يرى متابعو الوضع الليبي أن مبعوثي الأمم المتحدة، بعد انتهاء ثورة فبراير/شباط 2011، يحاولون ربط خططهم ومسار أعمالهم لفهم متغيرات واتجاهات السياسة الدولية بشأن الملف الليبي. لكن أي من هؤلاء المراقبين لا يقرأ التاريخ على ما يبدو، رغم أننا كعرب نكرر الحديث عن أمجادنا لدرجة التقديس. وها هي المبعوثة الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، تأبى مغادرة منصبها، بما يوحي كأن السياسة الدولية بشأن ليبيا لم تتغير. فالمسار الأممي، ومن خلفه رغبات وأطماع من يدفع به، لم يتغيّر منذ انطلاقه عام 1949 على يد الهولندي أدريان بيلت، أول المبعوثين الأمميين إلى ليبيا.
وفي مناسبة وصول المسار الأممي لنهايته، تُرجم كتاب بيلت "استقلال ليبيا والأمم المتحدة". ورغم أن أحداثه جرت بين عامي 1949 و1951، إلا أنها جاءت متطابقة من مسار ونتائج خطة ويليامز تماماً. وذكر بيلت في كتابه أنه "الآن يجب تأسيس دولة من الأقاليم الثلاثة (برقة، طرابلس، فزان)، ويجب أن تكون أقل مركزية مع احتساب البنية الجغرافية والديمغرافية للبلاد". وحول المسارات التي أطلقها لحل أزمة البلاد، كشف عن خلافات عميقة حدثت حول عدد الممثلين لكل إقليم في الجمعية التأسيسية لليبيا، لكنه قال إنه نجح في تقليصها إلى "ستة أعضاء من كل إقليم"، أي 18 ممثلاً.
لم يعد خافياً اليوم قيام مسارات على الحل وفق مبدأ الأقاليم الثلاثة، ومنطق المحاصصة الجغرافية في المناصب السيادية، تماماً كما حصل في مراحل سابقة أنتجتها سنوات من الحروب والاختلافات بين زعماء القبائل والأقاليم. لكن النتيجة التي انتهت لها مسارات الحل الأممية، وقتها، أدت إلى اختيار 6 أعضاء من لجنة "الـ18" للتوافق على "آلية موحدة لتوزيع السلطات بين الحكومة الاتحادية المستقبلية وبين حكومات الأقاليم الثلاثة". وهو ما تسير في اتجاهه الأزمة الحالية. بالتالي، لا يبدو أن ترجمة كتاب أول مبعوث أممي لليبيا وانتشاره الواسع في هذا التوقيت صدفة، فقد حدد السيناريو الذي توافقت عليه مطابخ السياسة، ولسان حال آخر المبعوثين الأمميين يقول إن "الحل ليس سوى عود على بدء".