بعد 12 عاماً من الثورة السورية التي نجح نظام بشار الأسد، ومن خلفه روسيا وإيران، في ضربها عبر القمع وقتل آلاف المدنيين، تأتي الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي ترزح تحتها المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لتعيد الاحتجاجات إلى الشارع، والتي لم تتوقف مطالبها عند حدود الأحوال المعيشية بل شهدت عودة لافتة إلى مطالب الثورة، وأبرزها "إسقاط النظام".
وفي حين تبدو محافظة السويداء الساحة الأبرز لحركة الاحتجاج الراهنة، إلا أن الحراك لم يتوقف عليها بل امتد إلى الكثير من المناطق الخاضعة للنظام، كدرعا وبعض مناطق ريف دمشق الغربي، وسط تشديد المحتجين على أن ما يحصل ليس مجرد مرحلة غضب ستنطفئ سريعاً.
احتجاجات واسعة في السويداء
وواصل محتجون في محافظة السويداء، أمس الأحد، حركة رفضهم لقرارات اقتصادية اتخذها النظام منذ أيام أدت إلى تفاقم الأزمات المعيشية، إذ تجمّع محتجون ساخطون أمس في 31 نقطة في عموم محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية من السكان، في وقت تشهد فيه مدينة السويداء، مركز المحافظة، مظاهر احتجاجية واسعة، وإضراباً شمل كل المرافق، بعدما استجاب لدعوات الإضراب الشارع والتجار على حدٍ سواء.
وزاد عدد المحتجين في ساحة الكرامة وسط المدينة، ليصل إلى المئات، في وقت قطع فيه محتجون أغلب الطرق الداخلية إضافة إلى الطريق الدولي الذي يصل المحافظة بالعاصمة دمشق.
"نريد أن نعيش بعز وكرامة في بلادنا"، قال منيف رشيد وهو أحد المحتجين في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "لن نتوقف عن هذه الاحتجاجات حتى سقوط هذا النظام الذي جاع السوريون في عهده، وفق سياسة باتت مكشوفة لنا. بسبب هذا النظام وصلت بلادنا إلى ما وصلت إليه".
منيف رشيد: لن نتوقف عن هذه الاحتجاجات حتى سقوط هذا النظام الذي جاع السوريون في عهده
وردد المتظاهرون في ساحة الكرامة الشعارات الأولى في الثورة السورية التي كانت بدأت في ربيع عام 2011، ما يعني أن تردي الأحوال المعيشية "ليس هو المحرك الرئيسي لحركة الاحتجاجات"، وفق رشيد، مضيفاً: "لا بد من تغيير حقيقي في البلاد. هذا النظام بات عاجزاً عن تأمين أبسط مقومات الحياة للناس. لن نترك أرضنا ونهاجر كما يريد النظام.
وأشار إلى أن "المتظاهرين هتفوا بشكل واضح ضد رئيس النظام بشار الأسد"، مضيفاً: "سورية حرة حرة… بشار يطلع برا"، هذا هو الشعار في ساحة الكرامة بالسويداء. وأضاف: حمل متظاهرون لافتات تدعو إلى تطبيق القرار الدولي 2254، فهو المخرج الوحيد للحل في سورية. مع العلم أن القرار الصادر في 2015 يحدد خريطة طريق دولية للتوصل إلى حل يتضمن عملية الانتقال السياسي.
ورجّح رشيد اتساع رقعة الاحتجاجات والتظاهرات خلال الأيام المقبلة، وازدياد عدد المحتجين في ساحة الكرامة في مدينة السويداء، مشيراً إلى أن الأجهزة التابعة للنظام "لا يمكنها اعتقال أي مواطن في محافظة السويداء كما تفعل في المحافظات الأخرى"، مضيفاً: "هي تدرك أن هذا الأمر خط أحمر لا يمكن تجاوزه في السويداء".
وفي جولة سريعة داخل مدينة السويداء، تبين إغلاق المحال والمؤسسات كافة، مع توقف شبه كامل لحركة المواصلات، في استجابة شعبية غير مسبوقة للإضراب، الذي يؤكد منظموه أنه مستمر حتى تتحسن الأوضاع المعيشية في عموم سورية.
وشمل الإضراب القصر العدلي، حيث تغيّب القضاة باستثناء قاضٍ واحد من قضاة محكمة البداية المدنية الأولى. وحال المحتجون دون وصول أمين فرع حزب "البعث" الحاكم فوزات شقير من بلدته القريا إلى مكتبه في مدينة السويداء، فاضطر إلى استخدام طرق زراعية طويلة للوصول إلى مبنى الحزب. وشهدت بلدات سليم، القنوات، سالة، أم الرمان، مياماس، سهوة الخضر، المزرعة، مفعلة، ورضيمة الشرقية، وسواها، احتجاجات وقطع طرقات وإغلاقاً للدوائر الرسمية التابعة لحكومة النظام.
وبيّن هاني عزام، وهو أحد الناشطين المنظمين لحركة الاحتجاج في ساحة الكرامة في السويداء، أن "مطالب المحتجين لن تقف عند حدود تحسين الأحوال المعيشية"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "نريد تغييراً حقيقياً لإنقاذ سورية من مصير مجهول يقودها إليه النظام". وتابع: "لن نحمل السلاح في تظاهراتنا واحتجاجاتنا هي سلمية بالكامل. لن نعطي هذا النظام الذريعة للفتك بها".
