احتجاجات خوزستان في إيران: أسباب متراكمة للغضب وروايات متباينة

23 يوليو 2021
تعاني خوزستان الغنية بالنفط من الفقر والتهميش (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

تدخل احتجاجات أزمة المياه في محافظة خوزستان، جنوب غربي إيران، اليوم الجمعة، يومها الثامن. وعلى الرغم من تراجع زخمها بالمقارنة مع أيامها الأولى، إلا أن مناطق عدّة في المحافظة لا تزال تشهد تجمعات احتجاجية ليلية، أقلّه حتى أول من أمس الأربعاء، بحسب رصد "العربي الجديد". وانتقلت العدوى ليل الأربعاء - الخميس إلى مدينة يزدانشهر في محافظة أصفهان المجاورة، إذ أفادت وسائل إعلام ومنصّات اجتماعية افتراضية بتنظيم مواطنين في هذه المدينة، تجمعاً احتجاجياً محدوداً دعماً لمطالب المحتجين في خوزستان. وأدّت احتجاجات المياه في خوزستان حتى أمس الخميس، إلى مقتل ثلاثة محتجين ورجل شرطة، فضلاً عن إصابة 14 شخصاً آخرين بجروح، بينهم رجال شرطة، بحسب السلطات المحلية. وترجع هذه السلطات أسباب سقوط قتلى، إلى من تصفهم بـ"مثيري الشغب". 
مباحثات معلقة
وتندلع احتجاجات خوزستان في وقت أوقفت فيه طهران مباحثات فيينا النووية التي كانت تجريها بطريقة غير مباشرة مع الولايات المتحدة، الرامية إلى التوصل لاتفاق يعيد إحياء الاتفاق النووي (الموقع في 2015 بين إيران والدول الكبرى، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018) المترنح حالياً، وذلك بحجة الأجواء المرافقة لمرحلة انتقال السلطة التنفيذية في إيران، من الرئيس حسن روحاني إلى الرئيس المحافظ الجديد إبراهيم رئيسي (يتسلم مهامه رسمياً في 3 أغسطس/آب المقبل). لكن مصادر مطلعة كشفت لـ"العربي الجديد"، أن السبب الرئيسي لتوقف المفاوضات هو أنها لم تفض في جولاتها الست حتى الآن، إلى ما تبتغيه طهران، ما جعل مجلس الأمن القومي الإيراني يتخذ القرار بإيقافها، لإعادة تقييم الوضع، واستئنافها بعد تشكيل الحكومة الجديدة، إذا ما قرّرت ذلك اللجنة المنبثقة عن المجلس لمتابعة ملف المفاوضات، بحسب تلك المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها. 

تندلع احتجاجات خوزستان في وقت أوقفت فيه طهران مباحثات فيينا النووية

وتبتغي إيران من مفاوضات فيينا التخلص من العقوبات الأميركية الشاملة والقاسية التي وضعتها أمام أزمة اقتصادية مستمرة، قلّصت قدرات الحكومة في مواجهة الأزمات المتشعبة، من الأزمة الاقتصادية، مثل انقطاع الكهرباء وأزمة المياه ومواجهة فيروس كورونا، فضلاً عن سوء إدارة الحكومة (المتنهية ولايتها) للوضع، بحسب خبراء ومراقبين.  

