الاتفاق المصري الأوغندي: ورقة ضغط بملف سد النهضة والاتفاق الإطاري

09 ابريل 2021
تغيرت ملامح علاقة موسيفيني والقاهرة في عهد السيسي (Getty)
+ الخط -

مثل إعلان أوغندا، فجر أمس، توقيع اتفاقية مع مصر لتبادل المعلومات والاستخبارات العسكرية، مستجداً مهماً في منطقة شمال وشرق أفريقيا، التي باتت قابلة للاشتعال، باستمرار التوتر بين مصر والسودان وإثيوبيا بسبب قضية سد النهضة.
وأصدر الجيش الأوغندي، المسمى "قوات الدفاع الشعبية"، بياناً، ذكر فيه أنه تم توقيع الاتفاقية بين رئاسة المخابرات العسكرية التابعة إلى "قوات الدفاع الشعبية" الأوغندية وإدارة المخابرات المصرية. ونقل البيان الأوغندي عن المفوض المصري بالتوقيع، وهو اللواء سامح صابر الدجوي، أحد قادة المخابرات العامة والضابط السابق بالجيش المصري، قوله إن كمبالا والقاهرة "تتشاركان مياه النيل، والتعاون بينهما أمر حتمي، لأن ما يؤثر على الأوغنديين سيؤثر بشكل أو بآخر على مصر". 

يمثل الاتفاق أحدث خطوات التقارب بين مصر وأوغندا

وامتنعت القاهرة عن التعليق على البيان، الذي صدر مصحوباً بصورة للتوقيع، بما يشي بإيثارها عدم تأجيج الخطاب الإعلامي المحلي تجاه قضية سد النهضة، خاصة بعد تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أمس الأول، التي حاولت تهدئة الرأي العام وتحجيم المطالبات بسرعة الحسم العسكري.
الاتفاق الذي أُبرم يمثل أحدث خطوات التقارب بين مصر وأوغندا، التي تتشارك مع إثيوبيا في منابع النيل، خلال السنوات السبع الأخيرة، بعد سنوات سابقة من التوتر وعدم الارتياح، خاصة بعدما تزعم الرئيس الأوغندي، الذي يحكم منذ 1986، يوري موسيفيني المجهودات المشتركة لدول منابع النيل لإبرام الاتفاق الإطاري،  الذي عارضته كل من مصر والسودان، ويؤدي مباشرة إلى حرمانهما من حصتيهما التاريخيتين من النيل. بل إن أوغندا هي أولى الدول التي وقعت على الاتفاق وصدق عليه، ليصبح جزءا من تشريعاتها الداخلية، قبل إثيوبيا ذاتها.
كما عارضت أوغندا ما كانت تصفه في عهد الرئيس المصري المخلوع الراحل حسني مبارك بمحاولات القاهرة للسيطرة على المنابع من خلال المشاريع التنموية. لكن هذه العلاقة المتوترة تغيرت ملامحها تدريجياً في عهد السيسي، وتحديداً منذ زيارته لكمبالا نهاية 2016، ثم مشاركته في قمة النيل في العام 2017 هناك، ثم استضافته الحافلة لموسيفيني في مايو/أيار 2018.

مصادر دبلوماسية مصرية قالت إن التنسيق العسكري والاستخباراتي المصري مع أوغندا، وغيرها من دول المنبع، وبالأخص جنوب السودان، يهدف إلى وضع إثيوبيا تحت ضغط دائم، وإزعاجها على المدى الطويل، وليس بالضرورة تهديدها بسرعة استخدام الحل العسكري لحسم قضية سد النهضة. إلى جانب ذلك، فإن مصر تراهن على توثيق العلاقات مع دول المنبع، لأسباب أخرى أهم استراتيجياً، مثل العمل على تعديل الاتفاق الإطاري بما يضمن وضعاً خاصاً لمصر والسودان كدولتي مصب، في القرارات المشتركة والحصص، وضمان إبلاغهما قبل إقامة مشاريع تنموية على حوض النيل، فضلاً عن محاولتها تعطيل إدخال الاتفاقية حيز التنفيذ، بتثبيت موقف كل من جنوب السودان والكونغو الديمقراطية اللتين لم تصدقا عليها حتى الآن.
ومن ناحية أخرى، ترغب مصر في أن يمارس موسيفيني، المعروف بعلاقاته الوطيدة مع إثيوبيا، ضغوطاً لتقريب وجهات النظر، وضمان التقليل من مخاطر إنشاء السد على مصر، خصوصاً للتوصل إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل، التي تتمحور حول إلزاميته معظم الخلافات. ومن هنا رحبت القاهرة، في اتصالات سرية، بمبادرة سابقة قدمها موسيفيني نهاية العام الماضي، ثم منذ شهر، للعب دور وساطة، بالتوازي مع دور الاتحاد الأفريقي، لكن لم يتم حتى الآن الاتفاق على إمكانية عقد قمة رباعية في كمبالا لمناقشة القضية، أو دخول أوغندا كمراقب للمفاوضات. غير أن المصادر أوضحت أن "أوغندا من الدول المعنية التي تُطلعها مصر على المستجدات، شأن بعض الدول الخليجية والشرق أوسطية".

