو سعدة: "حديث الاحتلال عن إدارة قطاع غزة من قبل العشائر والعائلات، ما هو إلا عبارة عن أوهام إسرائيلية من وجهة نظري، فقد جربت إسرائيل مثل هذه الخطط عندما كانت تحتل قطاع غزة بشكل مباشر، بدءاً من عام 1967 وحتى توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993، وقد كان هناك مخطط من خلال تفعيل الإدارة المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لسببين، أولهما أن منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولم يجرؤ الفلسطينيون على تجاوز منظمة التحرير ممثلهم الشرعي والوحيد. والسبب الثاني هو أن العائلات والعشائر التي ارتبطت مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تمت مقاطعتها شعبياً، ولذلك فإن مثل هذه الأفكار القديمة، لا يمكن لها أن تلقى أي قبول شعبي".

احتمال نجاح حكم العشائر في غزة

وتابع أبو سعدة: "بعد أن قطع الشعب الفلسطيني هذا الشوط الطويل في مقاومة الاحتلال ومقاومة الاستعمار الإسرائيلي، كيف له أن يجد نفسه من جديد ضمن المخططات الإسرائيلية لإدارة قطاع غزة من خلال روابط القرى، ومن خلال قيادات العشائر؟".

وختم أبو سعدة قائلاً: "لا بديل عن أفق سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال بشكل كامل، وحل سياسي يؤدي إلى دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، في أراضي 1967، وغير ذلك، هو فقط محاولة من قبل (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، لتحسين صورته أمام اليمين المتطرف في إسرائيل".

بدوره علق السياسي الفلسطيني، النائب السابق في الكنيست، جمال زحالقة، على هذا المخطط بالقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "فكرة الذهاب إلى العشائر والحكم العشائري، من خلال شخصيات تتعاون مع الاحتلال، تفترض أن يكون هناك احتلال، بمعنى أنه إذا احتلت إسرائيل قطاع غزة بقوات عسكرية، فهي تحتاج في هذه الحالة إلى من يتعاون معها في حكم غزة محلياً".

واعتبر أنه "إذا فكرت إسرائيل بالانسحاب من غزة أو التمركز في مواقع عسكرية محددة، بمعنى ألا تدخل المدن، فهي لن تستطيع لا من خلال العائلات ولا من خلال أي طرف آخر أن تتوصل إلى حكم غزة".

ورأى زحالقة أن "إسرائيل تريد أن يكون هناك احتلال بالوكالة، بمعنى أن تأتي قوات مشتركة من دول عربية وأجنبية لاحتلال غزة، وعندها تكون هي من تتحكم بالأمر من خلال دفع الآخرين".

وأضاف: "أعتقد أن الأهم في هذا الموضوع، والترجمة للحديث عن روابط القرى هو أن إسرائيل تتبع ما تسمى الإبادة السياسية، وهي سياسة نتنياهو، ويجري الحديث عنها في غزة وفي الضفة الغربية، بمعنى أن تكون هناك إدارة حياتية ونوع من الحكم المحلي البلدي، وهذا أقصى ما يمكن أن يكون عند الفلسطينيين، من دون أي بعد سياسي أو مطالب سياسية".