تدور حالياً حرب خلف الكواليس على وراثة بنيامين نتنياهو في رئاسة حزب الليكود الإسرائيلي، وفيما تتواصل المعركة داخل أروقة الحزب وخارجه، يتبادل الطامعون في رئاسة الحزب الاتهامات لبلورة ائتلاف بديل للحكومة الحالية.
ويأتي هذا التنافس على الرغم من أن مسألة التوصل لصفقة بين رئيس الحكومة السابق، وزعيم الليكود والمعارضة الإسرائيلية، حالياً بنيامين نتنياهو، لا تزال بعيدة نسبياً في ظل تصلب المستشار القضائي للحكومة، وعدد من كبار موظفي النيابة العامة، لجهة الإصرار على بند "وصمة العار" الذي يرفضه نتنياهو.
من هم منافسو نتنياهو؟
ويتصدر المتنافسين على قيادة الليكود في مرحلة ما بعد نتنياهو، ثلاثةٌ من السياسيين في الحزب، اثنان منهم ممن ينشطون في الليكود وفروعه وتنظيمه الحزبي منذ سنوات طويلة، هما وزير المالية ووزير الخارجية الأسبق يسرائيل كاتس، أحد أكثر المقربين من نتنياهو، والوزير السابق يولي إدليشتاين، الذي كان في مرحلة ما من أكثر المقربين من نتنياهو، وقد سبق للأخير اصطحابه معه في زياراته لروسيا، ولقاءاته مع الرئيس فلاديمير بوتين، وسط إبراز اضطلاع إدليشتاين بعملية الترجمة من العبرية إلى الروسية وبالعكس، بالنظر إلى أصوله الروسية.
وفيما يعبر الاثنان من "صلب الليكود" تاريخياً، فإن المنافس الثالث والأخير، نير بركات الذي رغم عدم مشاركته في تقاليد المخالطة الاجتماعية لليكود وأعضائه، مثل الأعياد والاحتفالات العائلية أو نصبه "عريشة" تقليدية في عيد العرش اليهودي لاستقبال أعضاء الحزب، إلا أنه يعتبر من البارزين في التنافس على القيادة، خصوصاً أنه يحظى بتأييد خاص في مدينة القدس المحتلة، حيث نجح في انتزاع رئاسة البلدية باسم الليكود. واعتبر أحد النجوم الذين تمكن نتنياهو من ضمهم في الدورات الانتخابية في العقد الأخير لقائمة الليكود مع التلميح إلى أنه قد يكون الوريث المقبل لنتنياهو، بعد حين في قيادة الحزب.
ورغم أن كاتس يحظى بتأييد قواعد شعبية في الليكود، الذي يسير معصوب الأعين وراء نتنياهو ويبرر كل "أخطائه" والمخالفات الجنائية التي يحاكم بفعلها، ويقبل بنظريته عن المؤامرة اليسارية لإطاحة رئيس حكومة اليمين، إلا أن بركات، الذي جاء إلى السياسة، مثله مثل رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينت، من عالم الهايتك، يتمتع بالأساس بتقدير من جهات داخل الليكود ترى أن مرحلة نتنياهو قد انتهت وأن "خروجه من المشهد بات ضروريا لعودة الليكود إلى الحكم".
كما أن بركات يستفيد من ثروته التي تجيز له عدم الاضطرار لحملات تجنيد التبرعات، وتوفر له الفرصة، وهو ما يقوم به بحسب ادعاءات منافسيه، وتحديداً يسرائيل كاتس، لتعزيز بناء صورته قائداً قادماً لليكود ومن يملك فرص النجاح بإدارة الليكود للحكم، مستغلاً قدراته على تفعيل وبناء شبكات تواصل اجتماعية داخلية في الليكود، ومواقع إعلامية مؤيدة له.
أما المنافس، يولي إدليشتاين، فبالرغم من رسائل وتلميحات سابقة من نتنياهو بتأييد ترشيحه إلا أن العلاقات بينه وبين الأخير تراجعت في الفترة الأخيرة، خصوصاً أنه تجاوز "المحظور"، من وجهة نظر نتنياهو ومؤيديه، عندما تقاعس عن مرافقته لحضور الجلسات الأولى للمحاكمة، وهو ما اعتبره نتنياهو ومعسكره "نكراناً للجميل".
