استنفرت المؤسسة الأمنية المصرية بكل أذرعها، غرب قناة السويس، في محاولة منها للقبض على نواة تنظيم "داعش"، التي تمكنت قبل نحو عشرة أيام، وتحديداً في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من تنفيذ هجوم على قوة أمنية في قلب مدينة الإسماعيلية التي تبعد 120 كيلومتراً عن القاهرة.
ويتحسب الأمن المصري لمحاولة التنظيم، الذي تبنى الهجوم، الدخول إلى الإسماعيلية وما حولها، في ظل إمكاناته في تجنيد عناصر جديدة. كذلك فإن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية قد تدفع عشرات الشبان المصريين إلى الالتحاق بهم، وفقاً لبعض المختصين في شؤون الجماعات المسلحة. انطلاقاً من ذلك، تبرز مخاوف من أن تُعاد تجربة سيناء، حينما تجاهل الأمن المصري بدايات التنظيم، إلى أن أصبح قوة عسكرية، تمكنت من إلحاق الضرر البشري والمادي في صفوف الجيش والشرطة على مدار عقد كامل من الصراع، بدءاً من نهايات 2012 وحتى يومنا هذا.
مصادر قبلية: قوات الأمن بدأت في حملة اعتقالات بحثاً عن عناصر تنظيم "داعش"
ويزداد القلق لدى الأمن المصري من إمكانية استمرار تمدد التنظيم وصولاً إلى العاصمة، التي لا تبعد إلا 120 كيلومتراً ولا يفصل بينها وبين الإسماعيلية أية محافظة أخرى. فالفاصل الوحيد بينهما طريق أغلبه صحراوي، لا يحمل أي معلم سكني أو زراعي. وهذا الهجوم يُذكرنا بهجمات تنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي كان يحمل اسم تنظيم "ولاية سيناء" قبل مبايعته لتنظيم "داعش" الإرهابي، التي طاولت مؤسسات وشخصيات أمنية مصرية بارزة عامي 2013 و2014 إبان الانقلاب العسكري الذي وقع في يوليو/ تموز 2013.
وأعلن التنظيم في ذلك الحين مسؤوليته عن العديد من التفجيرات والاغتيالات التي وقعت بعد فضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، والتي سماها "غزوة الثأر لمسلمي مصر". وكان على رأس هذه الاعتداءات اغتيال المسؤول عن النشاط الديني في قطاع أمن الدولة محمد مبروك، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية آنذاك محمد إبراهيم بسيارة مفخخة.
قوات الأمن المصرية تُطلق حملة اعتقالات في الإسماعيلية
وأشارت مصادر قبلية في محافظة الإسماعيلية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن قوات الأمن المصرية بدأت بحملة اعتقالات وتمشيط واسعة النطاق في المحافظة، بحثاً عن عناصر تنظيم "داعش" الذين نفذوا هجوم كمين مسجد الصالحين. ولفتت إلى أن عدد المشاركين في الهجوم قُدر بعشرة، ولم تتمكن قوات الأمن إلا من تصفية شخص واحد فقط منهم، فيما تمكن البقية من الهروب، بعد ركوبهم سيارات الشرطة التي كانت في الكمين الذي تعرض للهجوم.
وأوضحت المصادر أن هناك حالة من الخوف والقلق يساور عدداً كبيراً من المصريين النازحين من محافظة شمال سيناء إلى الاسماعيلية، من تحمّلهم فاتورة ملاحقة الإرهاب مرة أخرى، في ظل توجيه أصابع الاتهام إلى عدد من أبناء القبائل، المنتمين إلى تنظيم "داعش".
كذلك شددت على أن قوات الأمن المصرية بدأت بالاستعانة بعدد من أبناء سيناء في عمليات المطاردة والبحث عن مجموعات التنظيم في الإسماعيلية. وهذه الخطوة اتجهت لها المخابرات والجيش المصري في شمال سيناء بعد سنوات من ملاحقة تنظيم "ولاية سيناء"، فيما كان للاستعانة بالمكون البدوي الدور البارز في القضاء على التنظيم وطرده من مدن شمال سيناء خلال العام المنصرم.
عدم فعالية التعامل الأمني مع تنظيم "ولاية سيناء"
بدوره، أشار المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هجوم الإسماعيلية الذي وقع نهاية العام الماضي، يعد بمثابة محاولة من تنظيم "ولاية سيناء" للحفاظ على وجوده، وإشارة إلى الحفاظ على هيكليته البنيوية.
ولفت إلى أن ما جرى في الإسماعيلية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك استمرار التواصل بين التنظيم المحلي والتنظيم المركزي في العراق، إذ إن زعيم التنظيم كان قد أمر تنظيم ولاية سيناء بتوسيع جغرافية نشاطه، وتنفيذ هجمات خارج سيناء.
وأوضح أبو هنية أن تجربة التعامل الأمني مع تنظيم "ولاية سيناء" على مدار العقد الأخير، تثبت عدم فعاليتها، في ظل قدرته المستمرة على تنفيذ هجمات نوعية لا يمكن إنكار خسائرها.
حسن أبو هنية: هجوم الإسماعيلية يعد مثالاً لما كان عليه الحال فترة نشاط أنصار "بيت المقدس" عام 2013
وأشار أبو هنية إلى أن هجوم الإسماعيلية، الذي وقع في العمق المصري خارج الصحراء كما اعتدنا هجمات "داعش" طوال السنوات الماضية، يُعَدّ مثالاً لما كان عليه الحال فترة نشاط أنصار "بيت المقدس" عام 2013.
وأكد أبو هنية أن التنظيم في ذروة نشاطه العسكري في شمال سيناء، أعلن وجود "ولاية" في القاهرة، ما يشير إلى رغبته في النشاط بالعاصمة، إلا أن الظروف اللوجستية والتشديد الأمني في القاهرة لم يمنحا التنظيم القدرة على ذلك.