اقتراح ماكرون لإنشاء تكتل أوروبي موازٍ: خطوة لكسر الجمود

10 مايو 2022
ماكرون في ستراسبورغ، أمس الاثنين (ساثيري كيلبا/الأناضول)
+ الخط -

سعى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لاستشراف طريق جديد في ملف انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، عبر اقتراحه إنشاء "منظمة سياسية أوروبية"، أمس الاثنين. ومع تعليله أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد "قد يستغرق عقوداً"، إلا أنه أحبط آمال كييف بالانضمام السريع إلى الكتلة الأوروبية.

وفي مؤتمر عُقد بمناسبة "يوم أوروبا" الذي يُحتفل في 9 مايو/أيار من كل عام، قال ماكرون إن الأمر قد يستغرق عقوداً من الزمن حتى تُقبل أوكرانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي.

وفي إطار حديث أدلى به أمام البرلمان الأوروبي، اقترح ماكرون أن تنضم أوكرانيا إلى "تكتل أوروبي موازٍ" في الوقت الذي تنتظر فيه قرار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي الرسمي.

وقال الرئيس الفرنسي إن انضمامها إلى هذا المجتمع سيسمح لها بالانضمام إلى الهيكل الأمني الأوروبي بطرق أخرى. وأضاف: "ستستمر هذه الحقيقة ما لم نقرر تخفيف معايير الانضمام (إلى الاتحاد الأوروبي) أو نعيد التفكير في وحدة أوروبا".

تكتل أوروبي موازٍ

وحثّ الرئيس ماكرون الاتحاد الأوروبي على دراسة تشكيل "تكتل أوروبي موازٍ" بدلاً من تعليق المعايير الصارمة لعضوية الاتحاد للإسراع بوتيرة إجراءات انضمام كييف. وأشار إلى أن هذه ستكون "طريقة لتعزيز موقف الدول التي تقع داخل أوروبا وتؤمن بذات قيمنا".

وفي تقرير لوكالة "يورونيوز"، كشف ماكرون عن اقتراحه أمام البرلمان الأوروبي، معتبراً أن مثل هذه المنظومة الأوروبية يمكن أن يكون "شكلاً آخر من أشكال التعاون". وأوضح أن هذه المنظمة "ستسمح للدول الأوروبية الديمقراطية بالتزام قيمنا الأساسية لإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي والأمني والتعاون".

من شأن "المنظمة السياسية الأوروبية"، أن تضمّ أوكرانيا خصوصاً، ودول أخرى

 

ومن شأن "المنظمة السياسية الأوروبية"، أن تضمّ أوكرانيا خصوصاً، ودول أخرى مثل مقدونيا الشمالية ومونتينيغرو وصربيا وألبانيا وتركيا وجورجيا ومولدوفا وكوسوفو. مع العلم أن المفوضية الأوروبية ستُبدي رأيها في شأن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قد سلّم ملفين ضخمين في إبريل الماضي لسفير الاتحاد الأوروبي في كييف، ماتي ماسيكاس، يتعلقان بطلب بلاده الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وسبق أن قدمت رومانيا طلباً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1995، لكن المفوضية الأوروبية أبدت رأيها في عام 1997 في ذلك، قبل قبول بوخارست في عضوية الاتحاد عام 2007. مع العلم أنه بمجرد إعلان رأي المفوضية، تبدأ المناقشات بين الدولة المرشحة والسلطة التنفيذية الأوروبية، قبل بدء مفاوضات العضوية الرسمية، التي تتطلب موافقة الدول الـ27 المنضوية بالتكتل الأوروبي، بالإجماع.

ويعدّ الاندماج في الاتحاد الأوروبي، وفقاً لـ"يورونيوز"، نتاج عملية طويلة الأمد، من أجل إجراء تعديلات على قوانين الدولة المرشحة للعضوية لتتناسب مع القانون الأوروبي. وبالنسبة إلى الوكالة، فإن معايير التفاوض حالياً لا تنطبق على أوكرانيا، لكونها في حالة حرب، التي تؤثر بالاستقرار السياسي والاقتصاد.

