حققت القوات التركية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تفوقاً عسكرياً في المناطق والبلدات الحدودية ضمن إقليم كردستان شمالي العراق والخاضعة لسيطرة مسلحي حزب العمال الكردستاني، وذلك على مستوى إجبار الحزب على التراجع عن مواقع له، أو التسبّب بخسائر بشرية في صفوفه. إلا أن التطور النوعي، بحسب مراقبين ومسؤولين في الإقليم، هو عمليات استهداف قيادات الحزب وعناصره البارزة داخل مناطق بعيدة عن الحدود ضمن محافظتي السليمانية ونينوى، ما أسفر عن تصفية عدد منهم.
ومن أبرز هؤلاء المسؤولين كان أحمد روبال، المسؤول العسكري والتنفيذي في منطقة مخمور (100 كيلومتر جنوب شرقي الموصل)، ومحمد دوغان الملقب بـ"ديلاز جبر"، المسؤول العسكري لحزب العمال الكردستاني في منطقة جمجمال قرب كركوك. والأخير من بين قادة الحزب الذين حرضوا على مواجهة الجيش العراقي عام 2017، خلال عملية بسط السيطرة على كركوك بعد تداعيات تنظيم أربيل استفتاءً للانفصال عن العراق وتحرّك بغداد لإبعاد قوات البشمركة الكردية عن المدينة.
اختراق استخباراتي تركي لحزب "العمال الكردستاني"
وتحدث مسؤولون في أربيل عن اختراق استخباراتي من قبل الجيش التركي لمسلحي "العمال الكردستاني"، ما مكّن من الكشف عن تحركات قيادات الحزب وعناصره البارزة بشكل يسهل استهدافهم بواسطة طائرات مُسيّرة والتي لعبت دوراً واضحاً في ذلك.
وتنفذ القوات التركية منذ منتصف إبريل/نيسان الماضي، عملية عسكرية يشارك فيها سلاح الجو ووحدات برية خاصة، في قرى ومناطق عراقية حدودية ضمن إقليم كردستان، تستهدف مواقع ومخابئ لمسلحي "الكردستاني" الذي ينشط بشكل غير قانوني داخل مناطق شمالي العراق، ويتخذها منطلقاً لتنفيذ اعتداءات داخل الأراضي التركية المجاورة. وأطلقت وزارة الدفاع التركية على العملية اسم "القفل ــ المخلب"، وهي الثالثة من نوعها في غضون عام واحد.
الجيش التركي استهدف مواقع ونقاطاً سرية لحزب العمال الكردستاني، لا يعلم بها أحد وبدقة
وفي السياق، كشف مسؤول أمني رفيع بمدينة أربيل في إقليم كردستان، لـ"العربي الجديد"، عن "توجيه مسلحي حزب العمال الكردستاني اتهامات جديدة لحكومة الإقليم بأنها تقدم معلومات لتركيا في حربها ضدهم، لاستهداف قيادات الحزب ومخابئه السرية، لكن الحقيقة أن الحزب بات مخترقاً استخباراتياً من الجيش التركي من خلال عناصر في الحزب ذاته".
وأضاف المسؤول نفسه الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "الجيش التركي استهدف مواقع ونقاطاً سرية لحزب العمال الكردستاني لا يعلم بها أحد وبدقة، وذلك في سوران وسيدكان والزاب والعمادية ومتين وحفتانين وزاخو، وكاني ماسي، بما يؤشر إلى أن الحزب بات مخترقاً بشكل كبير".
ولفت إلى أن "عمليات قتل قيادات وشخصيات مؤثرة في صفوف حزب العمال الكردستاني، خلال الأسابيع الأخيرة، تمت بواسطة طائرات مسيّرة، والتي استهدف بعضها سيارات محددة داخل مواكب هذه الشخصيات في مناطق متفرقة من محافظات نينوى والسليمانية ودهوك، بما يؤكد درجة الاختراق".
وتحدث المسؤول عن "قيادات بارزة فقدها الحزب بواسطة عمليات استهداف للاستخبارات التركية داخل العمق العراقي خلال الفترة الأخيرة، بينها دمهات به كري، وأفين حسكة، وأحمد روبال، ومحمد دوغان، وكريم شنكالي، ومظلوم أوزغوج، وسليمان آيدو، وآخرون، وذلك بواسطة طائرات مسيّرة نفذت ضربات في مناطق بعيدة عن معاقل الحزب التقليدية، وداخل مناطق بعيدة عن الحدود التركية".
من جهته، أكد مصدر آخر بمحافظة دهوك الحدودية مع تركيا "منع حزب العمال أهالي القرى من الوصول إلى مقراته ومناطق تجمعاته، بعد حملة اعتقالات طاولت عددا من الأكراد العراقيين بتهمة التجسس لصالح تركيا".
ولفت إلى أن "الحزب بات يغطي مناطق تواجده بأجهزة قطع إشارة (تشويش) على الهواتف النقالة، واستبدل العديد من السيارات رباعية الدفع التي يملكها بأخرى، خوفاً من أنها باتت مكشوفة، خاصة سيارات تويوتا جيب، وتويوتا هايلوكس، التي يستخدمها الحزب بكثرة في مناطق نشاطه".
