اشتراطات سياسية جديدة تعقد تمرير قانون العفو العام في العراق

29 اغسطس 2024
نوري المالكي في بغداد، 10 أكتوبر 2021 (أيمن يعقوب/الأناضول)
+ الخط -

يتعقّد ملف قانون العفو العام في العراق الذي تنتظر آلاف العوائل العراقية والسجناء إقراره برلمانياً، بعد اشتراطات جديدة أطلقها زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، الذي وضع خطّاً أحمر على من سماهم بـ"المتهمين بقضايا الإرهاب والفساد المالي" ضمن القانون المرتقب، في تصريح وُصف بالغريب، لا سيما أن تمييعاً متعمداً تمارسه الأحزاب ضمن تحالف الإطار التنسيقي الحاكم في البلاد، ما يشير إلى احتمالات عدة، أبرزها الخلافات بين المالكي وقادة الإطار التنسيقي من جهة، والاستغلال الانتخابي لصالح المالكي من جهة ثانية. وتعدّ تهمة "الإرهاب" تحديداً من أكثر التهم التي زُجّ بسببها آلاف العراقيين في السجون، والتهمة بحدّ ذاتها تقبل التأويل، إذ تطالب الزعامات السنيّة بإعادة المحاكمات للمتهمين بها، خصوصاً أن معظمهم اتهم بوشايات كيدية أو أجبر على الاعتراف بجرائم إرهابية تحت التعذيب.

سجال قانون العفو العام في العراق

وقال المالكي في كلمة مصوّرة بثتها قناة آفاق التي يملكها، إن "الأمن والاستقرار ودوام العملية السياسية، تقتضي الالتزام بالقانون والدستور، وإن الحكومة الحالية وضعت برنامجها السياسي وعرضته على البرلمان وصادق عليه وأصبح ملزماً للعملية السياسية والقوى التي صادقت عليه"، مبيناً أن "المصلحة الوطنية تقتضي عدم التنازل عن الذين مارسوا القتل والإرهاب وأربكوا البلد ومنعوا الإعمار والخدمات". وأعرب المالكي عن أمله بأن "يكون هناك توجه للعفو العام عن الجرائم والجنايات العادية فقط"، مستكملاً حديثه: "نحن مع العفو العام ولكن نرفض إطلاق سراح الإرهابيين الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، كما أن جرائم الفساد المالي والإداري والتجسس يجب أن تُستثنى من قانون العفو العام، مع التشديد على احترام الضوابط التي وضعها القضاء".

وقعت نسبة كبيرة من المتهمين ضحية الإفادات الباطلة للمخبر السرّي

وكانت فترة حكومتي المالكي (2006- 2014)، شهدت موجة اعتقالات كبيرة، بسبب بروز دور "المخبر السرّي"، بوصفه أحد أبرز المصادر في الإيقاع بالمدنيين من الأبرياء والمتهمين والمتورطين في أعمال العنف. وارتبط عمل المخبر السرّي بالوشايات والبلاغات الكاذبة التي قادت مئات وربما آلاف العراقيين إلى الاعتقال والسجن والإعدام، وتحديداً من المحافظات ذات الأغلبية العربية السنّية. وأشار المالكي في كلمته إلى أنه "لا وجود لشيء اسمه المخبر السرّي، إلا بقدر من يخبر القضاء بقضية ومعلومة، لكنه لا يريد الإخبار عن نفسه خوفاً من القتل، ولم تكن اعتقالات سياسية كما يدعي البعض، وهذه اتهامات باطلة ومؤدلجة". وقد يكون هذا الحديث للمالكي، محاولة لتبرئة حكومته التي اعتمدت على "المخبر السرّي"، وهم موظفون بصفات متفرقة، تسببت بلاغاتهم بمشاكل اجتماعية وأمنية كبيرة في المجتمع العراقي، إذ إنها لم تشمل محافظات غرب وشمال العراق فحسب، بل إن مدن وسط وجنوب البلاد أخذت نصيبها من المخبرين، وتحديداً باستهداف عناصر من جماعة "جيش المهدي".

مع العلم أن المادة 47 من "قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقية"، نصّت على أن "المخبر في الجرائم الماسّة بأمن الدولة وجرائم التخريب الاقتصادي وغيرها، يمتلك حق عدم الكشف عن هويته وعدم اعتباره شاهداً". وانطلاقاً من هذه المادة، أوكل مخبرون سرّيون مهمة الإبلاغ عن أي شخص تُثار حوله الشبهات بالانتماء إلى جماعات مسلحة خلال العقدين الماضيين، حتى وإن كان من دون دليل.

