شهدت واشنطن، أمس الثلاثاء، تظاهرة كبيرة بجوار مبنى الكونغرس، شارك فيها آلاف اليهود الأميركيين تحت عنوان "مسيرة من أجل إسرائيل". وقد تولت تنظيمها جمعيات ومنظمات يهودية رئيسية مثل "المنظمة الفيدرالية اليهودية لشمال أميركا" و"مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبيرة في الولايات المتحدة" وتجمّع "إسرائيل في الجامعات الأميركية" والذين حشدوا لها من معظم الولايات بين 40 ألفا و60 ألف مشارك وفق تقديراتهم، حيث دعوا الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس لإلقاء أو إرسال كلمة إلى المتظاهرين. لكن ذلك لم يحصل، فيما تحدث إليهم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عبر الفيديو، شاكراً ومثنيا على هذا التعاضد "العائلي".
كما شارك الكونغرس بقوة متمثلاً بقياداته من الحزبين، التي ألقت كلمات تأييد للعملية العسكرية ودعم الحكومة الإسرائيلية في رفضها لأي وقف لإطلاق النار قبل إنجاز المهمة. بل إن بعضهم مثل السيناتور تشاك شومر، اتسمت كلماتهم بالتحريض في هذا الاتجاه.
في جانب منها، جاءت هذه التظاهرة كرد على الاحتجاجات العارمة على معاناة المدنيين في غزة والتي عمّت معظم المدن الأميركية في الأسبوعين الأخيرين، والتي لعبت مع صور الشاشة، دوراً في إطلاع الرأي العام الأميركي على حقيقة المجزرة البشرية الجارية فصولها في غزة. وكان لذلك أثره في تعزيز التعاطف مع الفلسطينيين، والذي أخذ تعبيرات مختلفة خصوصاً في وسائل التواصل.
لكن الأهم من ذلك أنها، أي التظاهرة، جاءت على خلفية موجة متزايدة من الاحتجاجات على ما يحدث للفلسطينيين في القطاع، شملت موظفين ومسؤولين في عدة مؤسسات من وزارة الخارجية إلى مجلس الأمن القومي ومساعدي أعضاء الكونغرس. ومنهم من هو محسوب في تعيينه على البيت الأبيض. وجرى ذلك بأكثر من تعبير، مثل رفع كتاب إلى الوزير أو الرئيس وفي الكونغرس إلى السيناتور والنواب. وأحياناً جاء بصورة استقالة من الوظيفة ولو في حالات قليلة. وفي بعض الحالات حاول المسؤولون تنفيس الاحتقان من خلال الاستماع إلى المحتجين وإبداء التفهم لردود فعلهم.
والمحرج أن الموجة تسربت أخبارها إلى وسائل الاعلام وبما ضاعف من الضغوط على الإدارة لكي تتحرك بصورة كافية وعاجلة لوقف آلة الموت التي تدعمها في غزة. وما أضاف إلى قلقها أن تجمعات انتخابية من الديمقراطيين في ولايات هامة ومؤثرة، بدأت تبتعد عن بايدن وتتوعد بمحاسبته في يوم الانتخاب.
لامتصاص النقمة جرى ترطيب الخطاب الرسمي من خلال تركيزه على الإعانات الإنسانية و"وجوب حماية المدنيين". كما شدد الرئيس بايدن أمس الاثنين على ضرورة "حماية المستشفيات".
في موازاة ذلك، بدأ التلويح بصفقة رهائن يرافقها وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 5 أيام. وتردد أن البيت الأبيض يراهن على هذه الفسحة بحيث تكون مدخلاً لتوسيعها أو على الأقل تكرارها، تنفيساً للضغوط وربما تمهيداً لصيغة مخرج لو ثبتت التوقعات بعدم قدرة إسرائيل على ترجمة كل أغراض اجتياحها.
الرئيس بايدن أبدى أمس تفاؤله بالصفقة "الآتية". لكن قبل أن ينتهي النهار، دخلت القوات الإسرائيلية إلى مجمع مستشفى الشفاء وقبل أن يمضي 24 ساعة على كلام الرئيس عن "حماية المستشفيات". رد الإدارة بدا أقرب إلى تفهم الخطوة الإسرائيلية. المنسق الإعلامي في مجلس الأمن القومي جون كيربي اكتفى بالقول بأن المهم أن لا يحصل أذى للمرضى والعاملين في المستشفى. الخارجية أكدت أن "حماس استعملت المستشفيات ولدينا معلومات عن ذلك".
"المسيرة من أجل إسرائيل"، أتت لتعزيز مثل هذا التفهم لحاجات الحكومة الإسرائيلية في اللحظة الراهنة، وبالتالي لتعطيل موجة الضغوط والاحتجاجات ومنعها من أن تؤدي إلى بلورة فكرة وقف النار لدى الإدارة التي قد تضطرها حساباتها الانتخابية إلى المضي في هذا الاتجاه لو استفحلت الأزمة وكبرت كلفتها.
استنفار القوى اليهودية والكونغرس معاً بهذه الصورة، يشير إلى استعانة إسرائيلية مباشرة بها. وبالتحديد إلى استعانة نتنياهو بها، والذي له أجندته التي يشير إليها البعض من باب التخوف من نوايا صاحبها وعزمه على تسعير وتمديد الحرب. بل كثيرا ما يشار إليه في المداولات الجارية حول الحرب على أنه المسؤول الأبرز عما آلت إليه الأمور وبما يستبطن القول بأن إزاحته قد تكون شرطا لمنع الحرب من الخروج عن السيطرة. وفي الوقت الراهن يبقى بايدن بين مطرقة الضغوط وسندان التدمير الإسرائيلي الذي لم يرسم بعد خطه الأحمر بشأنه.