اقتتال شرقي سورية: تدخّل أميركي لتطويق الصراع

04 سبتمبر 2023
مقاتلون من العشائر بريف دير الزور، الجمعة الماضي (بكر قاسم/الأناضول)
+ الخط -

بدأ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أولى الخطوات من أجل إنهاء الاقتتال الدائر في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، بين مقاتلين من عشائر عربية من جهة، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والذي ألقى بظلاله على العديد من المناطق السورية الأخرى، خصوصاً في شمال وشمال شرقي البلاد.

وأعلنت السفارة الأميركية في سورية، أمس الأحد، أن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي ايثان غولدريتش، وقائد عملية "العزم الصلب"، اللواء جويل فويل، اجتمعا مع قادة "قسد" و"مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، وزعماء العشائر في دير الزور.

ووفق ما ذكرت السفارة، على حسابها في موقع "اكس" ("تويتر" سابقاً)، فقد جرى الاتفاق "على أهمية معالجة مظالم سكان دير الزور، ومخاطر التدخل الخارجي في المحافظة، وضرورة تجنّب سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، ووقف تصعيد العنف في أسرع وقت ممكن". وأضافت أن الجانب الأميركي أكد "أهمية الشراكة الأميركية القوية مع "قوات سوريا الديمقراطية" في جهود دحر تنظيم داعش".

أبو عمر البوكمالي: "قسد" استخدمت طائرات مسيرة للسيطرة على بلدة البصيرة

وللتحالف الدولي ضد الإرهاب، بقيادة الولايات المتحدة، حضور عسكري قوي شمال شرقي سورية، وفي ريف دير الزور تحديداً، حيث القاعدة الكبرى في حقل العمر النفطي، والذي يعد من اكبر حقول النفط في سورية.

ومن الواضح أن التحالف الدولي يريد إنهاء هذا الصراع، الذي تؤكد المعطيات أنه يصب في صالح النظام والإيرانيين، الذين يحاولون خلق فراغ أمني وإداري في ريف دير الزور شمال نهر الفرات تمهيداً للسيطرة عليه من خلال مجموعات تتبع لهم.

ويشهد ريف دير الزور الخاضع لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" منذ أكثر من أسبوع اقتتالاً بين مقاتلين من عشائر عربية وبين "قسد"، عقب إقالة الأخيرة لقائد "مجلس دير الزور العسكري" أحمد الخبيل المعروف بـ"أبو خولة"، بتهم تتعلق بالفساد وسوء الإدارة و"التنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة"، في إشارة إلى النظام والمليشيات الإيرانية التي تسيطر على ريف دير الزور جنوب نهر الفرات.

"قسد" شنّت حملة مضادة

وسيطر مقاتلو العشائر في البداية على العديد من البلدات والقرى، بعد خروج "قسد" منها، إلا أن الأخيرة بدأت حملة مضادة، واستعادت أمس الأحد بلدة البصيرة بعد حصارها بقوات كبيرة، وفق شبكات إعلامية أشارت إلى أن هذه القوات بدأت عمليات تمشيط في المنطقة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وبيّن الناشط الإعلامي أبو عمر البوكمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قسد سيطرت على بلدة البصيرة وباتت على أطراف بلدة الشحيل"، مشيراً إلى أن هذه القوات "استخدمت طائرات مسيّرة" في العملية، مضيفاً: انسحب مقاتلو العشائر من البصيرة باتجاه الشرق. ووصف حال المدنيين في المنطقة بـ"الكارثي"، وموضحاً أن الخوف يسيطر على الجميع.

وأوضح البوكمالي، الموجود في ريف دير الزور، أن إبراهيم الهفل وهو شيخ قبيلة العكيدات كبرى قبائل المنطقة، "ما يزال يرفض التفاوض مع قسد"، مشيراً إلى أن البيان الذي صدر من التحالف الدولي أمس الأحد "جيد وننتظر تنفيذه على أرض الواقع".