وبناء على ذلك، يعتقد مراقبون أن توقيت اندلاع احتجاجات خوزستان، تزامناً مع تعثر مفاوضات فيينا، من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية إلى إعادة النظر في حساباتها، وتشديد سياسة الضغوط القصوى التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تجاه إيران. وتأمل الأطراف الغربية أن يُسّرع ذلك مفاعيل العقوبات في الداخل الإيراني، ليشكل عامل ضغط على صنّاع القرار لتقديم تنازلات في ما يخص إحياء الاتفاق النووي والموافقة على التفاوض بشأن قضايا غير نووية، مثل السياسات الإقليمية والبرنامج الصاروخي، وذلك بدل البحث عن حلول وسط لحلّ الخلافات في المفاوضات المتعثرة. 
أهمية خوزستان 
خوزستان محافظة إيرانية مطلة على الخليج، تقع جنوب غربي البلاد، وتبلغ مساحتها 64057 كيلومترا مربعا، وعدد سكانها نحو خمسة ملايين نسمة، يشكل العرب غالبيتهم. كما أن الفرس والألوار (شعب اللور) البختياريين يشكلون أيضاً نسبة كبيرة من السكّان.
وتعد خوزستان من أغنى المحافظات في إيران، لامتلاكها نحو 70 في المائة من ثروات هذا البلد النفطية والغازية، بحسب ما تؤكد تصريحات رسمية، لكن المحافظة تعاني في الوقت ذاته، من الفقر والتهميش والتمييز، حالها حال المحافظات الحدودية الإيرانية الأخرى، إذ إنها من المحافظات الأعلى من حيث نسب البطالة والفقر بين السكان. 
تعدّ خوزستان، بمركزية مدينة الأهواز، من المحافظات الهوياتية الإيرانية، التي تشكل بؤرة خصبة لاندلاع الاحتجاجات، وذلك لوضعيتها القومية الحسّاسة وتراكم مطالب قومية وسياسية واجتماعية واقتصادية فيها، واحتضانها لحركات معارضة عربية دخلت في صراع مسلّح مع الجمهورية الإيرانية، مطالبة بانفصالها وتشكيل دولة عربية. وتتصدر تلك التنظيمات، "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز"، المصنفة في إيران "منظمة إرهابية"، وأسسها عدد من العرب الإيرانيين المقيمين في أوروبا في عام 1999. وتتبنى الحركة العمل المسلح ضد إيران منذ 2005. 
وإجمالاً، تجعل ثلاثة معطيات محافظة خوزستان ذات أهمية جيوسياسية لإيران: أولاً لجهة موقعها الجيو- استراتيجي الحسّاس بالنسبة لها في المنطقة، لمجاورتها الخليج والعراق، وهو ما يحمّل المحافظة الإيرانية دلالات جغرافية وسياسية وأمنية واقتصادية قصوى. وثانياً، لكون خوزستان أغنى منطقة إيرانية بالنفط والغاز، وتشكل أهم مورد يتوقف عليه الاقتصاد الإيراني. أما ثالثاً، فللوضعية الخاصة في المحافظة التي سبق ذكرها. مع ذلك، وعلى الرغم من هذه الأهمية، يرى الخبراء أن الحكومات الإيرانية المتعاقبة انطلقت خلال العقود الماضية في تعاملها مع خوزستان، من منطلقات أمنية، من دون اتباع سياسة تنموية تؤدي إلى إعمار المحافظة وتنميتها، بشكل يتناسب مع موقعها ودورها الكبير في تنمية البلاد، خصوصاً لكونها مصدر الدخل الأساسي، حيث يتوقف اقتصاد إيران على عوائد صادرات النفط والغاز.  
وفي السياق، تظهر تصريحات رئيس تكتل نواب خوزستان في البرلمان الإيراني، عبد الله إيزد بناه، الموقع الذي تحتله المحافظة، بقوله قبل أسبوع، إن "انعدام الأمن في خوزستان يعني انعدامه في كل البلاد"، مشيراً إلى أن أمن المحافظة مهدد بسبب "الأخطاء الإنسانية والقرارات الخاطئة"، وفقاً لما أوردته وكالة "إيسنا". كما أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، أكد في تصريحات له، أمس الخميس، أن خوزستان "هي القلب النابض لإيران، وتكتسب أهمية لنا جميعاً". وشدّد المرشد الإيراني علي خامنئي، أول من أمس الأربعاء، على أن من واجب المسؤولين الإيرانيين متابعة مشاكل خوزستان والعمل على حلّها. وأعلن أمين سرّ المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، المتحدر من خوزستان، أمس، إصدار الأوامر بإطلاق سراح الموقوفين في احتجاجات خوزستان ممن لم يرتكبوا أعمالاً إجرامية، وذلك بعد اجتماعه بالرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي. أما رئيسي، فدعا إلى عدم الانتظار لتشكيل حكومته، مطالباً باهتمام بالغ بالمحافظة، وبمحافظات أخرى.  
خريطة الاحتجاجات 
على عكس احتجاجات عدة كانت شهدتها خوزستان خلال العقود الماضية، وطغى عليها الطابعان القومي والسياسي، خصوصاً احتجاجات 2005، أشعلت عوامل اقتصادية احتجاجات المحافظة الأخيرة التي اندلعت قبل أسبوع، وتحديداً أزمة المياه في المحافظة، والتي اشتدت لدرجة أصبحت مدن وقرى فيها تعاني من شح حاد في المياه وانعدامها في بعض الحالات. فبحسب تقارير رسمية، تعاني 702 قرية في المحافظة من انعدام المياه، وهي تحتاج إلى نقلها إليها عبر شاحنات تحمل خزّانات لنقل المياه، فضلاً عن أن مدناً في خوزستان تعاني من شحّ كبير في المياه.  

