الأزمة العراقية: هل تنجح مبادرة "تحالف السيادة" في "وأد الفتنة"؟

30 اغسطس 2022
تشهد الساحة العراقية منذ يوم أمس أحداثاً دامية (أحمد الرباعي/فرانس برس)
+ الخط -

مع استمرار حالة الفوضى والاشتباكات المسلّحة في العراق منذ ظهر أمس الإثنين، بدأت ملامح تحرك سياسية ومبادرة للتهدئة بالظهور، مع إعلان رئيس "تحالف السيادة" خميس الخنجر في بيان مقتضب عن مساعٍ لـ"مبادرة عاجلة لوأد الفتنة".

وأكد الخنجر "دعمه لأي قرار بحلّ البرلمان وإعادة الانتخابات"، مشيراً إلى دعمه "أي صيغة تعيد الاستقرار".

ويُعدّ موقف التحالف الذي يمثّل العرب السُنّة في العراق، الأول الذي يتحدث عن حراك سياسي ومبادرة للتهدئة.

في الموازاة، ظهرت بعض محاولات الاتصال بقيادات التيار الصدري، لم يصل صداها إلى زعيمه مقتدى الصدر، فيما يعوّل الطرف الآخر، "الإطار التنسيقي" الحليف لإيران، على تدخل المرجع الديني علي السيستاني.

وتحدث القيادي في الإطار عائد الهلالي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، عن "حراك مستمرّ ومتواصل بين القيادات السياسية كافة منذ يوم أمس وحتى الساعة، من أجل الوصول إلى تهدئة للأوضاع والتطورات الأمنية الخطيرة في المنطقة الخضراء، فهذا التطور ينذر بكوارث خطيرة على الوضع الأمني في عموم العراق".

ولفت الهلالي إلى أن "الساعات المقبلة ربما تشهد تهدئة للوصول إلى حلول لوقف الاشتباك المسلّح في المنطقة الخضراء، مع استمرار مساعي كافة القيادات السياسية لعقد اجتماعات، بالإضافة إلى الاتصالات المستمرة دون انقطاع، مع محاولة فتح قنوات حوار مباشرة أو غير مباشرة مع الصدر، حتى تتم تهدئة الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة".

وأضاف أن "الجميع سيكون خاسراً إذا استمرّ الوضع الأمني ولم تتمّ السيطرة على الموقف"، مشدداً على أنه "لا توجد أي جهة مستفيدة من هذا الصراع غير أعداء العراق والعراقيين، خصوصاً أن هناك أطرافاً تحاول إشعال الفتنة بشكل أكبر وأخطر من خلال بث الشائعات والقيام ببعض الأعمال لجرّ الشارع الشيعي إلى الاقتتال الأهلي في وسط وجنوب العراق".

مخاوف من اقتتال أهلي

في المقابل، قال المحلل السياسي ماهر جودة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الوضع الأمني في العاصمة بغداد وبعض مدن الجنوب وصل إلى مرحلة خطرة تنذر بكارثة الاقتتال الأهلي، وليس الصدام المحدود، وهذا ما يتطلب من الجميع العمل على التهدئة قبل خروج الأمور عن السيطرة ووصولها إلى ما لا تحمد عقباه".

وقال: "نعتقد أن حلّ هذه الأزمة والتهدئة يكون من خلال تدخل مباشر من قبل المرجع الديني الأعلى في مدينة النجف علي السيستاني أو زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ودون تدخل إحدى هاتين الشخصيتين، صعبة جداً السيطرة على الوضع الأمني المنفلت في المنطقة الخضراء وبعض المدن الأخرى".

ولفت إلى أن "المعلومات تؤكد وجود اتصالات وتحركات من أطراف عدة من أجل تدخل السيستاني والصدر لتهدئة الأوضاع الأمنية، لكن حتى اللحظة لا رد على كل هذه التحركات والاتصالات التي تجري من قبل أطراف سياسية وحكومية وحتى إقليمية".

إرجاء النظر بدعوى حلّ البرلمان

من جهته، قال مصدر مسؤول في المحكمة الاتحادية العليا في العراق، لـ"العربي الجديد"، إن "المحكمة قررت تأجيل النظر بالدعوى المرفوعة أمامها بشأن حلّ مجلس النواب، بسبب التطورات الأمنية في العاصمة بغداد، دون تحديد أي موعد جديد لعقد هذه الجلسة".

