اغتيال أبو ماريا القحطاني: متهمون ومستفيدون كثر

05 ابريل 2024
من تشييع القحطاني أمس (عدنان الإمام)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اغتيال أبو ماريا القحطاني، القيادي المؤسس لجبهة النصرة في ريف إدلب، يثير تساؤلات حول المسؤولية وسط تعدد الفرضيات واتهامات لداعش من قبل هيئة تحرير الشام.
- القحطاني، المعروف بمواقفه المعتدلة ورفضه للقتال ضد الفصائل الأخرى، كان له تاريخ طويل في الجهادية بدءًا من العراق إلى سورية، مما جعله شخصية محورية ومثيرة للجدل.
- خلافات داخلية في هيئة تحرير الشام وتوترات مع جماعات أخرى تضع القحطاني في مركز الاهتمام، خصوصًا بعد براءته من تهم العمالة ونظرته كمنافس للجولاني، ما يعكس التعقيدات والصراعات بين الجماعات المتشددة.

يطرح اغتيال القيادي في هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أبو ماريا القحطاني، مساء الخميس الماضي، تساؤلات حول من يقف خلف الاغتيال، في ظل تعدد الجهات المستفيدة من تغييب الرجل الذي عُرف بتبديل ولاءاته بين التنظيمات المتشددة طيلة أكثر من عقد بعدما تنقل بين "القاعدة" وتنظيم الدولة قبل أن يحط رحاله في "تحرير الشام"، ونظراً للأحداث التي عاشتها الهيئة أخيراً من صراعات، والتي كان القحطاني أحد أقطابها.

وقُتل ميسر علي الجبوري المعروف باسم "أبو ماريا القحطاني" وهو عراقي الجنسية، وأحد أبرز مؤسسي "جبهة النصرة"، جراء انفجار غامض، استهدف مضافة القحطاني ضمن بلدة سرمدا في ريف محافظة إدلب الشمالي، في مناطق سيطرة "تحرير الشام" شمال غربي سورية، في حين اتهمت الهيئة تنظيم داعش بالوقوف وراء الهجوم من خلال انتحاري فجر نفسه بحزام ناسف.

وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إن القحطاني قُتل فيما أصيب مرافقه عمر الديري، والدكتور يوسف الهجر المعروف باسم أبو البراء، بإصابات خطيرة، ولا يزالان في العناية المركزة، بالإضافة إلى إصابة ثمانية أشخاص آخرين بجروح متوسطة وخطيرة. ورجحت المصادر أن يكون الاستهداف ناجماً عن تفجير شخص انتحاري يرتدي حزاماً ناسفاً نفسه ضمن المضافة، في حين توقعت مصادر أخرى أن يكون الاستهداف ناجماً عن عبوة ناسفة وضعت داخل إحدى الهدايا المقُدمة للقحطاني بمناسبة خروجه من سجون "تحرير الشام" بعد براءته من ملف "عملاء التحالف". بدورها، قالت مؤسسة أمجاد الإعلامية (الذراع الإعلامية لهيئة تحرير الشام) في منطقة إدلب إن القحطاني قُتل "جراء هجوم غادر باستخدام حزام ناسف نُفذ على يد عنصر ينتمي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، وفق بيان لها.

تنقّل بين الجماعات الجهادية

وبرز اسم القحطاني في سورية منذ بداية تأسيس جبهة النصرة (عام 2012) على يد أبو محمد الجولاني، إذ كان القحطاني سبق الجولاني إلى سورية قادماً من العراق بعدما كان قد انضم إلى تنظيم القاعدة. ولد القحطاني في بلدة الرصيف في الموصل شمال العراق، لكنه سرعان ما انتقل مع عائلته إلى بلدة هرارة جنوبي الموصل، ومن اسم البلدة اتخذ أول ألقابه "الهراري" قبل أن يتحول إلى "القحطاني".

التحولات السريعة في مسيرة وولاءات القحطاني كانت حاضرة منذ بداياته، ليس فقط من خلال الألقاب، إذ إن طالب إدارة الأعمال عكف بعد تخرجه على دراسة العلوم الشرعية، وحاز على درجة البكالوريوس في كلا الاختصاصين، كما تشير معلومات إلى انتمائه أثناء دراسته إلى تنظيم فدائيي صدام الذي كان يتبع لحزب البعث؛ فيما أعلن لاحقاً عن ندمه على هذه الخطوة معتبراً نفسه مضطراً، منوهاً إلى أن الكتب الجهادية أثّرت فيه.

