عادت الجولة السابعة من مفاوضات فيينا للاتفاق النووي، بين مجموعة "5+1" (بريطانيا، فرنسا، أميركا، الصين، وروسيا + ألمانيا) وإيران إلى جدول الانتظار، بعد أن لاحت فرصة في الأيام الماضية لاستئنافها، بعد أربعة أشهر من التوقف بسبب انتقال السلطة في طهران، من الرئيس السابق حسن روحاني إلى الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، الذي أعاد تشكيل فريق التفاوض، ونقل الملف من وزارة الخارجية إلى مجلس الأمن القومي. وتحدثت أوساط إيرانية أن مضي أربعة أشهر على توقف المباحثات بناء على طلب طهران كان كافياً للسلطات الجديدة لتقوم بتقييم نتائج الجولات الست التي بدأت في إبريل/ نيسان الماضي، وتوصلت حسب الرئيس الإيراني السابق إلى تفاهمات بين إيران ومجموعة "5+1" خلال المفاوضات في فيينا، لكن البرلمان الإيراني منع وزارة الخارجية من الوصول إلى النتيجة النهائية، مؤكداً أنه "لولا ذلك لكانت العقوبات رفعت في مارس/ آذار الماضي".
وبينما كانت التحضيرات تجرى للذهاب إلى فيينا، أبدت طهران استعدادها لإجراء مباحثات أولية تمهيدية مع الاتحاد الأوروبي، وأعلنت عن ذلك في ختام زيارة مساعد مفوض السياسة الخارجية إنريكي مورا الخاطفة إلى طهران في منتصف الشهر الحالي. وقالت إن الاجتماع مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي في بروكسل سيتم يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، من أجل مراجعة محتويات النصوص التي كانت مطروحة على الطاولة في نهاية الجولة السابقة. وفي الوقت الذي أعلنت فيه أن المفاوض في الملف النووي مساعد وزير الخارجية الإيراني علي باقري سيتوجه إلى بروكسل، اعترضت واشنطن طريق الوساطة الأوروبية. ورفض مسؤول أميركي، في تصريحات للصحافيين، وضع شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات، أو طرح مقترحات جديدة، أو مطالب إيرانية تتجاوز ما تم التوافق عليه خلال الجولات الست السابقة من المحادثات.
وجاء الجواب قاطعاً من المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، الذي ردّ على إعلان إيران عقد اجتماع في بروكسل مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي لمناقشة مسودة اتفاق جرى إعدادها في يونيو/ حزيران الماضي. وقال إن واشنطن لا تعتقد أن هناك حاجة إلى اجتماع كهذا، موضحاً أن أعضاء مجموعة "5+1" للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، يتقاسمون الرأي ذاته بأن المفاوضات في فيينا؛ أي الجولة السابعة من المحادثات بين مجموعة "5+1" وإيران، وهي غير مباشرة في حالة الولايات المتحدة، يجب أن تُستأنف في أقرب وقت. وأضاف أن "الوجهة التي نسعى إليها هي فيينا، وليست إلى خطوة وسيطة في بروكسل".
رفض الأميركيون نقل المفاوضات من فيينا إلى بروكسل
هذا "الفيتو" الصارم من واشنطن دفع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى أن يشطب كلياً فكرة اجتماع بروكسل، وذلك بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد في لوكسمبورغ، صرحت على إثره المتحدثة باسمه نبيلة مصرالي، بقولها "لن يكون هناك لقاء في هذه المرحلة، ولا يمكننا تأكيد إن كان سيعقد اجتماع أو متى".
وفي هذه الأثناء كان المبعوث الأميركي روبرت مالي يجول في المنطقة، لإجراء مشاورات تحت بند "بانتظار المفاوضات واشنطن تدرس الخيارات الأخرى"، وشملت جولته قطر، والإمارات، والسعودية، وفرنسا. وفي حين وصف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نتائجها بـ"الجيدة"، إلا أنه شدّد على أن الانتظار الأميركي "ليس ممارسة يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية"، معبّراً عن اعتقاده بأنه "لا تزال هناك طريق للدبلوماسية"، بوصفها الخيار "الأفضل والأكثر فاعلية"، علماً "بأننا لم نر أفعالاً حتى الآن تبعث على الارتياح، عندما يتعلق الأمر بما قد يسعى إليه الإيرانيون على المدى القريب". وذكر بما أعلنه الرئيس جو بايدن من أنه "إذا فشلت الدبلوماسية؛ فنحن مستعدون للانتقال إلى خيارات أخرى، وهذا جزء من المشاورات المكثفة التي نجريها مع حلفائنا وشركائنا في المنطقة وخارجها". أمر أثار اعتراضاً صريحاً من طرف بوريل الذي زار واشنطن الأسبوع الماضي، والتقى بلينكن، وسارع إلى التعبير عن تحفّظه إزاء ما يسمّى "الخطة باء" المفترضة، وذلك بقوله إنه "حان الوقت للعودة إلى طاولة المفاوضات، ولا أريد التفكير في الخطة باء، لأنني لا أتصور أن الخطة باء يمكن أن تكون جيدة".