ومنذ الأمس، تصاعدت الدعوات للتهدئة من قبل قيادات في "الإطار التنسيقي"، إذ دعا زعيم تحالف الفتح هادي العامري إلى التهدئة، في وقت أكد زعيم "الحشد الشعبي" فالح الفياض ضرورة الركون إلى الحوار، فيما لم تتضح معالم حراك معيّن لأي طرف، عدا تلك الدعوات.

وصباح اليوم الثلاثاء، أجرى رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور البرزاني، اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مؤكداً استعداد الإقليم للتدخل لغرض إيجاد الحلول السياسية.

وقال البرزاني في تغريدة له عبر "تويتر": "أشعر بالانزعاج الشديد إزاء الحلقة الجديدة للعنف في العراق"، مضيفاً: "تحدثت إلى رئيس الوزراء للتأكيد على استعداد حكومة الإقليم للمساعدة في إحلال السلام والاستقرار في أنحاء البلاد كافة". وتابع: "آن الأوان للبدء بحوار شامل وصريح بشأن القضايا العميقة والخطيرة التي تواجهها البلاد"، مشيراً إلى أنه "يجب أن نتحلّى بالشجاعة الكافية لتحديد جوهر الاختلافات مع بعضنا البعض، وأن نتقبل أن الوضع الذي نحن فيه الآن جميعاً يتطلب حلاً دائماً".

من جهته، حذر المرجع الديني محمد تقي المدرسي، من انزلاق العراق في هوّة الحرب الأهلية، وقال، في بيان صادر عن مكتبه اليوم الثلاثاء: "على كل المسؤولين الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس، والبحث الجاد عن سبل لنزع فتيل المناوشات غير المقصودة".

وشدد على أن "طريق تجاوز الأزمة لا يكون إلا عبر الحوارات الجادّة، مع نكران الذات والتنازل عن بعض المصالح الضيقة"، محذراً بالقول: "كلنا في سفينة واحدة، لو غرقت لن ينجو أحد منا من الهلاك".

بدوره، أكد مسؤول حكومي مطلع أنه حتى الآن، لا يوجد حراك واضح للتهدئة، إلا اتصالات بمكتب الصدر، وأخرى بمكتب السيستاني، مبيناً لـ"العربي الجديد"، شرط عدم ذكر اسمه، أن "زعيم التيار الصدري رفض تلقي أي اتصال من أي طرف سياسي، إذ أجرت قيادات كردية وأخرى من الإطار التنسيقي اتصالات بقيادات رفيعة بالتيار الصدري، وتحاول من خلالها الوصول إلى الصدر لأجل التهدئة والاحتكام إلى الحل".

وأكد أن "الصدر، وبعد إعلان اعتزاله العمل السياسي، لم يرد على تلك الاتصالات وحتى لم يبدِ رأياً تجاهها".

وأشار إلى أن "قيادات الإطار التنسيقي تعوّل على تدخل المرجع السيستاني، وهي مستمرة بالتواصل مع مكتبه، إلا أنه لم يبدِ أي موقف إزاء ذلك".

إلى ذلك، رأى النائب عن القوى الكردية هوشيار عبد الله، أن الوضع لا يُحلّ إلا عبر شخصين فقط، وقال في تغريدة عبر "تويتر": "شخصان فقط بإمكانهما تهدئة الأوضاع، (السيستاني والصدر).. عندما تصل الأمور إلى استخدام السلاح يجب أن يوقف كل شيء بكلمة منه بدلاً من الإضراب عن الطعام"، مضيفاً: "الكل يقول الدم العراقي خط أحمر، أين مواقفكم؟!".

أما السياسي عزت الشابندر، فقد علّق على ما يجري من أحداث بقوله "الفوضى الدائرة في العراق الآن ليس فيها منتصر، العراق وشعبه هما الخاسر الأكبر".

يجري ذلك في وقت تتواصل الاشتباكات المسلحة داخل المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية بغداد، بين المئات من أنصار التيار الصدري من جهة، وفصائل مسلحة عدة، إضافة إلى قوات خاصة تتولى حماية مقرات ومنازل مسؤولين عراقيين وسياسيين داخل المنطقة الدولية، في وقت ارتفع عدد قتلى المواجهات إلى 25 قتيلاً، إلى جانب أكثر من 200 جريح من أنصار الصدر، وسط تأكيدات بوجود قتلى وجرحى من الجانب الثاني من فصائل مسلّحة وأجهزة أمنية.

المساهمون