اعتراضات وترحيل

في السياق، قال عضو في حزب تقدم الذي يرأسه (رئيس البرلمان السابق) محمد الحلبوسي، إن "جميع الأحزاب التي شاركت في حكومة محمد شياع السوداني، اتفقت قبل تشكيل الحكومة على مجموعة قرارات تخدم المجتمع العراقي، من بينها قانون العفو العام في العراق الذي ينتظر إقراره، ولم يكن هناك أي اعتراضات من الأحزاب الشيعية والكردية، بل إن بعضها أقر بأهميتها". وأضاف لـ"العربي الجديد"، مشترطا عدم ذكر اسمه، أن "الاعتراضات والترحيل حصلا في مجلس النواب خلال الفترة الماضية، بدواعٍ وحجج غير مقنعة".

ولفت العضو في حزب تقدم إلى أن "الحديث الأخير للمالكي عن شروطه للمضي نحو إقرار العفو العام في العراق يمثل عقبة من عقبات تمريره، لأنه تماهى مع الموقف السياسي الشيعي الرافض للإفراج عن آلاف المدنيين من السجون، وهناك نسبة كبيرة منهم وقعوا ضحايا الإفادات الباطلة للمخبر السرّي، ناهيك عن الكثير من الذين اعترفوا تحت سياط التعذيب"، مؤكداً أن "الأحزاب السنّية لا تقبل بخروج الإرهابيين من السجون، وهذا أمر مفروغ منه، لكننا نطالب بإعادة التحقيق مع أعداد كبيرة من السجناء، لأننا نملك أدلة على اعترافات سُجلت تحت التعذيب".

عارف الحمامي: التأني في إقرار القانون يعود إلى توفير الضمانات من عدم حدوث أي مشاكل اجتماعية في حال إقراره

من جهته، أشار عضو مجلس النواب عن "الإطار التنسيقي"، عارف الحمامي، إلى أن "الأحزاب الشيعية لا تعارض الشروع بقانون العفو العام في العراق وبالعفو العام، لما في ذلك من أهمية اجتماعية كبيرة، لكن هناك مخاوف جدية من إخراج الإرهابيين وتجار المخدرات والفاسدين". وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "العفو العام لن يخدم المجتمع السنّي فقط، بل هو يهم جميع شرائح وفئات وطوائف المجتمع العراقي، كما أنه يقلل من الاكتظاظ في السجون، بالتالي فإن التأني في إقراره يعود إلى توفير الضمانات من عدم حدوث أي مشاكل اجتماعية في حال أقر القانون".

وسبق أن طالب رئيس حزب "السيادة"، خميس الخنجر، وهو أكبر الأحزاب العربية السنّية في العراق، في مارس/آذار الماضي، بإطلاق سراح السجناء الأبرياء في السجون العراقية وإقرار قانون العفو العام في العراق وهو الجزء الأساسي من الاتفاق السياسي مع حكومة السوداني. وقال الخنجر في مقابلة بثّها التلفزيون الرسمي العراقي، إن "الحكومة أرسلت تعديل قانون العفو العام في العراق إلى البرلمان وتأخر هناك لأكثر من أربعة أشهر، وما زلنا في بداية الطريق في تطبيق ورقة الاتفاق السياسي لتشكيل الحكومة"، مبيناً أنه "يعتقد أن ورقة الاتفاق السياسي تحتاج إلى دفعة قوية لتحقيق بعض فقراتها الرئيسية لطمأنة الناس والمضي قدماً".

بدوره، لفت الباحث في الشأن السياسي صلاح الكبيسي، إلى أن "كثيراً من السجناء من أبناء المكون السنّي هم ضحايا المخبر السرّي سيئ الصيت الذي كان يوزع الاتهامات على العراقيين، ما جعل السجون تمتلئ بالأبرياء"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "هناك حاجة لإعادة تعريف الإرهاب، وهل يتمثل بالانتماء أم المبايعة أم الشبهة فقط، لا سيما أن أهالي المدن الغربية والشمالية وقعوا تحت حكم وظلم الإرهاب والجماعات المسلحة بالتالي فإنهم كانوا بلا حول ولا قوة". وتساءل: "هل يعقل أن جميع من اعتقل في تلك الفترة هم إرهابيون؟". وأكمل الكبيسي حديثه أن "العقدين الماضيين تخللهما ظلم كبير وخصوصاً بالتمييز في العقوبة، وللأسف فإن من حمل السلاح من المجتمع السنّي وضع على قوائم الإرهاب، فيما المجتمعات الأخرى تعاملت مع حاملي السلاح كخارجين عن القانون، ما يعني أن الإرهابيين لن يشملهم العفو العام في حين أن غيرهم قد يفرج عنه. وللأسف فإن الأحزاب السياسية السنّية انشغلت بخلافاتها ما دفع بملف قانون العفو العام في العراق إلى التأجيل في أكثر من مرة".

المساهمون