قد تدفع الاحتجاجات الولايات المتحدة وأطرافاً أوروبية إلى تشديد سياسة الضغوط القصوى على إيران

إلى ذلك، زاد الاحتقان جفاف مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وتكبد المزارعين خسائر كبيرة، بالإضافة إلى تعرض بيئة المحافظة المحتضنة لحيوانات برّية لخطر محدق، بعد جفاف هور العظيم، أحد أكبر أهوار إيران (مناطق منخفضة رطبة).  
ويأتي كلّ ذلك، بالإضافة إلى تقارير تحدثت عن مشاريع نقل مياه نهر كارون في خوزستان إلى محافظات جارة، وخصوصاً أصفهان، ما أثار غضب سكّان المحافظة ودفعهم في بعض مدنها إلى النزول للشوارع للاحتجاج على أزمة المياه فيها. ويؤكد الخبراء أن خوزستان غنية بالموارد المائية، وأن الوضع الراهن فيها ليس مرده فقط الجفاف الذي يضرب كل إيران، بل بسبب سوء إدارة السلطات للموارد المائية، وقراراتها الخاطئة. 
هكذا شكّلت أزمة المياه الشرارة التي أطلقت الاحتجاجات في المحافظة، لكن ثمة تراكمات عوامل أخرى عملت على تغذيتها، لاسيما الأزمة الاقتصادية التي تطاول كل إيران، وفي مقدمتها المحافظات النائية، مثل خوزستان. هذا الأمر، ساهم في استمرار الاحتجاجات على مدى أسبوع كامل، وانضمام مناطق أخرى في المحافظة إليها، على الرغم من قيام السلطات المحلية بتبني حلول مؤقتة لمعالجة معاناة الأهالي في توفير المياه.  
وكانت الاحتجاجات قد انطلقت في خوزستان، يوم الخميس في 15 يوليو/تموز الحالي، وذلك في 11 مدينة فيها، من أصل 54 مدينة، مع رفع مطالب تتعلق بتوفير المياه. ورفع المحتجون هتافات طالبت بمعالجة الأزمة، لكن هذه الهتافات، تطورت مع مرور الوقت، حيث تحولت في بعض الأحيان إلى هتافات سياسية. وتمركزت الاحتجاجات في مدن جنوب خوزستان وغربها، لكنها طاولت خلال الأيام الماضية، مدينة إيذة في شرقي المحافظة. وبالمجمل، سجلت تجمعات احتجاجية منذ أسبوع في نحو 15 مدينة، تحولت إلى تجمعات ليلية منذ اليوم الثاني من اندلاعها، أي منذ يوم الجمعة الماضي. لكن مع مرور الأيام، سجّل تراجع عدد المدن التي تشهد التجمعات، لتتمركز خلال اليومين الأخيرين في مدن إيذة وشادغان وسوسنغرد. وليل الأربعاء - الخميس، ذكرت وكالة أنباء التلفزيون الإيراني، أن خوزستان سجّلت "ليلة هادئة نسبيا"، مشيرة إلى "تنظيم تجمعات سلمية ومن دون رفع هتافات منتهكة للحرمات (هتافات سياسية)". 
حرب الروايات 
بحسب ما رصد "العربي الجديد"، فإن الأيام الثلاثة الأولى من الاحتجاجات في خوزستان، شكّلت التجمعات الأعلى من حيث عدد المشاركين، والأوسع من حيث نطاقها، مقارنة بالأيام الأخيرة الماضي. ويمكن الحديث عن عوامل عدة ساهمت في هذا التراجع، الأول هو تبني السلطات لحلول عاجلة ومؤقتة لإيصال المياه إلى المحافظة، وضخ نسبة أكبر منها من سد "كرخه"، وهو أكبر سد ترابي في منطقة الشرق الأوسط، إلى المزارع والأهوار، ما من شأنه أن يساهم في تنفيس الأزمة ودفع بعض المحتجين إلى التزام البيوت. وفي السياق، أشار التلفزيون الإيراني، أمس، إلى أن الحرس الثوري الإيراني وقوات "الباسيج" قاموا بإيصال المياه إلى 20 في المائة من مساحة خوزستان عبر خزانات نقل المياه، وذلك لـ702 قرية. 
أما السبب الثاني لتراجع الاحتقان، فهو وجود مخاوف من تحول مسار الاحتجاجات إلى أعمال عنف، غذّتها حوادث شهدتها بعض التجمعات الاحتجاجية، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى، كتلك التي شهدتها مدينتا إيذة وشادغان خلال اليومين الماضيين. 
وفي هذا السياق، ثمّة حرب روايات بين السلطات وبين محتجين ومنصات اجتماعية افتراضية، إذ إن السلطات الإيرانية ووسائل الإعلام الرسمية تتهم "معادي الثورة والمندسين" بالسعي لحرف الاحتجاجات عن مسارها السلمي المطلبي عبر رفع هتافات سياسية، مع توجيه اتهامات إلى وسائل إعلام أجنبية مثل قناتي "إيران إنترناشيونال" التي تتهم طهران السعودية بتمويلها، و"بي بي سي" الفارسية، بتأليب الشارع في خوزستان وحرف مطالبه "المحقة" ورفع سقفها من المطالب الاقتصادية إلى  أخرى سياسية. 

