أما الحكومة اللبنانية فقد تلقت خبر الصفقة من خلال بيان حزب الله الرسمي، شأنها شأن كل اللبنانيين. تفاوضت الحكومة فيما بينها بشأن إقرار مبدأ المقايضة مع الخاطفين، فأًقر المبدأ بعد إعدام ثلاثة من العسكريين الذين خطفوا في بداية شهر أغسطس/آب الماضي، من قبل "جبهة النصرة" وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
يفضل وزير الصحة وائل أبو فاعور، وهو عضو خلية الأزمة التي شكّلتها الحكومة لمتابعة ملف العسكريين، في حديث لـ "العربي الجديد"، عدم المقارنة بين ما قام به حزب الله وبين المفاوضات الحكومية. فبرأي أبو فاعور، "خاض حزب الله المفاوضات من منطلق كونه قوة عسكرية تقاتل في سورية ولديها أسرى تفاوض عليهم، أما الحكومة اللبنانية فتتصرف في مفاوضاتها ضمن نطاق القانون". ويؤكد أبو فاعور أن "ما قام به الحزب يشرّع الباب أمام المقايضة، واليوم لا تستطيع القوى السياسية رفض هذا المبدأ".
فحزب الله والقوى التي تدور في فلكه مثل التيار الوطني الحرّ، رفضوا مبدأ المبادلة في الفترة الأولى التي تلت عملية خطف العسكريين اللبنانيين. وكان موقف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة (كتلة نواب حزب الله) محمد رعد بعد أيام من عملية الخطف الأكثر وضوحاً. حينها رفض رعد "الخضوع لمنطق المقايضة والمبادلة"، واعتبر أنّ من يريد أن "يحرر الجنود لا يسقط البلد وإنما يحررهم من أجل أن يحفظ قوة لبنان". لكن، بعد ضغوط سياسيّة وشعبية من قبل أهالي المخطوفين، وافق الحزب على اعتبار أن التفاوض والتبادل وسيلة من وسائل استعادة الجنود كما قال أمينه العام حسن نصر الله في أحد خطاباته. وساهمت هذه الموافقة في إطلاق عمليّة التفاوض مع الخاطفين التي تسير ببطء شديد.
وإذا كان أبو فاعور يرى بعمليّة التبادل التي قام بها حزب الله أمراً يُسهّل المفاوضات التي تخوضها الحكومة اللبنانية، فإن مواقف الكتل النيابيّة من هذه العمليّة تتعارض. فيرى عضو كتلة التنمية والتحرير (برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري) النائب قاسم هاشم أن التبادل "إنجاز وطني يسجل لحزب الله الذي استردّ مواطناً لبنانياً من يد العصابات الإرهابية". ويؤكد هاشم أن العملية "فتحت باباً جديداً لمقاربة ملف العسكريين المخطوفين يقوم على مبادئ الندية، السرية، ورفض الابتزاز".
أما عضو كتلة المستقبل النيابية النائب عمار حوري فيرى أن "حزب الله نصّب نفسه بديلاً عن الدولة، فهو وضَع فيتو على قبول الحكومة بمبدأ التفاوض ثم سمح لنفسه بذلك". يؤيد نواب "المستقبل" تحركات أهالي المخطوفين لرفع الصوت وتحرير أبنائهم.
حزب الله أقوى من الدولة
بعكس الفرح في الضاحية الجنوبية التي كست سماءها زخات الرصاص الاحتفالي، كانت سماء اعتصام أهالي المخطوفين في ساحة رياض الصلح مقابل السراي الحكومي حزينة. آلم الأهالي تمكن حزب الله من إتمام صفقته الخاصة، في حين تعجز الدولة اللبنانية عن إتمام التفاوض على أبنائها بعد أربعة أشهر من خطفهم.
عبّر الأهالي عن صدمتهم وخيبة أملهم في مؤتمر صحافي تحدث فيه حسين يوسف والد أحد العسكريين. أعلن يوسف عن "تصعيد مفتوح سيبدأ يوم الجمعة ويطال كافة مداخل بيروت"، واستنكر الأهالي عجز الدولة وتفوُّق حزب الله "في حين كانوا يُسرون لنا أن الحزب هو من يعرقل مفاوضات الحكومة مع الخاطفين" بحسب ما ردد عدد من الأهالي الغاضبين.
طالبت والدة أحد العسكريين نصر الله بـ "إطلاق أبنائنا كما أطلق أسيره". لقد أصبح أسير حزب الله المقاتل داخل الأراضي السورية في مقام واحد مع العسكريين المخطوفين من وجهة نظر الأهالي. لم تقتصر رسائل الأهالي للحكومة ولحزب الله فقد وجهوا رسالة إلى جبهة النصرة دعوها فيها لـ "إصدار بيان رسمي تنفي فيه عرقلة المفاوضات".
يقارن اللبنانيون اليوم بين صفقات التحرير التي قادها حزب الله مع إسرائيل ونجاحه في تحرير مقاتله الأسير في سورية. يجمع بين الملفين غياب الحكومة اللبنانية عن تأدية أي دور، وفرض حزب الله أجندته الخاصة على مسار عمل الحكومة اللبنانية.