برز اسم القحطاني في سورية منذ بداية تأسيس جبهة النصرة (عام 2012) على يد الجولاني

وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، التحق بالشرطة العراقية في نينوى، لكن سرعان ما غادر، منضماً إلى مجموعة جهادية يقودها أبو طلحة الأنصاري، تلك المجموعة ستكون مع عدد من مثيلاتها التي شكل منها أبو مصعب الزرقاوي جماعة التوحيد والجهاد، التي ستكون النواة لتنظيم الدولة.

وعقب مشاركته في معركتي الفلوجة (عام 2004) ضد القوات الأميركية، تم تسليمه قيادة كتيبة، حتى إصابته واعتقاله وسجنه لعام ونصف عام 2004. وبعد خروجه عام 2006 كان مكانه حاضراً في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، كمسؤول عن ديوان المحاسبة وعضو في اللجنة الشرعية في نينوى، وهنا بدأ اسمه بالصعود أكثر، لترصد القوات الأميركية جوائز لمن يدلي بمعلومات تفيد لاعتقاله، وكان ذلك في العام 2007، حين أوقعت القوات الأميركية القحطاني بكمين، لتعاود اعتقاله مرة أخرى لمدة أربعة أعوام.

حين خرج القحطاني من السجن توجه إلى سورية، التي كان الحراك فيها يتصاعد، ورغم محاولة تنظيم الدولة الإسلامية إبقاءه في العراق بتوليته مناصب مهمة، إلا أنه فضّل التوجه إلى سورية التي وصل إليها الجولاني أيضاً في عام 2011، ليبدآ معاً رحلة طويلة من رفقة السلاح، انتهت بالصراع.

أصبح القحطاني عند تأسيس جبهة النصرة، المسؤول الشرعي والقاضي العام للتنظيم، بالإضافة إلى مسؤوليته عن المنطقة الشرقية من سورية ذات الطبيعة العشائرية، إذ يرتبط القحطاني بعلاقات طيبة مع العشائر. وصفه البعض بأنه من "التيار المعتدل" في "النصرة"، إذ كان يرفض قتال الفصائل المسلحة الأخرى في سورية، أي قوات "الجيش الحر" والفصائل المعتدلة، بل يشدد على فتح علاقات معها، لكن ذلك لم يعجب الكثير من أعضاء مجلس شورتها في ذلك الوقت ليتم عزله عن منصب المسؤول الشرعي لصالح الأردني سامي العريدي، ليبقى عضواً في مجلس شورى الجبهة. وعقب تسلم العريدي مهام المسؤول الشرعي، أخذت النصرة بقتال كل من تستطيع قتاله، بغية ابتلاع أكبر قدر ممكن الفصائل، وإزاحتها عن المشهد.

وفي مقابل موقفه من فصائل المعارضة، كان القحطاني المحرض الأكبر على قتال تنظيم داعش (في سورية قسم من "النصرة" بايع أبو بكر البغدادي الذي انشق عن تنظيم القاعدة، فيما بقيت "النصرة" على بيعة زعيم القاعدة). ودفع الكثير من الفصائل الأخرى لقتال التنظيم بعد أن كانت مترددة في ذلك، كما حشد الكثير من أبناء العشائر لقتال "داعش" وقاد بنفسه معارك ضد التنظيم شرقي سورية، قبل أن يخسر في النهاية، ويتوجه إلى درعا جنوبي البلاد.

بعد خروج القحطاني من درعا، توجه إلى الشمال السوري حيث بدت ملامح تنظيم هيئة تحرير الشام تظهر أكثر بشكل أكثر تنظيماً، بعد التحول من "النصرة" إلى "فتح الشام" ثم الاسم الأخير. عندها بدأ اسم القحطاني بالتراجع، إذ أخذ الجولاني، لاسيما بعد مرحلة توقف المعارك شمالي البلاد بداية العام 2020، بحياكة ثوب جديد لـ"تحرير الشام" معتمداً على أسماء جديدة، وبدا واضحاً أنه يريد إبعاد الأسماء التقليدية والمؤسسة لـ"النصرة"، باستثنائه، وفتح مرحلة جديدة ربما توصله لإشراكه في مستقبل الحل السياسي في البلاد، بعد الابتعاد عن تصنيف تنظيمه كمنظمة إرهابية، في حال تمكن من تحقيق ذلك.

