الأسرى العراقيون في إيران... ملف غير مغلق

08 مايو 2021
يتم توصيل الأسرى للحدود الإيرانية العراقية (ثائر السوداني/فرانس برس)
+ الخط -

أعاد تسجيل مصور تداولته وسائل إعلام عراقية أخيراً، الحديث عن ملف الأسرى العراقيين خلال الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988)، بعدما ظهر فيه رجل عراقي في العقد السادس من عمره، لم يذكر اسمه، قال إنه عاد إلى العراق في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعدما قضى نحو 40 عاماً في معسكرات الأسر الإيرانية، مؤكداً أن عدداً من الأسرى العراقيين لا يزالون موجودين في معسكرات (إيرانية) متفرقة. هذا الحدث تمَّ تداوله على نحو واسع، وسلّطت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي العراقية الضوء عليه خلال الأسبوعين الماضيين، إلا أنه لم يحظ بأي ردّ فعل من الجانب الحكومي أو السياسي. وتحدث الرجل خلال التسجيل لدقائق عدّة عن نفسه، ووضعه خلال سنوات أسره، في ما قال إنها معتقلات تقع في مناطق ثلجية على الحدود الشرقية لإيران، ويتواجد فيها أسرى عراقيون. وأوضح أنه "تعرض لصدمة حين وصل إلى العراق، وعرف أن نظام صدام حسين قد انهار في العام 2003، لأن الإيرانيين لا يخبرون الأسرى بأي تطورات".

أغلقت بغداد  بالاتفاق مع طهران في العام 2011، ملف الأسرى بين البلدين

النائب العراقي فائق الشيخ علي، علّق على الموضوع في حديث مقتضب مع "العربي الجديد"، جازماً أن "إيران لا تزال تحتفظ بأسرى عراقيين، وهي معلومة مؤكدة"، وأن "هناك بعض المسؤولين العراقيين يعرفون بهذا الأمر". لكن الشيخ علي اعتذر عن إعطاء أي معلومات إضافية حول هذا الملف، لأسباب تبدو مرتبطةً بحساسية الموضوع الذي قد يؤدي إلى مشاكل بين العراق وإيران، لا سيما أن بغداد كانت قد أغلقت بالاتفاق مع طهران في العام 2011، ملف الأسرى بين البلدين، بعدما أكدت إيران للجنة الصليب الأحمر التي كانت تُشرف على الملف، خلوها من أي أسير عراقي، وأن آخر وجبة تبادل أسرى بين البلدين كانت تحت إشراف الصليب الأحمر وتمّت في 2003.

وفي إيران، نفى العميد سيّد محمد باقر زاده، رئيس ملف الأسرى والمفقودين في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، في حديث مع "العربي الجديد"، وجود أي أسير عراقي في إيران، مضيفاً أن "وزارة الدفاع العراقية ولجنة الصليب الأحمر سبق لهما أن أصدرتا نفياً لهذه المزاعم". وبحسب باقر زادة، فقد "توصل الطرفان العراقي والإيراني إلى نتيجة قطعية بعدم وجود أي أسير لأي من البلدين لدى الآخر"، معتبراً أن "مثل هذه الشائعات تتكرر بشكل مستمر وفق سيناريو للبعثيين بهدف ضرب العلاقات الطيبة الإيرانية - العراقية وإثارة الخلاف بين الشعبين".  
وتواصلت "العربي الجديد"، مع مسؤولة الإعلام في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، مسعدة سيف، وعرضت عليها المقطع المصور لـ"الأسير" العراقي الذي قال إنه كان في إيران، لكنها لم تؤكد صحة الأمر، كما أنها رفضت نفيه، مبينة أن "مكتب الصليب الأحمر في العراق، شاهد الفيديو، وأن عراقيين أيضاً طلبوا منّا أن نؤكد صحة الفيديو أو ننفيه، لكننا لا نستطيع تأكيد أو نفي المعلومات التي ترد في الفيديوهات". وأضافت: "ما هو رسمي أن آخر وجبة تبادل للأسرى العراقيين والإيرانيين، تمّت عام 2003 بإشراف الصليب الأحمر، وفي العام 2011 تمّ إغلاق ملف أسرى الحرب الإيرانيين، ونعمل حالياً على متابعة ملف رفات ضحايا الحروب، وتحديداً في مناطق الحرب بين العراق وإيران، إضافة إلى العراق والكويت".
وبحسب مدير منظمة حقوقية معنية بأحوال السجون العراقية وملفات الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى العراقيون في إيران، فإن "أكثر من ألف أسير عراقي لا يزالون في معسكرات إيرانية، وتحتفظ بهم طهران كونهم معاقبين وفق القضاء الإيراني، ولم يُكملوا إلى حدّ الآن فترات عقوباتهم التي وصلت بالنسبة إلى بعض الأسرى لمددٍ طويلة، مثل عقوبة السجن لمائة عام، وهناك من هو محكوم بالسجن لـ80 عاماً".

