انضم وزير الصحة بحكومة الوحدة الوطنية، علي الزناتي، إلى عدد من المسؤولين التابعين للحكومة تم القبض عليهم بأوامر من مكتب النائب العام، وايداعهم السجون الاحتياطية لغرض التحقيق معهم في شبه فساد مالي وإداري، وسط تساؤلات حول إمكانية أن يكون لتحرك القضاء ضد مسؤولي الحكومة أبعاد سياسية، أم أنه فقط حراك ضد الفساد المستشري في مفاصل الدولة، خصوصا أن حملة الاعتقالات تتزامن مع مساعي مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة بعد إعلانه انتهاء ولاية الحكومة الحالية.
وأوضح مكتب النائب العام، مساء الأربعاء، أن قرار القبض على الزناتي، رفقة وكيل الوزارة، سمير كوكو، وحبسهما "احتياطيا على ذمة التحقيق في قضية المخالفات المالية" بالوزارة، جاء بعد "قيام الدليل الكافي على صحة ارتكابهما الوقائع المسندة إليهما" بخصوص تنفيذ ميزانية التنمية المخصصة لقطاع الصحة، ومخالفة الوزير لقانون التوريد، خصوصا "توريد وحدات توليد الأكسجين بنسبة زيادة في السعر وصلت إلى 1000%"، مقارنة بأسعارها في السوق.
وسبق أن أوقف مكتب النائب العام وزير التربية والتعليم، موسى المقريف، عن عمله وأودعه الحبس، في 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، على خلفية أزمة فساد مالي في توريد الكتاب المدرسي، ووزيرة الثقافة، مبروكة توغي، في 29 ديسمبر الماضي، لارتكابها مخالفات من بينها تزوير مستندات للانتفاع من المال العام.
وفيما لم تعلن الحكومة عن قضية اعتقال وزير التربية والتعليم، استهجن رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، طريقة اعتقال وزيرة الثقافة، التي أُطلق سراحها بعد أسبوع من اعتقالها، مناشدا النائب العام التعامل "بخصوصية كاملة كونها امرأة"، ووصف الإعلان عن اعتقالها بـ"المستفز"، وقال: "يجب أن لا ننسى أنها امرأة ونحن لا نستطيع الانسلاخ عن تقاليدنا الاجتماعية التي تستهجن القبض على امرأة".
القمودي: فتح ملفات الفساد جاء بسبب ارتفاع مؤشراته لدرجة لم يعد السكوت عنها ممكناً
وأعلن الدبيبة عن تكليف وزارة العدل بتشكيل لجنة للتحقيق ومتابعة القضية مع مكتب النائب العام، لكن مكتب وزيرة العدل أبلغ مراسل العربي الجديد عن تحفظ اللجنة عن الإدلاء بأي تصريحات في هذا الشأن، ووجوب انتظار ما ستسفر عنه تحقيقات مكتب النائب العام.
وطاولت عمليات الاعتقال والحبس الاحتياطي للتحقيق، مسؤولين في الحكومات السابقة، من بينهم اعتقال نائب رئيس وزراء حكومة علي زيدان السابقة، الصديق عبد الكريم، مطلع الشهر الجاري، بتهمة الإضرار بالمال العام، وأيضا عميد بلدية صبراته ومسؤولين في قطاع النفط.
ولا يبدو أن هذا الحراك القضائي تقف وراءه أطراف سياسية تناوئ الحكومة وتناصبها العداء، بحسب رأي قاسم القمودي، القاضي بمجمع محاكم مدينة الزاوية، الذي يشير إلى أن فتح ملفات الفساد جاء بسبب ارتفاع مؤشراته لدرجة لم يعد السكوت عنها ممكنا.
ويدلل القمودي، في حديثه لــ"العربي الجديد"، على ذلك بمجيء ليبيا في المركز 173 من بين 180 دولة في تقرير مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية للعام الماضي، مؤكدا أن سياق تعامل النيابة العامة مع المسؤولين الحكوميين وفقا للقوانين الناظمة للتعامل مع المؤسسات الحكومية، وقال: "للنيابة العامة حق الجلب والحبس الاحتياطي لأي مسؤول حتى الوزراء باعتبار أن القانون لا يمنحهم حصانة خاصة".
