استقالة جونسون.. انتصار عربي ـ روسي آخر

09 يوليو 2022
ليس مستغرباً تحويل استقالة جونسون إلى انتصارات متخيّلة في موسكو وطهران ودمشق (Getty)
+ الخط -

صار بوسع موسكو استعارة جُمل "الانتصار" من قواميس دمشق، وهي تفعل في الأسابيع الأخيرة، محذرة من أنها على وشك استعادة ألاسكا، بالقدر الذي تحوّل فيه "لواء إسكندرون" عنواناً بدل "تحرير الجولان المحتل"، على الرغم من توقيع حافظ الأسد "اتفاقية أضنة" في تسعينيات القرن الماضي بوساطة مصرية، تجنباً لعمل عسكري تركي.

لن يكون مدهشا إذاً تحويل استقالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى انتصارات متخيّلة في موسكو ومينسك وطهران ودمشق. وعلى الرغم من أن الأوروبيين هم من سيشعرون بارتياح لهذه الاستقالة بسبب دوره في مسيرة "بريكست" منذ 2016، لكن ليس على اعتبار أنها "هزيمة ساحقة لما تُسمى الحرية والديمقراطية"، كما في خطاب مشرقي عربي مرعوب من الممارستين.

في التجربة العملية لتغير رؤساء الدول والحكومات، عايش بعض العرب في الغرب استهزاء الصحافة الغربية بمنظومتنا، منذ ما قبل عصر الإنترنت، إذ كان يكفي لصحيفة ما وضع مجموعة صور لرؤساء أميركا المتناوبين على البيت الأبيض وصورة لـ"الزعيم" العربي، الذي أبدع مصور ما في منع بروز تقدم عمره.

ومن عايش تفاصيل مشهد السنوات العشر الأخيرة، لا بد أن يتذكر "حكمة الممانعة الدمشقية": "ذهب فلان وعلتان وبقي بشار الأسد"... وبمعنى أدق، خسر هؤلاء، وبينهم نيكولا ساركوزي وباراك أوباما، وأسماء أخرى كثيرة، جولات كسب ثقة الناخبين، ما اعتُبر "انتصاراً" لبشار الأسد، المستنير بأفعال نيرون ونظريات استبدال الشعب في مزرعة الوراثة.

تأمُل عبارة "ذهبوا وبقي" يذكرنا باستمرار المرض العضال، الذي خرجت منه بعض الدول الأفريقية والآسيوية، إذ يصر "المنتصرون" على اعتبار صحة الديمقراطية ومحاربة الفساد والمحسوبيات في اسكندينافيا وألمانيا وغيرهما "دليل ضعف وارتباك".

نعم، ذهب شارل ديغول، ومثله فعل ونستون تشرشل، وكل رؤساء أميركا وساسة ألمانيا واسكندينافيا السابقين، وبقية القائمة الطويلة. لكن بلادهم بقيت، لم تُنخر أساساتها، ولم تُحوّل إلى مرتع كارتيلات المخدرات وسجون كبيرة لجوع وفقر.

والتباهي الدعائي بسقوط جونسون، في عصر استعارة الانتصارات، لا يفضح فقط عقم جمود الحالة، إن في روسيا أو غيرها من عواصم "الانتصار"، بل يقدّم نموذجاً دقيقاً لما يُحدثه من فوارق محاسبة ومساءلة وزيرة سويدية، أو مستشار النمسا السابق سيباستيان كورتز، أو حتى ريتشارد نيكسون على "ووترغيت"، تحت سقف حق البشر في محاسبة من اختاروه في الحكم ليخدم أوطانهم.

الوزيرة السويدية السابقة مونا سالين كانت تحظى بشعبية كبيرة، ولكن لم يشفع لها ذلك لئلا تُحاسب على تهمة إساءة استخدام المال العام، فقدّمت اعتذاراً واستقالت. في حكايتها عبرة بسيطة في بلدها: المحاسبة تحت سقف الديمقراطية وتحمّل المسؤولية تتحول إلى ثقافة عامة، وعليها تقوم بقية ثقافات الاختيار الحر للموظف الحاكم.

إجمالاً، لن يكون غريباً أن يخرج رهط "المنتصرين" من لوردات الحرب، ليخبروا جمهورهم "تحليلاً ومعلومات" أن جونسون سقط "بفضل حكمة" ما في مشرقنا العربي. وسيبقى هؤلاء يمدون ألسنتهم أمام طوابير "الجمهور المنتصر"، الباحث عن هجرة إلى "بلاد المهزومين" تحديداً، ولو غرق في المتوسط وتاه في الغابات الباردة. في استقالة جونسون تكمن دروس إحصاء من ذهبوا ببقاء "البيك والزعيم... والقائد الملهم"، والوطن "مكانك در" حول ترهة "حكمة القيادة".

المساهمون