قال كريم خان، المستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل تنظيم "داعش" في العراق والشام (يونتاد)، في تصريحات لـ"العربي الجديد" في نيويورك إنه يتطلع إلى أأن "يحصل ضحايا جرائم "داعش" في العراق على العدل، ومن حق الأجيال القادمة علينا أن نتأكد ألا يوجد مكان آمن لهذا النوع من الجرائم التي ارتكبها "داعش"، أي جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم حرب". وجاءت تصريحات خان خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، بعد تقديمه تقريره السادس والأخير أمام مجلس الأمن الدولي في منصبه الحالي، قبل أن يتولى منصب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وسط الشهر القادم، خلفاً لفاتو بنسودا التي تنتهي ولايتها.
وقال خان إن فريقه توصل إلى أن الجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين في سنجار من قبل تنظيم "داعش" في شهر أغسطس/ آب لعام 2014 ترقى إلى جرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية. أما التحقيقات في ما يخص القتل الجماعي لطلاب القوات الجوية العراقية غير المسلحة، وأغلبهم من الشيعة، في أكاديمية تكريت الجوية في يونيو/ حزيران لعام 2014، فترقى إلى جرائم حرب وتحريض لارتكاب إبادة. ونفرّق (في القانون الدولي) في ما يخصّ تعريف الإبادة بأنه يجب إثبات النية لتدمير مجموعة بشكل كامل أو جزئي، وهذا ما يمكننا أثباته هنا بعدد من الأوجه".
ورداً على أسئلة إضافية لـ"العربي الجديد"، عبّر خان عن أمله أن تتبنى السلطات العراقية تعديلاً قانونياً يسمح بمحاكمة أعضاء "داعش" على جرائم دولية. وينظر البرلمان العراقي منذ نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2019 بقانون اقترحه الرئيس العراقي برهم صالح سيسمح بموجبه بإجراء تعديل على القانون العراقي يسمح بمحاكمة أعضاء "داعش" على جرائم دولية. وفي الوقت الحالي يحاكم العراق أعضاء "داعش" كمرتكبي جرائم إرهابية، لا كمرتكبي جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية وجرائم حرب.
وعبّر عن أمله أن يؤدي تبني السلطات العراقية لتعديل القانون إلى تحقيق تقدم في هذا الاتجاه، وخاصة أن هذا أحد المطالب الرئيسية للضحايا.
إلى ذلك، بموجب القرار 2379 الذي يعمل فريق التحقيق الدولي بموجبه، فإن ولاية اللجنة يجب أن تكون وفقاً "لأفضل ممارسات الأمم المتحدة"، وهذا يعني أنه نظرياً لا يمكن مشاركة أي أدلة تدعم الإجراءات الجنائية التي قد تفرض فيها عقوبة الإعدام في العراق. وفي هذا السياق أكد خان أن لجنته لا تشارك جميع الأدلة مع السلطات العراقية، باستثناء تلك المتعلقة بالأموال. وشدد في الوقت ذاته على ضرورة أن تكون هناك طريقة تُحترَم فيها سيادة العراق والأخذ بالاعتبار معايير الأمم المتحدة التي تعارض استخدام الإعدام. وشدد خان على عدد من الإمكانات التي يجري التباحث حولها حالياً.
وتمكن فريق التحقيق من تحديد أسماء أكثر من ألف شخص من الجناة المشتبه فيهم من تنظيم "داعش" بارتكاب جرائم ضد الأيزيديين، ومن بينهم 14 شخصاً متهمين بالمسؤولية عن ارتكاب أفظع الجرائم. وفي ما يتعلق بأكاديمية تكريت الجوية، حدد الفريق أسماء 20 شخصاً يتحمّلون المسؤولية الأكبر في تلك الجرائم. وأعد أيضاً موجزاً أولياً عن الشركات والأفراد الضالعين في تمويل تنظيم "داعش" وأنشطته.
وتحدث خان عن التقدم المحرز في عدد من التحقيقات الأخرى، من بينها جرائم "داعش" ضد سجناء سجن بادوش في الموصل في يونيو/ حزيران 2014، كما تلك المرتكبة ضد الشيعة التركمان والشبك والكاكائيين ومسلمين سُنّة والمسيحيين العراقيين. وأشار كذلك إلى استخدام "داعش" للأسلحة الكيميائية بشكل متكرر بين الأعوام 2014 و2016 ضد المدنيين. ورصد التقرير التقدم المحرز في التحقيقات بالجرائم الجنسية، بما فيها الاستعباد الجنسي للفتيات والنساء، كما الجرائم المرتكبة ضد الأطفال من قبل "داعش".
