الأردن تحت حكم كورونا: مناخ معادٍ للعمل السياسي والحريات

03 مارس 2021
لا اهتمام بالشأن السياسي من الأردنيين (صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -

ألقت جائحة كورونا بظلالها على الأوضاع السياسية في الأردن ومناخ حرية التعبير، وعلى الرغم من أن التضييق سابق لتفشي الفيروس، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات خلال الوباء ضاعفت الصعوبات أمام الأحزاب، فيما الانتخابات النيابية التي أجريت في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، شهدت انتهاكات ومخالفات، بلغ بعضها حدّاً يعيب العملية الانتخابية برمتها، وفق "المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان". واتسمت الانتخابات بضعف المشاركة الشعبية إذ بلغت 29.90 في المائة حسب البيانات الصادرة عن الهيئة المستقلة للانتخاب، مقارنةً بالانتخابات النيابية السابقة التي بلغت 36 في المائة، وهي نسبة تضعف من القناعة العامة بتمثيلية المجلس، واستقامة الحياة السياسية.

وحصل الأردن على علامة 3,8 من عشرة في مؤشر الديمقراطية للعام 2020، والموقع 118 من بين 167 دولة بينها 164 دولة عضوا في الأمم المتحدة، وفق تقرير الوحدة الاستخبارية في مجلة "إيكونومست" التي صنّفت الأردن كنظام سلطوي، على الرغم من وجود برلمان وقضاء وأحزاب ونقابات وانتخابات، وهبط الأردن حوالي ثلاثة أعشار الدرجة عن عام 2019.
وفي السياق، دانت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، الخميس الماضي، تضييق الخناق على حرية التعبير والتجمّع في الأردن، منتقدة القرارات الأخيرة بحق نقابة المعلمين، ومعتبرة أن ذلك خرق لالتزامات الأردن الحقوقية، مطالبة الحكومة بالسماح بالعمل النقابي وفتح المجال أمام حرية التعبير والتجمّع.

ومن الطروحات الناقدة، وصف الأمين العام لأكبر الأحزاب الأردنية، حزب "جبهة العمل الإسلامي" مراد العضايلة، عام 2020 بأنه الأسوأ في مجالات الحريات العامة السياسية والنقابية في تاريخ الأردن منذ عهد الأحكام العرفية.

النخبة السياسية الأردنية تعوّل على تحسن الظروف بعد دعوة العاهل الأردني عبد الله الثاني، إلى ضرورة إعادة النظر في هذه القوانين، كقوانين الانتخاب والأحزاب والإدارة المحلية، ورسالته اللافتة في 17 فبراير/شباط الماضي إلى مدير المخابرات العامة اللواء أحمد حسني، والتي شكّلت وثيقة سياسية وتاريخية لإيضاح وتفسير دور دائرة المخابرات خلال العقود الماضية خارج سياق الوظيفة الأمنية المهنية، وربما ترسيم الحدود الفاصلة بين الأمني والاقتصادي والسياسي في الفترة المقبلة.

الأمين العام لحزب الشورى: لم تعد الأحزاب قادرة على إقامة أي فعاليات سياسية

وحول أثر جائحة كورونا على المناخ السياسي خلال العام الماضي، يقول الأمين العام لحزب الشورى الأردني، فراس العبادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "إن جائحة كورونا والقرارات الحكومية المتعلقة بمواجهتها والبلاغات الصادرة في إطارها أثرت كثيراً على العمل السياسي والحريات"، مضيفاً "لم تعد الأحزاب قادرة على إقامة أي فعاليات سياسية، وعقد أي اجتماعات، وحتى البيانات أصبحت مراقبة ولم تعد هناك مساحة واسعة لحرية التعبير، والقدرة على الحديث بسقف مرتفع حول الوضع الراهن محلياً أو الأوضاع في المنطقة".

ويوجّه العبادي نقده مباشرة إلى وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، وجهات أخرى لم يسمها، معتبراً أن عمل الأحزاب أصبح أقرب إلى عمل الجمعيات الخيرية، وأن المواطن ينظر إلى الحزب كجمعية مطلوب منها توزيع الطرود الخيرية لا العمل السياسي، بسبب التحجيم الحكومي لدور الأحزاب. ويطالب بأن تُعامل الأحزاب كمجلس النواب في جزئية الحرية، ومناقشة القضايا العامة، وليس بتسليط سيف العقوبات عليها، مشدداً على أن من حق الأحزاب المشاركة تقديم مواقفها في مختلف القضايا، وليس توجيه مخاطبات لها بمنع التجمّعات واللقاءات.
ويوضح الأمين العام للحزب أن التضييق سابق على جائحة كورونا، لكن الإجراءات الحكومية التي رافقت الجائحة ضاعفت الصعوبات التي تواجهها الأحزاب، معتبراً أن نتائج الانتخابات البرلمانية ترسم بوضوح معاناة الأحزاب ومناخ العمل السياسي خلال الفترة الأخيرة، فالأحزاب، وهي الأساس الحقيقي للعمل السياسي، فشلت في الوصول إلى مجلس النواب إذا تم استثناء حزبين وهما "جبهة العمل الإسلامي" وحزب "الوسط".
ويرى أن وصول 5 نواب من "جبهة العمل الإسلامي" ذات الامتداد الجغرافي الواسع والعمل الطويل في الجانب السياسي يكشف عن فشل، لا نجاح، معتبراً أن المناخ غير ملائم للعمل السياسي في البلاد، ودليل على فشل الإجراءات الحكومية وليس مؤشراً على ضعف الأحزاب.

