الإمبريالية في صحونكم

03 نوفمبر 2021
فشلت السلطات الجزائرية في استغلال ثروات البلاد الزراعية (Getty)
+ الخط -

الحكمة السياسية هي التي دفعت رئيس بوركينا فاسو السابق توماس سانكارا للقول إن "الإمبريالية ليست بعيدة عنكم، انظروا إلى الأطباق التي تأكلون فيها، هي موجودة في صحونكم، في الأرز المستورد الذي تأكلونه". كثير من الصدق في هذه الحكمة التي تبسّط إلى حد كبير غول الإمبريالية في المخيال الشعبي، ومشتقاتها التي اتخذت تسميات أكثر ليونة وأقل إثارة لغريزة المقاومة، كالعولمة، لأن الشعوب التي لا تأكل مما تنتج ولا تلبس مما تنسج، هي بالأساس شعوب كسولة عالة على العالم، تضع بحالها هذا مفاتيح استقلال قرارها الداخلي وسيادتها وأمنها الغذائي بيد غير يدها.

من يصدق أن بلداً زراعياً مثل الجزائر، مساحة بعض ولاياته أكبر من فرنسا، ما زال يستورد القمح، فيما تشغله في الوقت الراهن، شعباً وحكومة، تجاراً وموظفين، "أزمة بطاطا"، وهي أزمة تتكرر منذ عام 2008، ولم تجد الحكومات لها حلاً، والحل الوحيد الذي تلجأ إليه في النهاية هو استيرادها من الخارج. وحال البطاطا كحال القمح والحليب واللحوم وغيرها، وحال اللحوم كحال كثير من المشكلات والقطاعات المعطلة والمعطوبة في البلاد، تعبّر كلها عن منظومة تعيد إنتاج الفشل بمستويات مختلفة، وترهن صورة البلد وقراره بشكل أو بآخر، وتؤخر تحقيق الاستقلال الاقتصادي الذي يحرر الجزائر من التبعية لسوق النفط وصرة المحروقات، لأنه كلما استمر تدفق المنتجات والحليب والقمح (خصوصاً من فرنسا) على رصيف الموانئ في الجزائر، كلما كان الاستعمار حاضراً في صحون الجزائريين.

في أزمة البطاطا ثمة حلقة ما مفقودة بين المزارع والتاجر والمستهلك والحاكم الذي يدير الشأن العام، ومثلها حلقات مفقودة كثيرة في سياسات الحكم في الجزائر، في التعليم بين التلميذ والمدرس والحكومة، في الانتخابات بين الشعب والحزب والسلطة، في الحريات بين الناشط والقانون والنظام، في العدالة بين المحكمة والمواطن والسلطة. ثمة كثير من الأسئلة عن فقر السلطة لابتداع الحلول، وعن تجدد الأزمات نفسها بين فترة وأخرى من دون أن تستوعب السلطة الدروس وتتخذ الخطوات الاستباقية اللازمة.

لم تتحوّل الصين إلى حيث هي الآن كعملاق اقتصادي ينافح كبرى الاقتصادات العالمية، إلا حين أغلقت السلطات الحدود على الصينين وقالت لهم "إن أردتم الأكل ازرعوا أرضكم وإن أردتم اللباس انسجوا لباسكم بأيديكم". لكن الصينيين حين أغلقوا بابهم، زرعوا الأرض فعلاً بما تقتضيه الزراعة، وأقاموا المصانع بمقتضيات الصناعة، بخلاف ما تفعل الحكومة في الجزائر التي تواجه المشاكل بمقاربات إدارية مصحوبة بنفخ إعلامي بليد بعيداً عن الواقع، حتى صار الجزائريون يتحدثون عن "جزائر نشرة الثامنة التي لا علاقة لها بالجزائر العميقة والحقيقية"، وبخيارات مستعجلة غير مدروسة لا تحل الأزمات بل تزيد في تعقيدها (قررت الحكومة بيع البطاطا بـ50 ديناراً (ربع يورو) فتضاعف سعرها ثلاث مرات).

في التجربة الصينية كما في تجربة النهضة القائمة في فيتنام، ملمح مهم وهو أن النجاح والفشل لا علاقة له بالضرورة بطبيعة النظام السياسي القائم (اشتراكي أو رأسمالي)، إنما المشكل في من يدير النظام، هل هو سياسي مستوعب لمقدرات البلد ومعطياته الديمغرافية وحاجياته وتحدياته الرئيسة، وممسك بزمام القدرة على التدبير والتخطيط بالمنهجية التي يقتضيها الحال، أم أنه بيروقراطي غارق في سياسة البروباغندا الفارغة وأدبيات الاقتصاد الموجّه.

المساهمون