وحول أسباب هذا الحراك القضائي وتوقيته، يرجح القمودي أن يكون دافعه رغبة المؤسسة القضائية في الدفاع عن نفسها بعد أن اقتربت منها التجاذبات السياسية، إبان مرحلة الطعون الخاصة بالمترشحين للانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، وقال: "اعتقد أنه تحرك حكيم جدا خصوصا إذا رأينا أن عمليات الاعتقال لم تقف عند حد اعتقال وزراء الحكومة الحالية بل مسؤولين في حكومات سابقة من جانب"، مضيفا، أنه من جانب آخر "الحراك القضائي يسير بحذر حتى لا يقع وسط الخلافات السياسية الحالية فمثلا اقتصر على ملف الفساد ولم يفتح الملفات الجنائية الأخرى كالمجازر والمقابر الجماعية وغيرها المتصلة بأطراف الصراع".
الورفلي: استمرار النيابة العامة في التحقيق وإعلان نتائجه وعدم توقفها عن إجراءات الاعتقال هو ما يؤكد عدم وجود أبعاد سياسية لهذا الحراك القضائي
ومن جانب آخر يرى الباحث الليبي في الشأن السياسي، سالم الورفلي، أن استمرار النيابة العامة في التحقيق وإعلان نتائجه وعدم توقفها عن إجراءات الاعتقال هو ما يؤكد عدم وجود أبعاد سياسية لهذا الحراك القضائي. لكنه يذكرّ في ذات الوقت بأن قرار اعتقال وزير الصحة، جاء بعد انتقاد شديد من جانب الدبيبة للفساد المستشري في وزارة الصحة وعدم استجابة إدارة الوزارة للتغيير، معتبرا ان ذلك قد يؤشر الى وجود تعاون بينه وبين رئيس مكتب النائب العام، الصديق الصور، الذي يعرف عنه علاقته الطيبة بالدبيبة.
وخلال لقائه بعدد من مسؤولي قطاع الصحة، في الـ13 من الشهر الجاري، انتقد الدبيبة وزارة الصحة، مؤكدا أنها تعيش "فوضى عارمة وترديا في مستوى الخدمات وتئن من الفساد"، وأن "إداراتها ترفض التغيير".
الورفلي: الملف ذو وجهين وقد يساعد الدبيبة على التخلص من الكثير من الشخصيات الوزارية التي تشكل قلقاً له ويفتح الباب لتعديل وزاري يقطع به الطريق أمام مساعي مجلس النواب للإطاحة بحكومته.
ويلفت الورفلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى إمكانية وجود أبعاد سياسية للحملة على وزراء الحكومة، وقال: "هذا التوجه قد يساعد مجلس النواب الساعي بقوة للإطاحة بالحكومة خصوصا أن قضايا الوزراء هي قضايا الفساد وهو الملف الذي طالما اتهم مجلس النواب به الحكومة وطالب مكتب النائب العام بالتحقيق معها فيه"، مشيرا إلى أن هذا الاتجاه قد يخدم سياسات الدبيبة أيضا.
والاثنين الماضي، أعلن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية، وطالب مكتب النائب العام بالتحقيق في ما صرفته الحكومة في المخالفات المالية وفي "إساءة استعمال السلطة"، قبل أن تتبنى اللجنة النيابية المكلفة بإعداد خارطة طريق المرحلة المقبلة، وتعلن، الثلاثاء الماضي، عن فتح باب الترشح لرئاسة حكومة جديدة.
ويوضح الورفلي رأيه بالقول: "قد تساعد هذه الإطاحات المتتالية بالوزراء الدبيبة على إجراء تعديل وزاري خصوصا أن التحقيق معهم سيأخذ وقتا طويلا ما يحتم وجود من يشغل مناصبهم".
ويخلص الورفلي إلى أن الملف ذو وجهين، فمن جهة قد يكون خادما لمساعي مجلس النواب ويقنع الرأي العام بعدم جدوى وجودها، ومن جهة أخرى قد يساعد الدبيبة على التخلص من الكثير من الشخصيات الوزارية التي تشكل قلقا له ويفتح الباب لتعديل وزاري يقطع به الطريق أمام مساعي مجلس النواب للإطاحة بحكومته.