"الإطار التنسيقي" يرسم خريطة مفاوضات المحافظين الجدد في العراق

05 يناير 2024
تظهر ملامح صراعات قد تغير موازين القوى (علي مكرم غريب/الأناضول)
+ الخط -

تبدو الحوارات السياسية بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات المحلية العراقية (مجالس المحافظات) متعثرة، لا سيما في ما يتعلق باختيار المحافظين الجدد لعدد من المحافظات، أبرزها العاصمة بغداد، إلى جانب البصرة وكركوك الغنيتين بالنفط.

وتظهر ملامح صراعات قد تغير موازين القوى لصالح تحالفات حزبية قريبة للوقوف بوجه الأحزاب الفائزة في بعض المحافظات، وخصوصاً تلك التي يرأسها المحافظون أصلاً، لمنع التمديد لهم بولاية جديدة.

وبدأت خلال الأيام الماضية حملة إعلامية من الإعلام المملوك لقوى تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يضم الأحزاب العربية الشيعية والفصائل المسلحة، وهو المعروف محلياً بـ"الإعلام الولائي"، بتحديد شروط جديدة لاختيار المحافظين، فيما أقدم على استضافة محللين وشخصيات مقربة من الفصائل المسلّحة للتحدث عن ضرورة تغيير المحافظين الحاليين في البلاد، بمن فيهم المحافظون الفائزون في البصرة، وواسط، وكربلاء.

وأجريت الانتخابات المحلية العراقية في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بمشاركة أكثر من 6 ملايين ناخب عراقي من أصل أكثر من 23 مليون شخص يحق لهم التصويت، وتنافس فيها 296 حزباً سياسياً، انتظمت في 50 تحالفاً، على 275 مقعداً هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات بشكل عام. وقد جرى تخصيص 75 منها ضمن "كوتا" للنساء، و10 مقاعد للأقليات العرقية والدينية في العراق.

وحاز حزب "تقدّم" بقيادة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وائتلاف "نبني" بزعامة هادي العامري، و"دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتحالف "السيادة" بزعامة خميس الخنجر، على المراتب المتقدمة في أغلب محافظات العراق.

وفازت قائمة حزب "تصميم" برئاسة محافظ البصرة أسعد العيداني، كما فازت قائمة "واسط أجمل" برئاسة محافظ واسط محمد المياحي، في حين حصدت قائمة "إبداع كربلاء" برئاسة محافظ كربلاء نصيف جاسم الخطابي، أعلى الأصوات، لكن مخاوف الإطار التنسيقي من احتمال تحول هذه القوائم إلى منافس لها في مرحلة الانتخابات البرلمانية المقبلة، دفعتها إلى فرض شروط قاسية على المحافظين الجدد لأجل دفعهم إلى ترك مناصبهم، واستبدالهم بشخصيات موالية لأطراف تحالف "الإطار" القريب من إيران.

وفي تمهيد للمفاوضات، ضخت وسائل الإعلام المملوكة لقوى الإطار التنسيقي خلال اليومين الماضيين، أكثر من 30 تقريراً وبرنامجاً سياسياً، تطرح من خلاله ضرورة استبدال جميع المحافظين، بمن فيهم الفائزون بهذه الانتخابات، مع التأكيد على استمرار "الإطار التنسيقي" بحصر ترشيحات أسماء المحافظين الجدد في جنوب ووسط العراق من خلاله.

وبحسب الوزير السابق والقيادي في تحالف "الإطار التنسيقي" جاسم محمد جعفر، فإن تحالف "الإطار التنسيقي" عزم على تغيير جميع المحافظين من دون استثناء، مبيناً في تصريحات الأربعاء الماضي، أن "توزيع بقية مناصب الحكومات المحلية التابعة للتحالف سيكون على مستوى الثقل الانتخابي لكل جهة سياسية من قوى الإطار، كما أن هناك اتفاقاً مسبقاً بتوزيع المحافظين الجدد وفق قرار إطاري، وهذا ما يجري حالياً من تفاهمات بين قوى التنسيقي مجتمعة".

وسبق أن أعلن تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق عن تشكيل كتلة موحدة من القوى التابعة له، في خطوة لتشكيل مجالس المحافظات على ضوء نتائج الانتخابات المحلية، وهي خطوة باتجاه الاتحاد ضد بعض الأحزاب الفائزة في المحافظات، من بينها محافظات جنوب البلاد، بالإضافة إلى العاصمة بغداد التي حقق فيها حزب "تقدم" لمحمد الحلبوسي أكثر من أصوات تحالف "نبني"، الممثل السياسي للحشد الشعبي.