الحزب بات يغطي مناطق تواجده بأجهزة تشويش على الهواتف النقالة
وتعليقاً على ذلك، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، سعيد مموزين، إن "زيادة عدد قتلى حزب العمال الكردستاني سواء من المسلحين أو القادة، خلال الفترة الماضية، تعود لزيادة العمليات التركية بالدرجة الأساس".
وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تواجد حزب العمال في مناطق بعيدة عن معاقله مثل مخمور وسنجار وبعض بلدات محافظة السليمانية، أعطى غطاءً للقوات التركية لاستهداف هذه المناطق، والكردستاني يتحمّل نتائج ذلك، فلولا وجوده لما كانت هناك ضربات تركية".
وأشار مموزين إلى أن "هناك اتفاقيات بين بغداد وأنقرة، جرت في عهد حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، تسمح لتركيا بأن تواجه العمال الكردستاني وتحد من خطره على الأراضي التركية والعراقية على حدٍ سواء"، لافتاً إلى أن "تواجد الكردستاني في بعض مناطق شمال العراق، يمثل حالة اعتداء وتجاوز على القانون العراقي".
وتحدث مموزين عن أن الحزب "يمنع عودة الأيزيديين إلى منازلهم في سنجار، من خلال دعم فصائل محددة في الحشد الشعبي، منها وحدات حماية سنجار، التي يحصل عناصرها على رواتب من الحشد، إضافة إلى التعاون الأمني والعسكري بين الكردستاني والحشد، وتبادل خبرات وتدريبات بين الطرفين".
تصفية العشرات من قادة وعناصر "العمال الكردستاني"
من جهته، قال الخبير في الشأن الكردي، أرشد كركوكلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحزب فقد منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، العشرات من عناصره وقياداته المؤثرة بعمليات منتخبة للجيش التركي؛ برية وجوية".
ولفت كركوكلي إلى أن "طائرات مسيّرة قتلت مروان بدل، أخطر شخصية في الكردستاني بمدينة سنجار مطلع ديسمبر، وهو القائد العسكري للحزب في تلك المنطقة، ثم عادت لتصفية القيادي سعيد حسين، وتواصلت سلسلة الاستهدافات مع عجز واضح للحزب عن رصد نقاط الاختراق في صفوفه، وهي متعددة، إذ إن قوات الأسايش (أمن إقليم كردستان)، نجحت هي الأخرى في اختراق الحزب".
وكان مجلس الأمن في إقليم كردستان قد أعلن الشهر الماضي، إحباطه "مخططاً إرهابياً لمسلحي حزب العمال الكردستاني لشن هجمات صاروخية على قوات البشمركة وأحد السدود في دهوك ودوائر حكومية".
ووفقاً لبيان صدر عن المجلس، وهو أعلى سلطة أمنية في الإقليم، فإن قوات الأمن "ألقت القبض على جماعة إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني كانت تخطط لشن هجمات بالصواريخ على قوات البشمركة في كردستان، وأحد السدود، والأماكن العامة، والدوائر الحكومية".
وأوضح البيان أنه "تم ضبط 9 صواريخ من نوع كاتيوشا، فضلاً عن منصات إطلاقها"، مشيراً إلى "اعتقال المجموعة واعترافها بالمخطط، مؤكدةً تكليفها بشن هجمات صاروخية على مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني، والدوائر الخدمية، ومحطة الكهرباء، وسد دهوك، وأماكن عامة أخرى".
قيادي بحزب العمال: ننجح في اكتشاف حالات الاختراق التي يحاول الجيش التركي منذ سنوات العمل عليها
تواصل المواجهات بين "العمال الكردستاني" والجيش التركي بالعراق
من جهته، قال كاوه شيخ موس، وهو قيادي في الجناح العراقي لحزب العمال الكردستاني، ويقدم نفسه على أنه مسؤول علاقات الحزب في العراق، إنهم "ينجحون في اكتشاف حالات الاختراق التي يحاول الجيش التركي منذ سنوات العمل عليها؛ مرة عبر عناصر سرعان ما يتم الكشف عنهم، أو من خلال التجسس بوسائل حديثة".
ولفت في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إلى أنهم "يواصلون المواجهات العسكرية المباشرة مع القوات التركية داخل العراق".
وبشأن التنسيق مع "الحشد الشعبي" والقصف المتكرر لمدينة أربيل، نفى شيخ موس علاقة حزبه بذلك، قائلاً إن "عمليات القصف التي تحدث داخل المنشآت في أربيل لا نعلم عنها أي شيء، لكنها ربما تعود لأسباب سياسية وخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينفرد بالسلطة في الإقليم، وأحزاب بغداد".
بدوره، قال العميد المتقاعد في الجيش العراقي عماد علو، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الثكنات العسكرية التركية في مناطق شمال العراق، تمكّنت خلال الفترة الماضية من تكوين علاقات اجتماعية مع الأهالي هناك ولا سيما القرويين منهم، وبعض الشخصيات التي لديها معلومات عن تحركات مسلحي حزب العمال، وهذه العلاقات أوصلت الأتراك إلى معلومات هامة عن قادة الحزب والعناصر الفاعلين فيه".
وأضاف أن "الأتراك يستخدمون أساليب الاختراق الأمني والعسكري، في إطار ما يُعرف بالاستخبارات الهجومية، التي تتم عبر عناصر ووكلاء لتحصيل المعلومات وكشف النوايا والخطط لحزب العمال الكردستاني".