استمع إلى الملخص
- تعتبر تركيا "قسد" تهديداً لأمنها القومي وتسعى لمنع تأسيس إقليم كردي، بينما تؤكد "قسد" أنها لا تشكل خطراً على الأمن التركي. تستخدم أنقرة الطائرات المسيّرة بسبب رفض موسكو وواشنطن لأي عملية برية.
- يرى المحللون أن الرد التركي لن يتوغل في العمق السوري دون موافقة دولية، وتستمر تركيا في مواجهة حزب العمال الكردستاني مع دعوات لإحلال السلام.
لم تنتظر تركيا طويلاً للرد على اعتداء أنقرة فشنت حملة قصف مركّز على أهداف ومواقع تقول إنها تابعة لحزب العمال الكردستاني في سورية والعراق، وذلك رداً على هجوم مسلح استهدف، أول من أمس الأربعاء، شركة صناعات الطيران والفضاء التركية "توساش" في أنقرة، التي وجهت أصابع الاتهام إلى هذا الحزب بالوقوف وراءه.
وفي الشمال الشرقي من سورية الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تعتبرها أنقرة نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني، واصل الطيران التركي أمس الخميس هجمات بدأها مساء أول من أمس الأربعاء على العديد من المواقع والمرافق الحيوية. وأعلن المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، في بيان أمس الخميس، مقتل 12 مدنياً بينهم طفلان، وإصابة 25 آخرين، جراء ما وصفه بـ"العدوان التركي"، على مناطق في شمال شرق سورية، مشيراً إلى أنه تم استهداف 42 موقعاً "جميعها مؤسسات خدمية وأساسية". وأضاف أن الطيران التركي استهدف أفراناً ومحطات للكهرباء والنفط وحواجز قوى الأمن الداخلي المسؤولة عن حماية الأهالي بالتزامن مع قصف مدفعي تركي، معتبراً أن حملة القصف "محاولة تركية لتصدير أزماتها الداخلية على حساب شعبنا ونشر الفوضى ودفع المنطقة إلى المزيد من التوترات".
وفي السياق، قال قائد "قسد"، مظلوم عبدي، على موقع إكس أمس الخميس، إن "تركيا تقصف مناطقنا بشكل عشوائي من دون مبرر، مستهدفة المراكز الخدمية والصحية والمدنيين. إنها جريمة حرب حقيقية". وأشار إلى أن قواته أبدت مراراً جاهزيتها لـ"الحوار" مع الجانب التركي، مضيفاً: إلا أننا نؤكد أن قواتنا مستعدة للدفاع عن شعبنا وأرضنا.
هشام غوناي: الرد التركي لن يصل إلى حد التوغل مجدداً في العمق الجغرافي السوري
ووفق مصادر إعلامية محلية، فقد استهدف الطيران التركي رداً على اعتداء أنقرة العديد من المناطق الخاضعة إلى "قسد"، بدءا من تل رفعت شمال حلب، مروراً بعين العرب في شرقي نهر الفرات، وانتهاء بمحافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من البلاد. وذكرت مصادر محلية، أمس الخميس، أن القصف التركي على مدينة عين العرب (كوباني) شمالي سورية، تسبب في انقطاع كامل للكهرباء عن المدينة. ودعت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، في بيان، التحالف الدولي والقوات الروسية إلى إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الحربية التركية، و"وقف سياسة الازدواجية والصمت التي تفسح المجال أمام جرائم تركيا".
اتهام "العمال" بالوقوف خلف اعتداء أنقرة
وكانت تركيا وجّهت أصابع الاتهام إلى حزب العمال الكردستاني بالوقوف وراء اعتداء أنقرة الأربعاء الماضي، والذي استهدف شركة "توساش"، وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة 22. من جانبها، تحدثت وزارة الدفاع التركية، في بيان أمس الخميس، عن تدمير 32 هدفاً في عملية جوية على شمالي العراق وسورية، مشيرة إلى أن قواتها "شنت عملية في 23 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بما يتماشى مع حق الدفاع عن النفس". ولطالما شنت تركيا حملات قصف جوي على "قسد" في شمال شرقي سورية خلال الأعوام الماضية، آخرها كان مطلع العام الحالي، حيث شن الطيران التركي هجمات واسعة استهدفت بنى تحتية ومرافق حيوية في شمال شرقي سورية، رداً على مقتل 9 جنود أتراك، خلال اشتباكات مع ما قالت أنقرة في حينه إنهم عناصر من حزب العمال الكردستاني، لدى محاولتهم التسلل إلى قاعدة تركية شمالي العراق.