وفي حين تعد محافظة إدلب مركز "تحرير الشام"، فإنه خلال فترة صراعاتها مع الجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا شمال حلب، أسند الجولاني إلى القحطاني إلى جانب رفيقهم الثالث أبو أحمد زكور ملف التوغل في مناطق ريف حلب الشمالي. وتحركت الهيئة في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2022، لمنع الفيلق الثالث في الجيش الوطني من إنهاء وجود ما يعرف بـ"فرقة الحمزة"، التي ثبت تورطها بمقتل الناشط المدني محمد أبو غنوم مع زوجته.

ورغم أن الجيش التركي حال دون توسع "تحرير الشام" شمال حلب، إلا أن الهيئة احتفظت بنفوذ قوي يقوده زكور والقحطاني، وباتت هذه الكتلة تعرف بالجناح الشرقي للهيئة، فيما الجناح الآخر هو القوة المركزية في إدلب ويسيطر عليها الجولاني بالاعتماد على شخصيات من محافظة إدلب معظمهم من مدينة بنش التي صاهرها الجولاني وناسبها، وبات هذا الجناح يعرف بـ"جناح بنش".

شعور الجولاني بتعاظم نفوذ الجناح الشرقي في حلب، نظراً لوجود القحطاني على رأس هذا الجناح، دفعه لمحاصرته

شعور الجولاني بتعاظم نفوذ الجناح الشرقي في حلب، نظراً لوجود القحطاني على رأس هذا الجناح، دفعه لمحاصرته، إذ وضع القحطاني تحت المراقبة ثم اعتقل بعد أن تم التحقيق معه في حملة روجت لها الهيئة بأنها ضد متهمين بالعمالة، وقد ورد اسم القحطاني في تلك التحقيقات. وفي قرار صدر عن "القيادة العامة" للهيئة في أغسطس/ آب من العام الحالي 2023، أشار القرار إلى أن اسم القحطاني ورد في بعض التحقيقات التي أجريت في ذلك الوقت، وأن القيادة شكلت لجنة متابعة خاصة استدعته و"تبين للجنة المكلفة أن أبو ماريا القحطاني أخطأ في إدارة تواصلاته، من دون اعتبار لحساسية موقعه، أو ضرورة الاستئذان، وإيضاح المقصود من هذا التواصل"، إذ أوضح القرار حينها بأن اللجنة أوصت "بتجميد مهامه وصلاحياته". 

في 8 مارس/آذار الماضي، برّأت الهيئة القحطاني من تهمة "العمالة لجهات خارجية"، وأطلقت سراحه بعد نحو 6 أشهر من اعتقاله.  وقالت الهيئة حينها في بيان صادر عن لجنتها القضائية، يومها إن القرار جاء "بعد الاطلاع على قضية المتهمين بالعمالة، وبعد ثبوت براءة من كان موقوفاً في هذه التهمة، ولأن الموقوف ميسر الجبوري تم توقيفه بناء على شهادات وردت من موقوفين على هذه التهمة، ولأن الدليل الذي أوقف لأجله ظهر للجنة بطلانه".

اتهامات متعددة بعد اغتيال القحطاني

وبالفعل فور الإعلان عن مقتل القحطاني، توجهت أصابع الاتهام نحو جناح زعيم "تحرير الشام" أبو محمد الجولاني بتصفيته، نظراً للخلافات بين الرجلين اللذين أسسا التنظيم سوية قبل أن يختلفا على ملفات عدة. لكن "داعش" يعد أيضاً أحد الأطراف المستفيدة من اغتيال القحطاني المعروف بعدائه الكبير ومحاربته لـ"داعش" في فترات عدة. ويرى البعض أن رواية "هيئة تحرير الشام" حول مقتل القحطاني، لا يمكن استبعادها، لكون الرجل، وبعد خروجه بات من المعروف أنه اتخذ من مضافة في بلدة سرمدا شمالي إدلب مقرا له، ما جعل الباب مفتوحاً أمام الزوار، وبالتالي فإن فرضية استغلال "داعش" لهذه الفرصة تبقى واردة.