خلافات بين المنافسين
وتفاقمت حدة الخلافات بين المتنافسين الثلاثة على نحو خاص في الأيام الأخيرة بعد توجيه اتهامات، تحت مسمى "مصادر داخلية" ومسؤولين في الليكود، ليسرائيل كاتس بأنه أطلق تحركات لجس النبض لدى أحزاب يمين، في الائتلاف الحكومي القادم لإمكانية تحالفها معه في حال وقع نتنياهو على صفقة مع النيابة العامة واستقال من قيادة الحزب، وتم انتخابه (أي كاتس) رئيساً مؤقتاً للحزب وفق ما ينص عليه دستور الليكود الداخلي.
وقد أثارت هذه الاتهامات ثورة غضب لدى كاتس الذي سارع للنشر على صفحته على "توتير" وصفحات التواصل الاجتماعي، أن الاتهامات التي أطلقتها ضده "عناصر مجهولة الهوية" من الحزب لا أساس لها من الصحة، وأنها جزء من صناعة وهندسة الوعي ضده، في تلميحات لنير بركات.
كما جاء رد كاتس على اتهامات مباشرة وجهتها له الوزيرة السباقة من حزبه ميريت ريجق، مطالبة إياه بنفي إجرائه اتصالات مع أحزاب في اليمين المشارك في الحكومة، وخاصة حزب "تكفا حداشاه" الذي يقوده وزير القضاء الحالي، جدعون ساعر، الذي انشق قبل عام عن الليكود وأسس حزب "تكفا حداشاه" وكانت له علاقات جيدة مع كاتس.
وحرص كاتس في رسالته في الرد على هذه الاتهامات على "تذكير" أعضاء الحزب أن الليكود هو بيته وأنه نشأ فيه، ولم يأت إليه طارئاً أو متأخراً (في إشارة لخصميه إدلشتاين وبركات).
حرب شعواء
في المقابل، يمتنع كل من بركات وإدلشتاين عن القيام بنشاط فعال داخل الحزب، حتى لا يظهرا كمن ينتظر فرصة استقالة نتنياهو لوراثته، ويحرصان، على الأقل داخل فروع الحزب، على عدم مهاجمة نتنياهو أو الإساءة له، خوفاً من محاسبتهما في الانتخابات التمهيدية في حال قبل نتنياهو بصفقة ادعاء مع النيابة العامة يستقيل بموجبها من زعامة المعارضة ورئاسة الليكود وعضوية الكنيست.
وفي هذا السياق عمم بركات في الأيام الأخيرة رسالة على أعضاء الحزب نفى فيها الاتهامات بأنه يقود حراكاً داخل الحزب للمطالبة بنهاية ولاية نتنياهو. وكتب في رسالته: "لقد أيدت نتنياهو خلال سنوات طويلة، وأنا أؤيده الآن أيضاً".
وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة الإسرائيلية العامة، "كان 11" أن أكبر نسبة من أعضاء الليكود الذين يعتقدون أن نتنياهو مذنب بالتهم الموجهة إليه هم من مؤيدي نير بركات: ووفقا للاستطلاع فإن 80% من مؤيدي نير بركات داخل الليكود يؤمنون بأن نتنياهو مذنب، مقابل 57% من مؤيدي إدلشتاين و47% من مؤيدي كاتس.
ومع أن أغلبية مؤيدي كاتس يساندون في حال استقالة نتنياهو، محاولة إسقاط الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة يشارك فيها الليكود (52% من مؤيدي كاتس قالوا بذلك، مقابل 47% من مؤيدي نير بركات، إلا أن الأخير خلافاً لكاتس وإيدلشتاين يحظى بتأييد 28% من مصوتي أحزاب اليمين الذين لم يصوتوا لليكود بسبب قيادة نتنياهو له.
هذه المعطيات والقلق في المحافل السياسية والحزبية، وخاصة لدى ائتلاف الحكومة بقيادة رئيس الحكومة نفتالي بينت، تزيد من حدة المعركة الداخلية في الليكود وهي تنذر بحرب شعواء بين المتنافسين الثلاثة في حال قبل نتنياهو فعلاً بصفقة مع النيابة العامة، مما قد يولد حراكاً قوياً داخل إسرائيل من شأنه أن يهز أركان الائتلاف الحكومي الحالي، خصوصاً أن مغادرة نتنياهو المشهد السياسي الإسرائيلي بعد ثلاثة عقود من الهيمنة، قد تفتح الأفق لشراكات وتحالفات جديدة، تنسف القاسم المشترك لكتل الائتلاف الحكومي الحالي، الذي بني على هدف واحد وهو التخلص من بنيامين نتنياهو.