في السياق، قال عضو "ائتلاف دولة القانون" سعد المطلبي لـ"العربي الجديد"، إن "هناك آراء مختلفة لدى الأحزاب والتحالفات الفائزة بالانتخابات المحلية الأخيرة، من بينها تعيين محافظين جدد في عموم المحافظات، وإجراء تقييم لعمل وأداء المحافظين أصحاب القوائم والأحزاب الفائزة بأعلى الأصوات خلال فترة وجودهم في السلطة وتوليهم المنصب، وأن استمرار وجودهم في مناصبهم مرهون بالتقييم".

وأضاف المطلبي أن "تحالف الإطار التنسيقي هو الذي سيقوم بهذه التقييمات، وبالتالي لابد من استكمال الخطة الحكومية في دعم الخدمات من خلال اختيار محافظين متفق عليهم سياسياً وشعبياً"، موضحاً أن "بقاء بعض المحافظين الحاليين في مناصبهم تحدده التقييمات".

وبحسب مصدر مقرّب من محافظ البصرة أسعد العيداني، فإن "الإطار التنسيقي وضع شروطاً "شديدة" على العيداني، من بينها عدم الترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة في حال جدّد له البقاء في المنصب، بالإضافة إلى حصول الإطار التنسيقي على رئاسة مجلس المحافظة، وعدم التحالف مع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر في المستقبل، كما أن نائبي المحافظ يكونان من حصة تحالف "الإطار"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "العيداني رفض هذه الشروط جميعها باعتباره الفائز الأول، ما دفع أطرافاً من الفصائل المسلحة إلى مهاجمته في الإعلام".

من جهته، أشار الباحث السياسي عبد الله الركابي إلى أن "سيناريو عدم إعطاء المجال للحزب الفائز في الانتخابات المحلية لاختيار المحافظ، سيقود في النهاية إلى ارتباك سياسي ويتسبب بأزمة أمنية على الأغلب، وقد يتجدد سيناريو انسحاب الصدر من العمل السياسي مع أحزاب فائزة أخرى".

وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "التأسيس إلى الشلل السياسي ابتكره نوري المالكي، وبدأت الأحزاب جميعها باستخدام هذه الطريقة، التي تجعل الفائز خارج السلطة في حين تواصل الأحزاب الخاسرة العبث بالمناصب بالقوة".

ولفت الركابي إلى أن "منصب المحافظ ليس سياسياً، بل هو خدمي، ومن المفترض ألا يتأثر بالأزمات السياسية والأمنية، وأن يكون الشعب هو المسيطر على المنصب، وبما أن المحافظين الجدد الفائزين بالانتخابات قد فازوا بأعلى الأصوات، فإن بقاءهم طبيعي في مناصبهم، لكن الانقلاب على الإرادة الشعبية هو خطة عمل بعض الأحزاب التي لا تهتم بأي تصدع شعبي أو انقلاب على الشرعية".

وينصّ قانون مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم، على قيام المحافظ بدعوة مجلس المحافظة لعقد الجلسة الأولى ليتم خلالها انتخاب رئيس مجلس المحافظة ونائبيه. ووفقاً للقانون، فإن الجلسة الأولى لمجلس المحافظة الجديد تُعقد برئاسة أكبر الأعضاء سناً، ليتم انتخاب رئيس المجلس ونائبه بالأغلبية، وبعدها يؤدي أعضاء المجلس والرئيس اليمين الدستورية الواردة في المادة 50 من الدستور أمام رئيس محكمة الاستئناف في المحافظة وأمام المحافظ.

وبحسب القانون، يفرض على المجلس المشكل حديثاً اختيار المحافظ الجديد خلال مدة 30 يوماً من تاريخ عقد الجلسة الأولى، حيث يتم انتخاب المحافظ بالأغلبية المطلقة من عدد أصوات المجلس.

وتتمتع مجالس المحافظات التي أنشئت بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، بصلاحيات واسعة على رأسها انتخاب المحافظ، ووضع ميزانيات في الصحة والنقل والتعليم عبر موازنات مخصصة لها في الموازنة العامة، وإصدار التشريعات المحلية، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، دون أن يتعارض ذلك مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات.

المساهمون