الإعلام الألماني: احتضان بوتين للوكاشينكو يفرض استراتيجية أوروبية عالية المخاطر تجاه بيلاروسيا

30 مايو 2021
بوتين يريد إبعاد بيلاروسيا عن نفوذ الاتحاد الأوروبي (Getty)
+ الخط -

وصلت المواجهة بين بيلاروسيا والغرب إلى ذروتها، أخيراً، بعد عملية إخضاع طائرة مدنية للهبوط في مطار مينسك، واعتقال أحد أشد معارضي الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، رامان براتاسيفيتش، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض حظر فوري على الملاحة الجوية. وفيما يتجه الاتحاد الأوروبي إلى فرض المزيد من العقوبات الصارمة بحق بيلاروسيا، تبرز المخاوف مما تحمله هذه الاستراتيجية من مخاطر تكمن في ارتماء بيلاروسيا في أحضان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي التقى لوكاشينكو، الجمعة، في سوتشي.
التباينات بين الاتحاد الأوروبي والنظام في بيلاروسيا كانت قد فرضت نفسها أولاً خريف العام الماضي مع إعادة انتخاب لوكاشينكو، الذي يطلق عليه البعض وصف "آخر ديكتاتور في أوروبا"، لولاية جديدة، في ظل التشكيك الأوروبي في نزاهتها والتلاعب بنتائجها وقمع المعارضين، وهو ما أثار الكثير من الجدل حينها ودفع الاتحاد الأوروبي إلى تطبيق عقوبات على لوكاشينكو والمسؤولين المتورطين في تلك الأفعال، كما طاولت سبع شركات مرتبطة بالنظام الحاكم.
 وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية، إلى أن لدى الاتحاد الأوروبي خيارات محدودة، معتبرة أن المزيد من الضغوط محفوفة بالمخاطر، لأنه في حال بقي لوكاشينكو على إصراره، وقابله رفض الاتحاد الأوروبي لسياسته وتطبيق العقوبات الصارمة والتصعيد في وجهه، فإن ذلك سيدفع الرئيس البيلاروسي إلى حضن الدب الروسي، وما يتضمنه ذلك من تخلي بيلاروسيا عن وجودها كدولة مستقلة.

وهذا الأمر كان قد حذّر منه، أخيراً، وزير خارجية ليتوانيا غابرليس لاندسبيرغ. 
وفي السياق، نقلت شبكة "ايه اردي" الإخبارية عن الباحث السياسي، ديمتري اورشكين، قوله إن "الجميع يعلم أن للوكاشينكو أولوية واضحة وهي الحفاظ على سلطته، ولهذا فهو مستعد لقول أي شيء وتقديم أي وعود لن تتحقق بالطبع في النهاية".
وإزاء ذلك أيضاً، برزت تعليقات تتخوف من أن تكون المأساة في أن يسلم الحاكم لوكاشينكو مواطنيه إلى إمبريالية بوتين، ويستمر كحاكم إقليمي بدلاً من أن يتخلى عن سلطته في مينسك. ومن المعروف أن البيلاروسيين ليسوا موالين لا للاتحاد الأوروبي ولا لروسيا، إنما همهم التخلص من ديكتاتور يحكم البلاد منذ عام 1994. 
مع العلم، أن الاقتصاد البيلاروسي يعتمد بشكل كبير على روسيا اقتصادياً، وأن موسكو شريك تجاري إلى حد بعيد وتدعم البلاد بقروض بالمليارات، ولطالما سعت إلى تحقيق هدف بناء اتحاد اقتصادي أوروبي آسيوي كقوة موازنة للاتحاد الأوروبي. 
وربطاً بما تقدم، تتحدث "تاغس شبيغل" الألمانية، عن وجود إعادة ترتيب للخريطة السياسية لوسط شرق أوروبا، حيث المنافسة بين روسيا والاتحاد الأوروبي من أجل مستقبل بيلاروسيا، طارحة معادلة إما "الحرية والسيادة وحق تقرير المصير أو العودة إلى الإمبراطورية". 
ومن المعلوم، أن الاتحاد الأوروبي عرض، أخيراً، برنامج مساعدات اقتصادية ضخمة على بيلاروسيا، وهي حزمة بقيمة 3 مليارات يورو، إضافة إلى تشجيع الشركات ومشاريع النقل والرقمنة ومشاريع الطاقة الصديقة للبيئة والمناخ تزامناً مع الإصلاحات البنيوية، بشرط أن يقوم النظام بإضفاء الطابع الديمقراطي على نفسه، والإفراج الفوري عن لومان وصديقته، وإطلاق سراح حوالي 400 سجين سياسي. 
وهنا يطرح السؤال ما إذا كانت أوروبا تجرؤ على خوض صراع مباشر مع موسكو، خاصة أن الرئيس البيلاروسي وبعد زيارته إلى موسكو أراد نيل دعم الكرملين، شاكياً من ضغوط الغرب على بلاده.

 في المقابل، ظهر أن بوتين أراد من احتضان لوكاشينكو تقويض استراتيجية الاتحاد الأوروبي وعملها على معالجة الصراع مع بيلاروسيا بشكل منفصل عن موسكو.
ويغض الاتحاد الأوروبي الآن النظر عن مسألة ما إذا كان الهبوط القسري للطائرة التابعة لـ"راين إير" في مطار مينسك من أجل اعتقال بروتاسيفيتش عملاً سرياً من قبل المخابرات الروسية، لأنه حينها سيضطر إلى فرض عقوبات على روسيا.
 هذا الواقع، أشار إليه رئيس البرلمان الأوروبي دافيد ساسولي، في حديث مع مجموعة فونكه الإعلامية، اليوم الأحد، حيث اعتبر أن العلاقة بين مينسك وموسكو ستتعزز بشكل أكبر، في ظل علاقات الاتحاد الأوروبي المتوترة للغاية مع روسيا.
وأبرز أهمية تشديد العقوبات على المسؤولين الروس، ولكن مع إقامة اتصالات أوثق مع المجتمع المدني هناك، ودعم المنشقين الروس والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام المستقلة. 
وفي سياق متصل، أبرزت شبكة "ايه ار دي" الإخبارية، أخيراً، ضرورة مناقشة الدور الروسي في هذا النزاع، ومدى تأثير الكرملين على بيلاروسيا، مشيرة إلى مدى معرفة الروس بتصرف لوكاشينكو، وسط التساؤل والشك الذي يلقي بثقله على العلاقات الروسية الأوروبية.

ورأت أنه ينبغي على المسؤولين الأوروبيين زيادة الضغط على بيلاروسيا. وحيال ذلك، قال السياسي المنتمي إلى حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، المسيحي الديمقراطي، نوربرت روتغن، أخيراً، إنه يمكن على الأقل افتراض أن موسكو وافقت على العملية، هبوط الطائرة، وهو ما ذهب إليه أيضاً وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، في تصريح مماثل، حيث رأى أنه من الصعب أن نتخيل أن مثل هذا العمل كان ممكناً لولا موافقة موسكو. 

المساهمون