لكن المدة التي تفاقمت فيها الخلافات بين الجولاني والقحطاني، تجعل مراقبين محليين يتشبثون بفرضية أن الجولاني مستمر بتصفية رعيل المؤسسين الأول لـ"النصرة"، ليخلو له الأمر، مع نيته إجراء تغيرات في بنية التنظيم أو جلده على الأقل. وكانت التوقعات في إدلب، بعد خروج القحطاني من الاعتقال، بأن يقود حركة تمرد تطيح بالجولاني وجناحه، لا سيما بعد أن بدأ القحطاني باستقطاب التعاطف الشعبي من خلال فتح مضافة له أمام الزائرين، ووجود حركة تعاطف ومساندة معه من بعض العشائر، التي يملك القحطاني علاقة طيبة معها، ثم الاستفادة من حركات المناهضة والاحتجاج الشعبي ضد الجولاني في إدلب.

الباحث المختص بالجماعات ما دون الدولة، عمار فرهود، لا يستبعد تورط الجولاني في الاغتيال بشكل غير مباشرة. ويعتقد في حديث لـ"العربي الجديد" بأن الجولاني "لا يهدف إلى تنقية تياره أو أخذه نحو جهة أقل تشدداً، والسبب أن القحطاني هو من أبرز محاربي التشدد، فقد قاتل تنظيم الدولة سابقاً ثم "حراس الدين" وباقي التنظيمات الجهادية التي اختلف معها الجولاني".

فرهود: الجولاني يرى في مقتل القحطاني قطع أي احتمال نحو تشكيل مجموعات ضغط داخل تحرير الشام

ويعتقد فرهود كذلك أن "الجولاني يرى في مقتل القحطاني نهاية الخوف وقطع أي احتمال نحو تشكيل مجموعات ضغط داخل هيئة تحرير الشام، لأن القحطاني بعد خروجه لم يصرح برغبته في الانشقاق، وإنما بنيّته مع أبو أحمد زكور قيادة تيار لإصلاح الهيئة من خلال إزالة تجمعات داخل الهيئة في التيار الأمني والسياسي والعسكري، وهو ما يعني إضعاف أدوات القوة الصلبة للجولاني داخل الهيئة".

وينوه فرهود إلى أن "الجولاني سواء كان خلف العملية أم لا)  أوصل رسالة واضحة للحراك الثوري المعارض له وللقوة الدولية الخارجية، بأن غيابه يعني حضور الفوضى وعودة الاغتيالات، وربما تصل لعودة نشاط ولاية إدلب في تنظيم داعش". ويضيف: "بعد اغتيال القحطاني نحن أمام احتمالين، الأول هو تراجع جميع القوى (داخل وخارج الهيئة) الراغبة في إحداث تغيير في الهيئة نتيجة الخوف من نهاية تشبه نهاية القحطاني، وبالتالي العودة للالتفاف حول الجولاني، أما الثاني فهو بدء تكتلات عسكرية من أبناء المنطقة الشرقية ومنتسبي العشائر وعدد من أبناء محافظة حلب (جناح القحطاني وزكور) بتجميع قوتهم والتحرك للإطاحة بالجولاني ومجلس قيادته وبسط سيطرتهم على هيئة تحرير الشام".

من جهته، يرى الباحث السياسي درويش خليفة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه إذا ثبت أن الجولاني هو من يقف خلف عملية اغتيال القحطاني، فهذا يدل على التخلص من التيار الأكثر تشدداً في التنظيم، والذي يعتبر حجر عثرة أمام تقديم الجولاني نفسه كأحد أركان الحل السياسي في سورية، خصوصاً في ظل وجود حديث عن إعادة طرح توحيد ضفتي الفرات (المناطق الخارجة عن سيطرة النظام) بين قوى المعارضة والهيئة من جهة، مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من جهة أخرى، مع إيجاد حلول للتخلص من الراديكاليين من الطرفين. ويضيف خليفة أن "الجولاني ربما التقط هذه الإشارة وذهب بعيداً بقطف رأس التطرف داخل الهيئة، رغم استبعادي لذلك من زاوية التوقيت، إذ إن إطلاق سراح القحطاني لم يمض عليه سوى أيام معدودة، وكان الجولاني يستطيع الانتظار لمدة أطول قبل اغتياله لإبعاد الشبهة عنه".

ويتابع خليفة: "لا مناص من القول إن الجولاني بات لاعباً سياسياً، في منطقة تحوي على نحو 4 ملايين شخص من مناطق سورية عدة، فقد أصبحت إدلب بالنسبة لكثير من مناهضي النظام هي سورية الصغرى، وبناء على ذلك، أجد أن الجولاني يقدم أوراق اعتماده كرجل للمرحلة المقبلة، فيما لو سارت الأمور على النحو الذي يقرب وجهات النظر التركية والأميركية".

المساهمون