ومن جهتها، دعت نادية مراد، الناشطة الإيزيدية العراقية، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام والناجية من جرائم "داعش"، مجلس الأمن الدولي إلى التحرك ووضع خطة واضحة لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإيزيديين في العراق، وإحالتها على المحكمة الجنائية الدولية. وجاءت تصريحات مراد خلال مداخلة قدمتها أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك خلال اجتماعه لنقاش تقرير خان.
وقالت مراد: "عندما تحدثت أمام المجلس في عام 2017، إلى جانبي صديقتي ومحاميتي، أمل كلوني، طلبنا دعمكم لضمان عدم نجاح "داعش" في هدفها القاضي باجتثاث الإيزيديين من العراق. وبالتالي إن اعتمادكم القرار 2379 كان خطوة حيوية، بما فيها إنشاء "يونتاد" وما تقوم به". وتحدثت عن أن عمل "يونتاد" يمثل فرصة لتحقيق العدالة، حيث تمكن عدد من الناجين من مواجهة هؤلاء الذين ارتكبوا الجرائم بحقهم. وتحدثت عن انتشال رفات أكثر من مئة شخص من إحدى المقابر الجماعية ودفنهم في قريتها، ومن بين هؤلاء اثنان من أشقائها. ثم أشارت إلى أنه على الرغم من أهمية تلك الإنجازات، لكن لا يمكن التعويل عليها فقط، وأن على المجتمع الدولي أن يتحرك ويعطي الأولوية للمحاكمات على ارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وأشارت إلى أن الأدلة التي جمعها الفريق تؤكد أن جرائم "داعش" ضد الإيزيديين تشكل جريمة إبادة جماعية، وأن جمع الأدلة حيوي بالنسبة إلى المحاكم وسجلات التاريخ، لكن الضحايا يحتاجون كذلك إلى العدل. وتحدثت عن استمرار معاناة الإيزيديين، وقالت: "إن أكثر من مئتي ألف منهم ما زالوا مشردين داخلياً في العراق في مخيمات لا تبعد كثيراً عن قراهم وما زالوا يأملون العودة إلى ديارهم وإحقاق العدالة وعودة الأمن إلى سنجار". وأشارت إلى وجود أكثر من 2800 امرأة وطفل لا يزالون محتجزين لدى "داعش". وقالت: "داعش لم تحاول قط إخفاء نياتها، والمقابر الجماعية خير دليل على ذلك، ونشرت كتباً لقوننة تجارة الرق وبيع النساء الإيزيديات بالمزاد، ورغم كل تلك الفظائع يعرف الإيزيديون أن إعادة الاستقرار إلى سنجار هو الأمل الأفضل لمنع المزيد من الاضطهاد. لكن ما نحرزه من تقدم يخضع لقيود بسبب السياسات والمصالح المتضاربة".
وقالت إن الاعتراف بالإبادة الجماعية والمحاكمات العلنية من شأنه أن يساعد في تضميد جراح الناجين والضحايا. وأضافت: "إن عملية الرصد الدولية ضرورية لإحقاق العدالة في المحاكم الوطنية العراقية والمحاكم الدولية، وهي حاجة لمعالجة الحجم الدولي لجرائم "داعش" بحق الإنسانية. وناشدت المجلس وضع خطة واضحة للمحاكمة، وطلبنا إحالتها على المحكمة الجنائية الدولية أو إنشاء محكمة دولية، لكن الوعود بقيت حبراً على ورق، وخضعت للأولويات المتضاربة وأرجأت العدالة".
يذكر أن فريق التحقيق (يونتاد) شُكل بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2379 لعام 2017 الذي مدّد له بموجب القرار 2544 بطلب من الحكومة العراقية عام 2020. ومن ضمن مهامه، بحسب الأمم المتحدة، دعم الجهود المحلية الرامية إلى محاسبة "داعش" من طريق جمع الأدلة في العراق وحفظها وتخزينها، وهي المتعلقة بأفعال قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة، التي ارتكبها التنظيم لضمان استخدام الأدلة أمام المحاكم الوطنية واستكمال التحقيقات التي تجريها السلطات العراقية أو التحقيقات التي تجريها السلطات في بلدان ثالثة بناءً على طلبها.