أسير سابق: هناك نحو 1700 أسير عراقي أحياء في إيران

وأكد المصدر ذاته، وهو ناشط حقوقي معروف في العراق، لكنه طلب عدم ذكر اسمه، بسبب ما وصفه بخطورة الملف، أن "بعض المسؤولين العراقيين، وتحديداً المقربين من إيران، ويتسلمون حالياً مناصب مهمة، يعرفون حقيقة هذا الأمر، لكنهم لا يستطيعون التوغل في الملف، لمعرفتهم بأن غالبية الأسرى لا يزالون يقضون فترة عقوبتهم في إيران". ولفت المصدر إلى أن "دائرة شؤون المحاربين القدامى التابعة لوزارة الدفاع العراقية، كانت قد فاتحت رئيس الحكومة العراقية الأسبق حيدر العبادي لمرتين بالمسألة، لكنه لم يستجب ولم يتفاعل مع الملف". واعتبر المصدر أن من يتم الكشف عن إطلاق سراحهم بين وقت وآخر "هم من كبار السن أو الذين يحصلون على شفاعات".
الإعلامي العراقي محمد السيّد محسن، وهو أحد الأسرى العراقيين الذين أسروا عام 1988 لنحو ست سنوات، قال لـ"العربي الجديد"، إن "هناك نحو 1700 أسير عراقي أحياء في إيران، تم أسرهم خلال سنوات الحرب العراقية - الإيرانية، وهؤلاء لا يوجد لديهم أي تواصل مع عوائلهم داخل العراق، كما أنهم مغيبون تماماً عن الإعلام ولا يعرفون ما يجري داخل العراق"، مستطرداً أن "غالبيتهم لا يعرفون شيئاً عن العراق منذ تاريخ اعتقالهم، وليس مستغرباً أنهم يظنون حالياً أن صدام حسين لا يزال رئيساً لبلدهم".
وأكمل السيّد محسن أن "الصليب الأحمر لا يعرف أي شيء عن المعسكرات الإيرانية، لأن السلطات في طهران حريصة على توزيع هذه المعسكرات في أماكن متفرقة ومجهولة، كي لا يتم الإفراج عن العراقيين الموجودين فيها"، مؤكداً أن "الأسرى العراقيين الذين يتم الإفراج عنهم وتوصيلهم إلى الحدود العراقية - الإيرانية يخرجون وفق صلاحيات موظفين في السجون، وليس بقراراتٍ حكومية". وفي هذا السياق، قال إنه "قد تمّ الإفراج قبل أعوام قليلة عن أحد الأسرى العراقيين من قبل "الحاج نظران"، وهو مسؤول إيراني كبير في لجنة شؤون الأسرى في إيران، بقرارٍ شخصي منه". وكشف عن أن الأسرى العراقيين متواجدون حالياً في معسكر "سنك بست" في مدينة مشهد، وفي مدينة "آراك"، وفي "الداوودية" بمدينة طهران".
(ساهم في إعداد التقرير من طهران: صابر غل عنبري)

المساهمون