كشفت أرقام القتلى لكل من "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) وتنظيم "داعش"، بعد انتهاء عملية سجن الصناعة (غويران) في مدينة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، هول ما جرى خلال 10 أيام من القتال الضاري بين القوات الكردية وعناصر التنظيم الذين هاجموا السجن لإطلاق سراح آلاف السجناء من عناصرهم وقياداتهم، والذين اشترك بعضهم في المواجهات التي دارت في محيط السجن بعد تمكنهم من الفرار منه. وأكد متابعون أن الطرفين سعيا إلى الاستفادة من الهجوم، فيما لفت آخرون إلى أن بعض التفاصيل حوله لا يزال يلفها الغموض.
أعداد قتلى هجوم سجن الصناعة في الحسكة
وتحدثت القيادة العامة لـ"قسد"، التي تعد "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الأساسي، أول من أمس الإثنين، عمّا وصفته بـ"مخطّط واسع أُعدّ له منذ فترة طويلة" من قبل التنظيم، لتغيير معادلة السيطرة في منطقة شرقي نهر الفرات لصالح "داعش".
ووصفت "قسد" الهجوم الذي كان بدأه التنظيم في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، بـ"غير العادي"، مشيرة إلى أنه "لم يستهدف تحرير عدد من المعتقلين الإرهابيين فقط، بل أرادوا شنَّ هجوم واسع على المنطقة".
أكدت "قسد" مقتل 374 عنصراً من "داعش"، من بينهم 174 سجيناً
وأوضحت "قسد" حصيلة القتلى من الجانبين بعد انتهاء المواجهات التي أخذت طابع حرب الشوارع، حيث أشارت إلى أن عناصر "داعش" قتلوا 77 شخصاً من العاملين في مؤسسات السجن والحرّاس. وتحدثت عن مقتل 40 من مقاتلي "قسد"، و4 مدنيين، خلال الاشتباكات والمعارك التي دارت خارج السجن، والتي استمرت 7 أيام. وأكدت مقتل 374 عنصراً من "داعش"، من بينهم 174 سجيناً، بعدما كانت مصادر في هذه القوات قد تحدثت منذ أيام عن أن 200 عنصر من التنظيم شاركوا في الهجوم على السجن.
من جهته، نشر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" ما قال إنها "حصيلة غير نهائية" عن عدد القتلى خلال العمليات العسكرية في سجن الصناعة في الحسكة، وفي محيطه، إذ أكد مقتل 268 من عناصر "داعش"، و98 من قوات الأسايش (قوى الأمن الداخلي في "الإدارة الذاتية" الكردية) وحرّاس السجن وقوات مكافحة الإرهاب و"قسد" و"الدفاع الذاتي"، بالإضافة إلى 7 مدنيين.
وأوضح المرصد أن هذه الحصيلة لا تشمل نحو مائة قتيل، لم تعرف انتماءاتهم أو هوياتهم بعد، لافتاً إلى أن "نحو نصفهم هم من العاملين في السجن وعناصر الدفاع الذاتي والقوى العسكرية الأخرى".
لكن مصادر محلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، أكدت أن عدد القتلى من الجانبين ("داعش" و"قسد") أكبر من تلك المعلنة من قبل القوات الكردية، لافتة إلى أن "قسد" بدأت منذ أول من أمس، بتشييع قتلاها في قرى وبلدات ومدن عدة في منطقة شرقي نهر الفرات. وأكدت المصادر وجود جثث مجهولة الهوية في مشفى مدينة الحسكة.
استعراض "قسد" في الحسكة: جثث في الشوارع
وحمل عناصر من قوات "قسد" قتلى "داعش" في سيارتين مكشوفتين، أول من أمس، جابتا مدينة الحسكة، في استعراض مكشوف ولّد استياء من طريقة هذه القوات في التعامل مع جثث التنظيم، والتي من المرجح دفنها في مقابر جماعية. كما نشرت "قسد" صوراً تظهر مجموعة من الجثث المكومة في شوارع المدينة، التي عانت على مدى أسبوع من أزمة شديدة التعقيد أدّت إلى موجة نزوح من حيي غويران وتل الزهور المجاورين للسجن.
وكانت "الوحدات" الكردية قد استعرضت جثث عشرات القتلى من فصائل المعارضة السورية عقب اشتباك جرى معها في عام 2016 في محيط منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي.
ويؤكد العدد الكبير من القتلى، أن مواجهات واسعة النطاق دارت في سجن الصناعة بالحسكة، الذي كان يضم عناصر وقيادات من التنظيم، وفي محيطه، وشارك فيها طيران التحالف الدولي، الذي لم يتردد في قصف أبنية كليات جامعية تحصن فيها فارون من "داعش".
وعلى الرغم من أن قوات "قسد" نفت هروب سجناء من التنظيم ووصولهم إلى معقل "داعش" الأبرز في سورية، وهو البادية السورية، إلا أن المعطيات تؤكد أن عدداً من قياديي التنظيم نجحوا بالفعل في الفرار من السجن المحصّن.
حمل عناصر من قوات "قسد" قتلى "داعش" في سيارتين مكشوفتين، جابتا مدينة الحسكة
وعلى الرغم من أن التنظيم لم يستطع إطلاق سراح كل أسراه، وفقد في الهجوم المئات من عناصره، إلا أن الأزمة أكدت أنه لا يزال قادراً على تخطيط وتنفيذ عمليات كبرى، بعيداً عن أماكن تمركزه في البادية السورية.
وفي هذا السياق، رأى الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري"، محمد سالم، أن سقوط هذا العدد الكبير من القتلى في سجن الصناعة ومحيطه "يدلّ على ضراوة المعارك التي دارت"، لكنه شدّد على أن "الأمر برّمته لا يزال يلفه الغموض". واعتبر أن كلاً من التنظيم و"قسد" يحاول الاستفادة مما حصل، فـ"داعش أراد التأكيد بأنه لا ينسى أسراه، ويبدو أن عدداً منهم قد وصل إلى البادية السورية بالفعل، فيما تريد قسد تأكيد شرعيتها، وضرورة وأهمية جودها كطرف محارب للإرهاب في شمال شرقي سورية".
من جهته، لفت المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، إلى أن "قسد" المدعومة من التحالف الدولي "ربما استغلت أزمة سجن غويران للتخلص من عدد كبير من سجناء داعش الذين رفضت الدول التي ينتمون إليها استلامهم"، معتبراً أن أحداث السجن شكّلت فرصة كبيرة لهذه القوات.