بدوره، يقول مؤسس مركز حرية الصحافيين والكاتب الصحافي نضال منصور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أوامر الدفاع وقوانين الدفاع التي صدرت منذ مارس/آذار 2020 وحتى الآن يجب أن تكون خاضعة لمعايير حقوق الإنسان، ومتسقة مع القانون، وأن تستند إلى أدلة علمية، وأن تخضع للرقابة والمراجعة، خصوصاً في ظل إصدار تدابير استثنائية تقيّد بعض الحقوق.
ووفق منصور، فإن أوامر الدفاع قيّدت الكثير من الحقوق، منها حق التنقل، حق التعليم، حق التعبير، والكثير من الحقوق الأخرى، ويرى أن هذه التدابير يجب أن تخضع إلى سياق قانوني، مشيراً إلى أن قوانين وأوامر الدفاع لا تتسق مع المعايير الحقوقية المحلية والدولية. ويلفت إلى بعض أوامر الدفاع شكّلت أداة تقييد وضغط على حرية التعبير، حينما استخدمت بعض الألفاظ غير المنضبطة، مما ساهم في زيادة مراقبة الناس لأنفسهم، حتى لا يفهم ما يكتب أو يقال بأنه ترويع للجمهور.

وتحظّر الفقرة 2 من المادة 2 من أمر الدفاع رقم 8 الصادر في 15 إبريل/نيسان 2020 بموجب حالة الطوارئ الأردنية "نشر أو إعادة نشر أو تداول أي أخبار عن الوباء من شأنها ترويع الناس أو إثارة الهلع بينهم عبر وسائل الإعلام أو الاتصال أو وسائل التواصل الاجتماعي"، وتصل العقوبات إلى السجن ثلاث سنوات وغرامة 3 آلاف دينار أردني (4230 دولارا)، أو كليهما.

القوانين والبيئة التشريعية كلها غير حاضنة لحرية التعبير وتستخدم كأدوات للتقييد

ومن خلال تجربته الطويلة في حقل الحريات، يقول منصور إن الحكومة لا تحتاج لأوامر الدفاع، فالقوانين والبيئة التشريعية كلها غير حاضنة لحرية التعبير، فمنظومة التشريعات الأردنية كقوانين العقوبات، والجرائم الإلكترونية، ومكافحة الإرهاب، ومنع الجرائم، وأمن الدولة، ليست داعمة لحرية التعبير وتُستخدم كأداة للتقييد بدل التنظيم. ويلفت إلى أهمية المراقبة من قبل المراكز الحقوقية المحلية والدولية لحرية التعبير وحرية العمل السياسي والنقابي في الأردن، معتقداً أن التقارير الداخلية والخارجية تشكّل حافزاً مهماً للحكومة من أجل مراجعة إجراءاتها وتشريعاتها ومواقفها، ويزداد الموضوع أهمية عندما تُستخدم كأداة ضغط على الحكومات.

وينظر نشطاء حقوق الإنسان في الأردن لحرية التعبير والإعلام باعتبارها "حجر الرحى"، ويعبّرون عن مخاوفهم من تنامي وتزايد التضييق على الحريات العامة، خصوصاً في ظل قانون الدفاع وأوامره، ويستشهدون بتزايد ما يسمونهم "معتقلي الرأي"، إذ تشير صفحة لجنة متابعة معتقلي الرأي إلى 46 اسماً صدرت بحق بعضهم أحكام قضائية، وآخرون موقوفون من دون محاكمة وفق إحصاء يوم 26 فبراير/شباط الماضي.

ونصّت المادة 15 من الدستور الأردني على أنه "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون". وكذلك قالت المادة 16 "للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور". كما نصّت المادة 19 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" والأردن دولة طرف فيه، على حق كل إنسان في حرية التعبير، بما في ذلك "حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها".

المساهمون