عزام: نريد تغييراً حقيقياً لإنقاذ سورية من مصير مجهول يقودها إليه النظام
ولمحافظة السويداء خصوصية طائفية، وهي ما يعطي سكانها هامشاً واسعاً للتحرك الشعبي احتجاجاً على سياسة النظام، إذ منحها وضعاً أمنياً خاصاً، كي يُبقي طائفة الموحدين الدروز خارج الصراع معه.
من جانبه، طالب الناشط الحقوقي خالد المحمود، في حديث مع "العربي الجديد"، بـ"سنّ قوانين لكف يد السلطات القمعية عن التنكيل بكل من يطالب بحقه في سورية".
أما الناشطة المدنية زينة أبو طافش فوصفت، في حديث مع "العربي الجديد"، ما يجري في السويداء بـ"الثورة"، مضيفة: نحن أمام ثورة سلمية بدأت بالأولويات التي تهم الجميع من دون استثناء، وهي تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية". وتابعت: "يجب ألا يستهتر البعض بما يحصل في محافظة السويداء والنظر إلى أن الأمر مجرد فقاعة أو مرحلة غضب ستمر ثم تنطفئ".
وفي تطور غير معزول عما يجري في السويداء من حركات احتجاج، ربما سيكون له الكثير من الانعكاسات على مجمل الأوضاع في محافظة السويداء، دعا الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، في بيان نُشر السبت، إلى "اقتلاع كلّ غريب من أرض سورية". وشنّ الهجري هجوماً مبطناً على حكومة النظام، متهماً إياها بـ"الفساد ونهب الناس"، مؤكداً حق المواطنين بالتظاهر.
وقال: "الصمت لا يعني الرضا، فقد طاولت التصرفات والإجراءات لقمة العيش، فآن الأوان لقمع مسببي هذه الفتن والمحن ومصدري القرارات الجائرة المجحفة الهدّامة، ولنقتلع من أرضنا كل غريب وكل مسيء، وكل حارق مارق قبل أن يسرق أموالنا من موقعه". وسخر الهجري في بيانه من عبارة "الحرب الكونية" التي يرددها النظام منذ أكثر من عقد، وقال: "الحجة حرب كونية، وأي حرب كونية وأنتم تدمرون شعبكم وتحبسون مقدراته عنه، وتسقطون اقتصاده الوطني إلى الحضيض بقرارات بخسة؟".
حراك في درعا وريف دمشق
ولم تقتصر حركات الاحتجاجات على محافظة السويداء، فالتململ من سوء الأحوال المعيشية شمل العديد من مناطق سيطرة النظام، إذ شهدت بلدات عدة في محافظة درعا، جنوبي سورية، تظاهرات احتجاج ليلية. وتجمّع العشرات من أبناء درعا البلد، ليلة السبت، أمام الجامع العمري، ورفعوا أعلام الثورة وطالبوا برحيل الأسد والإفراج عن المعتقلين من سجونه. كما ردد المحتجون الهتاف الشائع "سورية لينا وما هي لبيت الأسد".
وتحت عنوان "ارحل بدنا نعيش"، شهدت بلدة جلين، بريف درعا الغربي، تظاهرة ليلية طالبت بإسقاط نظام الأسد وإطلاق سراح المعتقلين. وامتدت الاحتجاجات إلى بعض المناطق في ريف دمشق الغربي، حيث خط مجهولون كتابات جدارية مناهضة للنظام في بلدة زاكية، ما أدى إلى استنفار كبير في صفوف قوات النظام والمسلحين الموالين لها.
امتدت الاحتجاجات إلى بعض مناطق ريف دمشق الغربي، حيث خطّ مجهولون كتابات جدارية مناهضة للنظام في بلدة زاكية
وفي الساحل السوري الذي يعد الحاضنة الاجتماعية الأكبر للنظام، بدأت ترتفع الأصوات المنددة بسياسات النظام التي أدت إلى "تجويع" الناس، في ظل ارتفاع كبير بالأسعار، وهو ارتفاع دفع الكثير من أصحاب المحال التجارية في العاصمة دمشق إلى الامتناع عن فتحها بسبب عدم استقرار هذه الأسعار.
وتعليقاً على ترديد المحتجين في مدينة السويداء شعارات الثورة السورية، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "محافظة السويداء أعطت النظام أكثر من فرصة لتحسين الظروف المعيشية والأمنية التي تشهدها المحافظة"، مضيفاً: "تدرّج أهل السويداء في رسائلهم للنظام حتى وصلوا إلى هذا اليوم".
وأشار إلى أن "السويداء واكبت الثورة منذ انطلاقها في عام 2011، إلا أن إجراءات النظام حالت دون مساهمتها بشكل أوسع في الثورة"، مضيفاً: "حكمة مرجعياتها الأهلية حالت دون استخدام النظام العنف الوحشي ضد أهلها". وتابع: "ترديد أهل السويداء شعارات الثورة يعني مطالبتهم بتنفيذ كل القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، وفي المقدمة القرار 2254".