يتصاعد القلق لدى الأوساط الفلسطينية في القدس المحتلة من تداعيات ما يمكن أن يحصل من تصعيد في المسجد الأقصى، ابتداء من اليوم الاثنين وحتى منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وينبع القلق من واقع إطلاق جماعة ما يسمى بـ"اتحاد الهيكل" دعواتها لأتباعها ولعموم الإسرائيليين للمشاركة في ما تصفه بـ"تحول تاريخي غير مسبوق في اقتحامات الأقصى"، سواء لجهة أعداد المقتحمين أو طبيعة الاقتحامات، والتي سيتخللها النفخ الجماعي في البوق (الشوفار) داخل باحات الأقصى، وهو هدف تضعه الجماعات المتطرفة نصب أعينها هذا العام.
وقوبل ذلك بتحذيرات من خطوة ما يجري، وسط دعوات لمواجهته والرباط في المسجد الأقصى، وحذّر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، في خطبة الجمعة التي ألقاها بالأقصى، من الأخطار المحدقة بالمسجد، بسبب الدعوات المتطرفة التي يطلقها متطرفون يهود لاقتحامه اليوم الاثنين وغداً الثلاثاء، وطيلة فترة الأعياد اليهودية. ووصف الدعوات بـ"الخطيرة جداً"، محذراً شرطة الاحتلال من أي مساس بالمسجد أو تغيير الوضع القائم فيه منذ عقود.
تحذير من النفخ بالبوق
من جهته، جدد رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري، في حديث لـ"العربي الجديد"، دعوته لأبناء الشعب الفلسطيني للحشد والرباط في الأقصى، بدءاً من أول من أمس السبت وطيلة الأسابيع المقبلة، مع وضوح ما يخطط له هؤلاء المتطرفون.
وتوجه صبري إلى الفلسطينيين في الداخل والضفة الغربية المحتلة وأحياء القدس كافة لشد الرحيل إلى الأقصى وإعماره: "نناشدكم الوجود في الأقصى والرباط فيه، فقد عزم الآخرون على القيام بما لا يمكن القبول به، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالنفخ في ساحات المسجد، وهو ما لا يمكن أن يمر أو نقبل به".
عكرمة صبري: نناشدكم الوجود في الأقصى والرباط فيه
بدورها، دعت مجموعات شبابية مقدسية والقوى الوطنية المقدسية إلى النفير العام، اليوم الاثنين وغداً الثلاثاء، دفاعاً عن الأقصى. وقال أحد النشطاء لـ"العربي الجديد" (فضّل عدم ذكر اسمه): "لن نسمح لهم أن ينفذوا تهديداتهم، ولن ترهبنا حملة الاعتقالات والإبعادات المستمرة عن القدس القديمة والأقصى، التي بدأت شرطة الاحتلال بتنفيذها منذ أيام وطاولت العشرات من شبابنا ومرابطينا".
ويرى المقدسيون أن النفخ في البوق في ساحات الأقصى، إن حدث، سيُشكّل تحولاً كبيراً في الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، بعد أن كانوا نجحوا في السابق برفع الأعلام الإسرائيلية في أكثر من مناسبة، كما باتت صلواتهم وطقوسهم تجرى بصورة يومية داخل الساحات وبحماية شرطة الاحتلال.
واستبق المتطرفون اليهود سعيهم لنفخ البوق داخل الأقصى بقيامهم بذلك داخل مقبرة باب الرحمة الإسلامية، المتاخمة للسور الشرقي للمسجد الأقصى، وبالقرب من قَبْري الصحابيين عبادة بن الصامت وشداد بن أوس.
وبعد قيامه بالنفخ في البوق داخل المقبرة، قبل أيام، وجه عضو الكنيست الإسرائيلي، عن حزب "الصهيونية الدينية" سيمحا روتمن، رسالة قال فيها: "إنه يجب تمكين اليهود من نفخ البوق في المسجد الأقصى وليس فقط في محيطه".
وكانت بلدية الاحتلال قد وضعت مخططاً لإزالة هذه المقبرة، وحاولت طواقمها عدة مرات إزالة أجزاء منها، وآخر تلك المحاولات كانت في عام 2018، فيما تحاول جماعات الهيكل المتطرفة تكريس المقبرة مركزاً للطقوس التوراتية يوازي ساحة البراق، وإيجاد موطئ قدم على السور الشرقي للأقصى.
وتجهيزاً للأعياد اليهودية، أعلنت جماعات الهيكل المتطرفة، منذ أكثر من أسبوع، عن وصول خمس بقراتٍ حمراء إلى فلسطين المحتلة، آتية من ولاية تكساس في الولايات المتحدة، كتبرعٍ من جماعات مسيحية إنجيلية لصالح مزرعة "معهد الهيكل" الواقعة في بيسان المحتلة.
وهي مؤسسة كرست نفسها لإحياء تراث الهيكل المزعوم وطقوسه وألبسته وتعاليمه وكل ما يتعلق به من تفاصيل، والتي يمكن القول إنها من الناحية العملية المؤسسة الأم لجماعات الهيكل المتطرفة.