وانعكس "البحث في خيارات أخرى" في المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير الخارجية الإسرائيلي، يئير لبيد، والتي قال فيها الوزير الأميركي بلينكن "إننا نقترب من مرحلة لن تحقق فيها العودة للاتفاق السابق الثمار التي كان يتضمنها الاتفاق، في ظل التقدم الإيراني". وعلى الرغم من أن هذا الكلام لاقى استحساناً في إسرائيل، فإن تقرير الصحافي الإسرائيلي عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس"، قلل من أهمية التصريحات الأميركية، خصوصاً التي تحدثت عن "خيارات أخرى". وقال إنه كلما طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الاستعداد لخيارات أخرى يتضح أن لكل من الدولتين منظوراً مغايراً، لأن إسرائيل معنية بأن تفرض الولايات المتحدة على إيران عقوبات اقتصادية ثقيلة، وتهدّدها بخيار عسكري لفرض الإملاءات عليها مستقبلاً ضمن الاتفاق الجديد، فيما يبدو للإسرائيليين أن كل ما تسعى إليه الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو مجرد استئناف المفاوضات مع إيران.
تنتظر واشنطن الجولة السابعة، وتضع حسابات كثيرة، أولها أن الحكومة الإيرانية الحالية تختلف كلياً عن تلك التي سبقتها، وفي حين أن الثنائي حسن روحاني ووزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف كان يبني على تحقيق اتفاق إمكانية استمرار الإصلاحيين في الحكم، فإن الرئيس الحالي وفريقه يفكرون على نحو عكسي تماماً، وهو أن الصراع مع الولايات المتحدة هو الكفيل وحده بإجبار واشنطن على أن تقوم برفع العقوبات الاقتصادية، وذلك في الوقت الذي لا يزال سقف الإدارة الحالية هو رفع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب والخاصة بالاتفاق النووي. وترفض واشنطن مبدأ الرفع الكلي للعقوبات، وتضغط على إيران من أجل الالتزام بالتعهدات الخاصة في صورة أساسية بمسألة السياسات المقوضة للاستقرار في منطقتي الشرق الأوسط والخليج. وعلى هذا الأساس لن تكون الجولة المقبلة عادية، بل قد تحدد مستقبل المنطقة لعقود بعيدة، وليس فقط مستقبل العلاقات الأميركية الإيرانية.
تحاول إيران استغلال الجفاء بين دول مجموعة "5+1"
والأمر الثاني هو أن إيران تحاول المناورة واللعب على الهوامش والخلافات في المواقف بين بعض أطراف مجموعة "5+1"، كما هو الحال بين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة، وفرنسا من جهة أخرى. وتحاول استغلال الجفاء الذي أصاب علاقة هذه الدول بعد الإعلان الأميركي عن صفقة الغواصات مع استراليا الشهر الماضي، ولهذا السبب توجه مالي من جولته الخليجية إلى باريس وعقد يوم الجمعة الماضي اجتماعاً مع مديري وزارة الخارجية في الدول الأوروبية الثلاث المعنية به، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا. وشدّدت الخارجية الفرنسية على وحدة مواقف الأطراف بشأن ضرورة استئناف مفاوضات فيينا. واعتبرت في بيان أنه "من الملحّ والأساسي أن توقف إيران انتهاكاتها الخطرة إلى حد غير مسبوق" للاتفاق النووي، داعيةً إيران إلى معاودة التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية "من دون إبطاء"، وذلك في وقت أعرب فيه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي، يوم الثلاثاء الماضي، عن قلقه لعدم تمكّنه من لقاء مسؤولين إيرانيين كبار، خلافاً لما نصّ عليه اتفاق أُبرِم في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي بين الوكالة الدولية وإيران.
وأمام مناورات طهران وضغوط واشنطن، يستمر الثمن الذي تطلبه إيران، مسبقاً، للعودة إلى مفاوضات فيينا عالياً، وهو يتعلق بعدة مطالب سبق أن أعلنت عنها، ومنها الحصول على ضمانات ملزمة بعدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مرة أخرى، على غرار ما حصل من قبل الإدارة السابقة في عام 2018، وعدم تضمين الاتفاق أي نص بخصوص البرنامج الصاروخي البالستي الإيراني، والتعهد برفع كافة العقوبات دفعة واحدة، وليس فقط تلك التي تم فرضها أثناء تراجع واشنطن عن الاتفاق النووي، والإفراج عن عدة مليارات من الأموال الإيرانية المجمدة، بسبب العقوبات. وهناك احتمال أن تذهب طهران إلى الجولة السابعة، إذا لم تحصل على أي من شروطها، فقط من أجل أن ترفع عن نفسها حرج التعطيل، في الوقت الذي تواصل فيه برنامج التخصيب، من دون أن تمتلك الولايات المتحدة والأطراف الغربية أية وسيلة ضغط مباشرة. الأمر الذي يفتح الباب واسعاً من أجل البحث عن "الخيارات الأخرى"، وهذا يتطلب وحدة الموقف داخل مجموعة "5+1"، وهو غير ممكن في ظل اتساع الخلافات بين الولايات المتحدة والصين.