تعد خوزستان من أغنى المحافظات الإيرانية بالنفط، لكنها تعاني من الفقر والتهميش

إلى ذلك أيضاً، تتهم السلطات الإيرانية مجموعات معارضة، مثل "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" التي رفعت أعلامها في بعض التجمعات، بإثارة الشغب في التجمعات السلمية. في المقابل، يرى مراقبون على شبكات التواصل الاجتماعي، أن تلك الرواية مسوغة لإخماد الاحتجاجات بـ"قوة" وتخويف المواطنين من المشاركة فيها. 
وتجري الاحتجاجات على وقع "خلل كبير"، أصاب شبكة الإنترنت في المحافظة، بحسب حسابات افتراضية، وهو ما أشارت إليه شبكة "نت بلوكس" المعنية بمراقبة أنشطة الإنترنت، التي تحدثت أول من أمس الأربعاء، عن حدوث "خلل كبير" في خدمة الإنترنت على الهاتف المحمول في خوزستان. وكانت الشبكة ذاتها قد أشارت يوم الجمعة الماضي إلى "اختلال كلّي وجزئي يختلف باختلاف مزود الخدمة"، وذلك في اليوم التالي لاندلاع الاعتراضات. 
كما انتشرت خلال أسبوع من الاحتجاجات، فيديوهات على شبكات التواصل، تظهر تواجداً كثيفاً في مناطق الاحتجاجات لرجال الأمن الداخلي وقوات مكافحة الشغب. كما تتضمن المقاطع عمليات إطلاق نار واشتباكات في بعض التجمعات. أما بالنسبة لمسببات الاشتباكات وإطلاق النار، فتختلف الروايات، بين الرواية الرسمية التي توجه أصابع الاتهام لـ"المندسين ومجموعات المعارضة"، والرواية الأخرى التي تتهم السلطات بذلك.  
ورأى روحاني، الذي يتعرض لانتقادات لعدم قيامه بزيارة خوزستان بعد، أمس، أن "الاحتجاج حق للمواطنين في خوزستان". وأضاف أن "أفراداً معدودين يمكن أن يرفعوا هتافات، لا يمثلون أهالي خوزستان، ويمكن أن يرفع شخص غير مهذب السلاح"، داعياً المواطنين في المحافظة إلى "متابعة المشاكل عبر الطرق القانونية وعدم السماح للعدو باستغلالها".
وخلال الأيام الماضية، عبّر نشطاء وفنانون إيرانيون عن تضامنهم مع سكان خوزستان ودعمهم لمطالبهم في مواجهة أزمة المياه، سواء عبر المنصات الافتراضية أو تنظيم تجمعات في العاصمة طهران. وفي الإطار، نظم نشطاء مدنيون ومعتقلون سابقون، من بينهم الناشطة نرجس محمدي، تجمعاً احتجاجیاً الثلاثاء الماضی، أمام مقر وزارة الداخلية للتضامن مع أهالي خوزستان، حيث اعتقلوا لساعات قبل أن يتم الإفراج عنهم، بالإضافة إلى تنظيم فنانين ومخرجين إيرانيين، أول من أمس، تجمعاً أمام "بيت الفنانين" في طهران، رافعين لافتات تدعو إلى حل سريع لمعضلة المياه في المحافظة.

وأعاد نشطاء وشخصيات إيرانية، فيديوهات للاحتجاجات، مطالبين بالتجاوب مع مطالب المحتجين التي وصفوها بأنها "عادلة ومحقة". وفي السياق، أعادت نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة، معصومة ابتكار، نشر مقطع صوتي لمحتجة على حسابها، تقول فيه "مظاهراتنا سلمية. نريد الماء"، فعلقت ابتكار عليه بالقول إن "هذا الصوت لامرأة وأم، وعلى عكس ما يريده الأجانب هي لا تريد العنف والاشتباك والفوضى وتطالب بحقها"، داعية إلى الاستماع لأصوات المواطنين.  

تقارير دولية
التحديثات الحية
المساهمون