وحول إعلانات هذه الجماعات، يقول الباحث في شؤون الأقصى زياد ابحيص: "يرتبط الإعلان عن البقرات الحمراء بمحاولة توسيع دائرة الإسرائيليين المنخرطين مباشرة في اقتحامات المسجد الأقصى، إذ إن المشاركة في الاقتحامات لا تزال محدودة عددياً، على الرغم من أن فكرة إقامة الهيكل المزعوم في مكان المسجد وعلى كامل مساحته تشكل محل إجماعٍ لمختلف مكونات اليمين الإسرائيلي، الذي يشكل التيار المركزي في المجتمع والسياسة في الكيان الإسرائيلي اليوم".
ويشير ابحيص إلى أن "ما يمنع الانخراط الواسع في الاقتحامات، بحسب ما تظن جماعات الهيكل المتطرفة، هي الفتوى الدينية التقليدية التي تتبنّاها الحاخامية الرسمية بشقيها الغربي والشرقي حتى اليوم، والتي تعتبر الدخول إلى الهيكل المزعوم محظوراً بسبب عدم تحقق شرط الطهارة وعدم مجيء المخلص المنتظر".
ويضيف أن "هذه الجماعات المتطرفة في معظمها تؤمن بعقيدة خلاصية أو مسيحانية، تحمل تأويلاً ما لنظرية مجيء المسيح، وهو ما يجعلها واثقة بقدرتها على تجاوز هذا الشرط في وعي جمهورها، ولذلك تحصر عقدتها في شرط الطهارة، وتأمل في تجاوزها، لرفع مستوى مشاركة المجتمع الإسرائيلي في الاقتحامات عشرات أو مئات الآلاف، وهذا ما يجعلها تكرس ميزانيات كبيرة وجهوداً سنوية في محاولة لحل عقدة شرط الطهارة".
دور البقرات الحمراء
ويشرح ابحيص: "للنجاسة في الشريعة التوراتية أشكال، منها ما هو أصغر يُتطهّر منه بالماء، ومنها ما هو أكبر ولا يتطهّر منه إلا برماد البقرة الحمراء، وهذه النجاسة الكبرى مصدرها الأساس هو لمس الجثث الميتة، ولمسها يجلب هذه النجاسة الكبرى وينتقل باللمس من إنسانٍ إلى آخر، ما يجعل شرط الطهارة الكبرى غير متحقق في أي يهودي في العالم اليوم وفق الفتوى الحاخامية".
ويوضح ابحيص أن "تحقيق هذه الطهارة بحسب التعاليم التوراتية، يتطلّب ذبح بقرةٍ حمراء قد أنهت من العمر عامين ويومين، وممنوع أن تكون فيها شعرة واحدة غير حمراء، ومن ثم ذبحها وإحراقها على جبل الزيتون بزعمهم، ليخلط رمادها بالماء ويتطهّر بها الكاهن الأعظم، ثم يبدأ بدوره بتطهير بقية اليهود بهذا الماء المقدس المخلوط برماد البقرة الحمراء".
سيمحا روتمن: يجب تمكين اليهود من نفخ البوق في المسجد الأقصى
ويتابع ابحيص: "بناءً على ذلك، فإن معهد الهيكل يعمل في خطين متوازيين. الخط الأول إحياء طبقة الكهنة، وهذا ما يحاولون تكريسه عبر اقتحامات المسجد الأقصى المتكررة بثيابٍ كهنوتية بيضاء. والخط الثاني يتمثل فيه الوصول إلى بقرةٍ حمراء صافية بالعمر المطلوب لتحقيق شرط الطهارة من خلال رمادها، وهو ما تسعى جماعات الهيكل المتطرفة إلى إقناع جمهور اليمين الإسرائيلي بقرب تحققه. وبالتالي، يصبح الجميع قادراً على المشاركة في الاقتحامات، بمن فيهم من يتمسك بفتوى الحاخامية الرسمية الذين يشكّلون الغالبية العظمى من المشاركين وفق تقدير جماعات الهيكل".
وفي ما يتعلق بالبقرات الخمس المستوردة من تكساس، يقول ابحيص: "تبلغ من العمر عاماً واحداً، ولتحقيق شرط الطهارة تتطلب تربيتها وفق أصولٍ محددة لعامٍ آخر، والتأكد من أنها حمراء صافية لم تنبت لها أي شعرة واحدة مختلفة اللون. وهذه المحاولة حلقة من عشرات المحاولات المشابهة التي كانت تجرى محلياً من دون استيراد على مدى عقدين من الزمن، ولم تكن جماعات الهيكل من قبل توليها كل هذا الاهتمام والزخم الإعلامي".
واستناداً إلى هذه التطورات، تأتي المخاوف وحالة القلق التي تسود الأوساط المقدسية، في وقت حذر فيه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف من "هجمات محتملة" قد يشنها مقاومون فلسطينيون خلال الأعياد اليهودية قد تستمر أسابيع، ارتباطاً بما ستشهده ساحات الأقصى على ضوء اقتحامات المستوطنين وما يمكن أن يقوموا به هناك من استفزازات لجموع الفلسطينيين".
بدوره، يقول المفوض العام للشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي إن "هناك ارتفاعاً واضحاً في عدد التنبيهات بشأن خطط لتنفيذ هجمات، وإن الشرطة تتصدّى للتهديد بنشر أعداد كبيرة من القوات".
وتشمل الخطة نشر الآلاف من عناصر الشرطة في جميع أنحاء إسرائيل، عند حواجز على الطرقات، وفي مراكز التسوق وأماكن الترفيه، وفي المعابد اليهودية والمواقع التي تتجمع فيها الحشود.