لكن وفقاً لصحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن الاتحاد الأوروبي يمرّ بإشكاليات عدة، مرتبطة بإعادة إطلاق الورشة الأوروبية، بعد 15 عاماً من الأزمات المتعلقة بمنطقة اليورو، والمهاجرين، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووباء كورونا، والغزو الروسي لأوكرانيا.

ورأت أن ماكرون حاول وضع بعض البنود الرئيسية في خطابه، من أجل زيادة "استقلال" و"كفاءة" أوروبا القوية، مطالباً بإصلاح المعاهدات من أجل تعلم الدروس من الأزمات الأخيرة.

وذكرت أن ماكرون حذّر من تعميم "التصويت بالأغلبية" الذي يتجاوز قاعدة الإجماع، خصوصاً أن دولة واحدة قادرة على عرقلة قرار جماعي. واعتبرت الصحيفة أن الرئيس حاول استعادة فكرة فرنسية قديمة، وهي "أوروبا متعددة السرعات"، التي تسمح للدول الأكثر استعداداً للتقدم من دون أن تعرقلها دول أخرى.

وكشفت "لوموند" أن فكرة ماكرون مستوحاة من فكرة مماثلة للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، الذي سعى بعد سقوط جدار برلين في عام 1989 لإنشاء مثل هذه المنظمة، التي لم يكن ليسمح للاتحاد السوفييتي في حينه بالانضمام إليها. لكن فكرة ميتران سقطت في حينه.

ورأت "لا تريبون" الفرنسية أن "المنظمة السياسية الأوروبية" ستعمل بالتوازي مع الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا، وستُمكّن الدول الأوروبية من "إيجاد مجال جديد للتعاون السياسي والأمني والتعاون في الطاقة والنقل والبنية التحتية". وأشارت إلى أن ماكرون اعتبر أن العضوية في هذه المنظمة "لن تحكم مسبقاً بالعضوية المستقبلية في الاتحاد الأوروبي" و"لن تكون مغلقة أمام الذين تركوا الاتحاد"، في إشارة إلى بريطانيا.

ماكرون يتمثّل بميتران

بدورها، أسهبت مجلة "ماريان" الفرنسية في الحديث عن اقتراح ميتران عام 1989، مشيرة إلى أنه فشل في فرض رؤيته على شركائه، بسبب التردد الأميركي. واعتبرت أن ميتران لم يستشر أحداً قبل تقديمه الاقتراح في 31 ديسمبر/كانون الأول 1989، لا وزير خارجيته ولا مستشاريه ولا شركاءه الأوروبيين. وهو ما اعتبرته أن ماكرون كرره، في ظلّ الردود العادية التي واكبت اقتراحه الأخير في ستراسبورغ، سواء من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أو رئيسة البرلمان الأوروبي روبيرتا ميتسولا.

"المنظمة السياسية الأوروبية" ستعمل بالتوازي مع الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا

 

واعتبرت "ماريان" أن ماكرون عبّر عن مشاعره الشخصية بشأن النقاش الذي يقسم الدول الـ 27، لأن 13 دولة عارضت اقتراحه، على الرغم من تأييد المستشار الألماني أولاف شولتز له.

وتطرقت المجلة إلى الرسالة الأهم لماكرون في خطاب ستراسبورغ، في ظل رئاسة فرنسا الدورية للاتحاد الأوروبي، وهي دفاعه عن اعتماد طريق ثالث مع روسيا، لا يتماشى مع موقف الولايات المتحدة.

ونقلت عنه قوله: "غداً سيكون لدينا سلام نبنيه. دعونا لا ننسى ذلك أبداً. وسيتعين علينا القيام بذلك مع وجود أوكرانيا وروسيا حول الطاولة. لكن هذا لن يحصل في حال استبعاد بعضنا البعض، ولا حتى في إذلال روسيا".

المساهمون