وكانت "قسد" قد استعادت السيطرة على بلدة الصبحة بريف دير الزور الشرقي، بعد انسحاب المقاتلين المحليين منها، كما استعادت العديد من القرى والبلدات. وأحصت شبكة "فرات بوست" مقتل 12 مقاتلاً من أبناء العشائر في الاشتباكات الدائرة مع "قسد" في ريفي دير الزور الشرقي والشمالي أمس الأول السبت، فيما أعلنت "قسد" مقتل 4 من عناصرها خلال الاشتباكات ذاتها. وأشارت إلى أنها وثقت مقتل 15 مدنياً، بينهم أربعة أطفال وامرأتان، وأكثر من 90 مصاباً، ومفقودين اثنين خلال عملية "استعادة الأمن" التي تشنها "قسد".

وتعليقاً على بيان التحالف الدولي أمس، رأى مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التحالف الدولي قادر على تطويق ما يجري إذا كان جاداً"، مضيفاً: هو داعم لسلطة الأمر الواقع (قسد)، وهو ضامن للمنطقة، والعشائر تريد تدخلاً من التحالف.

التحالف يريد قوى ضعيفة تعتمد عليه

واعتبر أن التحالف "حتى اللحظة لا يرغب أن ينتهي الصراع لمصلحة أحد الطرفين"، مضيفاً أن "التحالف غير مهتم بالخسائر لذلك تأخر بالتدخل، وردة فعله كانت باردة اتجاه ما يحدث. يبدو أن التحالف يريد قوى ضعيفة في المنطقة تعتمد عليه، ولا تسبب له مشكلات".

وفي السياق، أشار المحلل السياسي سعد الشارع، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "قسد استقدمت تعزيزات إلى ريف دير الزور واستعادت بلدة البصيرة الاستراتيجية". وتابع: مقاتلو العشائر لا إمدادات لهم، فهم محاصرون من قبل "قسد" شمال نهر الفرات ومن مليشيات إيرانية جنوب النهر، ومن ثم فالمقاومة باتت شبه مستحيلة.

فراس علاوي: التحالف حتى اللحظة لا يرغب أن ينتهي الصراع لمصلحة أحد الطرفين

ورأى أن التحالف الدولي "انتظر حتى تفرض قسد سيطرتها على المنطقة لإملاء الشروط على العشائر العربية"، مضيفاً أن "الساعات المقبلة حاسمة، في ظل حديث عن اجتماع للعشائر في بلدة ذيبان بدعوة من الهفل، ولكن أعتقد أن الحسم العسكري يميل لصالح قسد بعد استعادتها البصيرة".

انتقال المعارك إلى مناطق جديدة

ولم ينحصر الاقتتال الدائر في ريف دير الزور في شرقي سورية، بل انتقل إلى مناطق أخرى، حيث تحاول مجموعات تابعة لـ"الجيش الوطني" المعارض في شمال وشمال شرقي سورية مساندة مقاتلي العشائر في ريف دير الزور، من خلال فتح جبهات ومحاور قتال.

وفي هذا الصدد، أعلنت مجموعات تتبع لـ"الجيش الوطني" المعارض، وتضم مقاتلين ينتمون إلى محافظة دير الزور شرقي سورية، صباح أمس الأحد قطع الطريق الدولي الذي يربط محافظتي الرقة الحسكة، والمعروف بـ"إم 4" بعد اشتباكات مع "قسد".

وأظهر تسجيل مصور انتشار هذه المجموعات بالقرب من قرية صكيرة، وفق ناشطين محليين، أشاروا إلى أن مقاتلي هذه المجموعات سيطروا فجر أمس الأحد على قريتي الطركي وتل طويل قرب تل تمر بريف الحسكة، بعد اشتباكات مع "قسد" والنظام السوري الذي يملك بعض النقاط في القرى آنفة الذكر.

بيد أن المرصد السوري لحقوق الإنسان أكد انسحاب هذه المجموعات من قرية صكيرو بعد هجوم مضاد من "قسد"، واشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة. كما أكد عودة الهدوء النسبي لمناطق في ريف منبج بريف حلب الشمالي الشرقي، بعد انسحاب مجموعات من "الجيش الوطني" منها، بعد تقدمها خلال الأيام القليلة الماضية في مسعى لاستنزاف "قسد".

المساهمون