ترغب مصر في أن يمارس موسيفيني، المعروف بعلاقاته الوطيدة مع إثيوبيا، ضغوطاً لتقريب وجهات النظر

وفي هذا السياق، يكلل الاتفاق المصري الأوغندي مسيرة طويلة من اتفاقيات التعاون التي تقدم بموجبها مصر مساعدات لوجستية وفنية لأوغندا. فبحسب المصادر، نفذت الشركات الحكومية المصرية تحت إدارة المخابرات العامة، وبتمويل الصندوق المخصص للتعاون مع دول أفريقيا الذي تديره المخابرات ووزارة الخارجية، أكثر من 25 مشروعاً تنموياً وخدمياً لصالح الحكومة الأوغندية، بزيادة 15 مشروعاً عمّا كان قائماً في 2018، ومن بينها 10 مشاريع في مجال الري وحده. كما استعانت المخابرات العامة، التي تتولّى الإشراف على ملف الدعم المصري لدول حوض النيل، بالعديد من الشركات الخاصة لتنفيذ مشاريع مرفقية أخرى. وذكرت المصادر أن من بين مجالات الدعم المصري الجديدة لأوغندا، التي شهدت تنامياً في العامين الماضيين، تدريب عناصر الشرطة والبحث الجنائي، والقضاة والأطباء، ومكافحة بعض الأمراض المتوطنة، وتوليد الكهرباء والطاقة، والطيران.
وانطلقت هذه التحركات من رؤية ثابتة لدى السيسي، مفادها أن ضعف العلاقات المصرية الأفريقية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ثم انشغال القاهرة بالتوترات الداخلية بين عامي 2011 و2014 كان السبب الرئيس وراء استقواء أديس أبابا، وبسط سيطرتها الناعمة على محيطها، ثمّ إنشاء سد النهضة، الذي كان مجرّد مشروع على الورق لأكثر من 40 عاماً.
وزادت فعاليات قضية مياه النيل توتراً خلال الأيام الماضية، بعد فشل اجتماعات كينشاسا الثلاثية، ورفض إثيوبيا جميع مقترحات الوساطة، وصدور بيان من السفارة الإثيوبية في جوبا، ذكر أن وزير الري في جنوب السودان ماناوا بيتر قال، في اجتماع مع السفير الإثيوبي بجوبا نبيل مهدي، إن بلاده "تدعم حقوق إثيوبيا في الاستفادة من مواردها الطبيعية"، مبشراً بأنها "سوف توقع على الاتفاق الإطاري لحوض النيل، وستصدق عليه بمجرد انعقاد البرلمان". وقد أعلن بذلك تطوراً كبيراً كانت إثيوبيا في أشد الحاجة إليه لدعم جهودها الموجهة ضد مصر والسودان لإدخال الاتفاق الإطاري حيز التنفيذ، أولاً ليلغي تحكم دولتي المصب في نصيب الأسد من المياه المتدفقة من دول المنبع، ويلغي عملياً الاتفاقيات السابق إبرامها في 1902 و1959 و1993، ويحرر دول المنبع من القيود التي كانت تمنعها في الماضي من إقامة السدود والخزانات على نطاق واسع، وثانياً لتكون مقدمة لإجبار الدولتين على محاصصة جديدة لمياه النيل، بالتوازي مع التوصل إلى اتفاق سد النهضة. وإذا وقعت وصادقت دولة جنوب السودان رسمياً على الاتفاق فسوف يرتفع عدد الدول المصدقة إلى خمس، هي أوغندا وإثيوبيا ورواندا عام 2013، وتنزانيا عام 2015، بالإضافة إلى دولتين أخريين أعلنتا نيتهما التصديق برلمانياً على الاتفاق، بعدما وقعتا عليه بالفعل، وهما كينيا وبوروندي.

من بين مجالات الدعم المصري الجديدة لأوغندا تدريب عناصر الشرطة والبحث الجنائي وتوليد الكهرباء
 

ويحتاج هذا الاتفاق لدخوله حيز التنفيذ وإيداعه لدى الاتحاد الأفريقي تصديق ست دول فقط. ولطالما عارضت مصر والسودان التوقيع عليه. وتحاول القاهرة تحديداً استخدام المساعدات بمختلف أنواعها لإقناع الدول المعنية بعدم التوقيع أو التصديق، لحين الاتفاق الشامل على جميع بنوده، وتعديل البنود المرفوضة من القاهرة والخرطوم، وأبرزها البند 14-ب الخاص بالأمن المائي، حيث تطالبان بتضمينه نصاً صريحاً يضمن عدم المساس بحصة مصر في مياه النيل وحقوقها التاريخية فيها. وذلك من خلال الإشارة للاتفاقيات التاريخية الموقعة بين القاهرة ودول حوض النيل، وبين مصر والسودان، وأن يتضمن البند رقم 8 من الاتفاق، الخاص بالإخطار المسبق عن أي مشاريع تقوم بها دول أعالي النيل اتباع إجراءات البنك الدولي في هذا الشأن صراحة، وأن يتم إدراج هذه الإجراءات في نص الاتفاقية وليس في الملاحق الخاصة بها. كما تطالب مصر والسودان بأن يتم تعديل البندين رقم 34أ و34ب، بحيث تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود ملاحق الاتفاقية بالإجماع وليس بالأغلبية. وفي حالة التمسك بالأغلبية، فيجب أن تشمل دولتي المصب مصر والسودان، لتجنب عدم انقسام دول حوض النيل، ما بين دول المنابع التي تمثل الأغلبية ودولتي المصب اللتين تمثلان الأقلية.

تقارير عربية
التحديثات الحية