اعتقال المعارض نافالني وأنصاره: الاتحاد الأوروبي يقزم نفسه حفاظاً على مصالحه مع روسيا

29 يناير 2021
أوروبا تجعل نفسها صغيرة في التعامل مع روسيا، مقدمة المصالح على القيم (Getty)
+ الخط -

على وقع عمليات الاحتجاج في روسيا وتوقيف السياسي المعارض أليكسي نافالني واعتقال بعض أنصاره، ناقشت دول الاتحاد الأوروبي أخيراً تصرفات قيادة الكرملين، إلا أنها لم تقدم على فرض عقوبات جديدة على موسكو، بل إنها لم تتخذ موقفاً بخصوص إمكانية توقيف العمل بمشروع أنابيب الغاز نورد ستريم 2، رغم مطالبة البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة باتخاذ إجراءات عقابية. فعلى ما يبدو أن المصالح طغت على القيم.

وعلى ما يبدو، فإن الدول المؤثرة في الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، اكتفت أولا بإدانة النهج الصارم غير المعتاد من قوات الأمن الروسية، مع تصاعد الاحتجاجات بعد نشر فيديو "قصر بوتين"، الذي أظهر البذخ وتبديد الأموال، في حين يعاني الروس من تراجع مستوى معيشتهم، مذكرة فقط بضرورة حماية الحقوق المدنية المنصوص عليها في الدستور الروسي، والتزامات روسيا الدولية بسيادة القانون، واتفاقيات المجلس الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. في حين، طالبت دول أخرى، من بينها لاتفيا وإستونيا وليتوانيا، بفرض عقوبات سريعة.

ولم يتردد الكاتب السياسي بيتر راسوني بالقول إن أوروبا تجعل نفسها صغيرة في التعامل مع روسيا، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الألماني مثلاً، ورغم دعوته للإفراج الفوري عن نافالني وأنصاره، يختبئ في موقفه وراء محاكمة في موسكو، ويريد الترقّب والانتظار إلى ما بعد 2 فبراير/شباط المقبل، حيث ستتقرر مدة بقاء نافالني في السجن، بعد أن حكم عليه بالسجن مدة 30 يوماً لانتهاكه شروط التسجيل في إجراء جنائي سابق. وتهكّم راسوني قائلاً: وكأن هناك قضاء في روسيا يمكنه أن يقرر مصير أشد المعارضين في البلاد، بغض النظر عن الإرادة السياسية للكرملين. والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الكبيرة فيه تجعل نفسها أكثر عجزاً وأصغر حجماً مما هي عليه، بفعل حججها الفارغة رغم توفر وسائل الضغط، لكنها تفعل ذلك دون الجهد اللازم.

يأتي ذلك في وقت يعتزم منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل زيارة موسكو قريباً لمناقشة الأمر وتوجيه رسالة واضحة للجانب الروسي، على أن يُناقش أمر فرض عقوبات أو عدمه خلال الاجتماع الأوروبي المقبل يوم 22 فبراير/شباط.

يرى البعض أن الاتحاد الأوروبي لن يفرض عقوبات على روسيا، لأن دولاً كبيرة تمنعه، وهمها يبقى عدم تغييب المصلحة الذاتية للاعبين الكبار

وفي السياق، يرى بعض الآراء أن الاتحاد الأوروبي، لن يتمكن من فرض عقوبات على دوائر سلطة بوتين، لأن دولاً كبيرة تمنعه، وهمها يبقى عدم تغييب المصلحة الذاتية للاعبين الكبار. في حين ترى آراء أخرى أنه لا يمكن اختزال العلاقات الأوروبية مع روسيا بقضية نافالني، فهناك قضايا أخرى مشتركة بحاجة للمعالجة، من بينها ما استشهد به المسؤول الأوروبي بوريل، كاتفاقية مينسك التي من المفترض أن تضمن السلام في أوكرانيا.

وقد أبدى وزير خارجية جمهورية تشيكيا توماس بتريتشيك، في حديث مع "فرانكفورتر" الألمانية أخيراً، تفهّمه دعوة البرلمان الأوروبي لوقف بناء خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، رداً على اعتقال نافالني في موسكو، ولكنه رأى أنه من المهم مع روسيا ضمان المحافظة على القيم الأوروبية بالتوازي مع المصالح، ومشيراً إلى أنه ليس متأكداً من أنه لا يزال من الممكن إيقاف المشروع". وأمل بتريتشيك بمزيد من التعاون في سياسة الطاقة والمناخ مع الإدارة الأميركية الجديدة، وحثّ الاتحاد الأوروبي على بدء نقاش حول مستقبل إمدادات الطاقة في أوروبا، في إشارة منه إلى الاعتماد على مصادر إضافية للطاقة، بينها الطاقة الشمسية الكهروضوئية والرياح. مع العلم أن النواب الأوروبيين لا يقررون السياسة الخارجية الأوروبية، بل رؤساء الحكومات والدول الأعضاء، وتصدر القرارات عنهم بالإجماع.

في المقابل، ورغم أسباب الاستياء الأوروبي وغياب الثقة بروسيا حول طريقة تعاملها مع احتجاجات المعارضة وشبه جزيرة القرم والحرب في سورية، ورفض موسكو التدخل في شؤونها الداخلية؛ أظهر الرئيس الروسي بوتين أخيراً عبر الفيديو، وخلال مشاركته لأول مرة منذ عام 2009 في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، استعداده لتحسين مستوى العلاقات بين روسيا وأوروبا. ووفق شبكة "إن تي في" الإخبارية، دعا بوتين إلى حوار نزيه "بين الجانبين، بعد أن اعتبر أن الوضع حالياً غير طبيعي"، مضيفاً أنه يجب التخلص من رهاب الماضي، ومشدداً على ضرورة أن تدخل العلاقات "مرحلة إيجابية"، من دون أن يقدم أية مقترحات ملموسة حول كيفية تحقيق ذلك.

المساهمون