وتُتبع أنقرة أي اعتداء يقوم به حزب العمال الكردستاني أو يُتهم بالوقوف وراءه، بشن هجمات على المرافق الحيوية في شمال شرقي سورية الخاضع إلى "قسد". ويلجأ الجيش التركي إلى المسيّرات ضد هذه القوات، بسبب رفض موسكو وواشنطن أي عملية برّية جديدة يمكن أن تغير خريطة السيطرة الميدانية في شمال وشمال شرقي سورية. وتتعامل أنقرة مع "قسد" على أنها خطر على أمنها القومي، وتنظر بقلق إلى محاولة تأسيس إقليم يحمل صبغة كردية في شمال شرقي سورية، وهي تعتبر هذا الأمر خطاً أحمر، وهو ما دفعها مؤخراً إلى استعجال التقارب مع النظام السوري، في محاولة لوضع حد لهذا المخطط. وتؤكد "قسد" وأذرعها السياسية والمدنية في كل عملية تشنها أنقرة على شمال شرقي سورية، أن الجانب التركي يختلق الذرائع لتقويض سلطتها شمال شرقي سورية، وأنها لا تشكل أي خطر على الأمن القومي التركي.
غوناي: لا توغل تركياً في سورية
وتعليقاً على القصف التركي رداً على اعتداء أنقرة أول من أمس، رأى المحلل السياسي التركي هشام غوناي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا الرد "لن يصل إلى حد التوغل مجدداً في العمق الجغرافي السوري"، مضيفاً: أنقرة ترغب في ذلك، ولكن هذا الأمر بحاجة إلى ضوء أخضر من واشنطن بالدرجة الأولى وموسكو بالدرجة الثانية". وتابع: خلال السنوات السابقة جرت عمليات إرهابية مماثلة في الداخل التركي، ولكن أنقرة لم تستطع التوغل وبقيت عند حدود الـ30 كيلومتراً في سورية. خيار العملية البرية في الوقت الحالي صعب، لأن تنفيذها مرهون بتوازنات دولية، خاصة أن واشنطن لن تتخلى بسهولة عن "قسد".
رشيد حوراني: الغارات تعني أن تركيا مستمرة في مواجهة "العمال"
وفي السياق، رأى المحلل العسكري في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حملة الغارات الجوية على شمال شرق سورية وشمال العراق رداً على اعتداء أنقرة، تعني أن تركيا "مستمرة في مواجهة حزب العمال إذا استمر الحزب في استخدام السلاح ضد الدولة التركية". ورأى أن النداء الذي أطلقه زعيم الحركة القومية التركية، دولت بهتشلي، الثلاثاء الماضي، إلى زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا عبد الله أوجلان للتحدث في البرلمان وإعلان حل هذا الحزب "لا يعني ضعف تركيا، وإنما سعيها إلى إحلال السلام الذي سينعكس إيجاباً على الأكراد والأتراك في تركيا على حد سواء".
وكان الجيش التركي شن عمليتين ضد "قسد"، الأولى كانت مطلع 2018 في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، بموافقة من الجانب الروسي، وانتهت بطرد قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة التي باتت تحت النفوذ التركي. وحصلت العملية الثانية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد ضوء أخضر من الجانب الأميركي، والتي انتهت سريعاً بسيطرة الأتراك على شريط حدودي في منطقة شرق الفرات، بطول 100 كيلومتر وعمق 33 كيلومتراً، يضم منطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ومنطقة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.