احتجاجات جرمانا تربك النظام السوري... الغضب الشعبي يصل لأطراف دمشق

11 يوليو 2024
من أحد شوارع جرمانا (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **احتجاجات جرمانا:** شهدت جرمانا احتجاجات بسبب تردي الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء، حيث أغلق السكان ساحتي "الرئيس" و"السيوف" بالسيارات والدراجات النارية.
- **تدهور الأوضاع المعيشية:** تعاني البلدة من نقص حاد في الخدمات الأساسية وازدحام سكاني كبير، مما دفع السكان، بمن فيهم النازحون، إلى الاحتجاج.
- **موقف النظام السوري:** يتردد النظام في قمع الاحتجاجات نظراً للتركيبة السكانية والموقع الجغرافي الحساس للبلدة، ويعتمد على شخصيات درزية لاحتواء الوضع.

تدخل بلدة جرمانا الواقعة على أطراف العاصمة دمشق الجنوبية الشرقية دائرة الاحتجاجات على تردي الأوضاع الخدمية واستمرار انقطاع التيار الكهربائي، بعدما شهدت يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، حراكاً شعبياً، في خطوة من المتوقع أن تُربك النظام الذي يفرض قبضة أمنية مشدّدة على العاصمة السورية ومحيطها.

وترجمت الاحتجاجات بإغلاق العشرات من سكان جرمانا التي يُنظر إليها على أنها من أحياء العاصمة، ليلاً، ساحتي "الرئيس" و"السيوف" بالسيارات والدراجات النارية، مطالبين بتوفير الكهرباء والماء للسكان.

السلطات المحلية في جرمانا تقدم الخدمات لـ500 ألف نسمة بحسب السجلات المدنية، بينما يستخدمها في الواقع ما لا يقل عن 3 مليون

ويتردد النظام السوري في قمع الاحتجاجات في جرمانا، لأن غالبية سكانها من الطائفة الدرزية التي بذل النظام جهوداً كبيرة لإبقائها على هامش ما يجري في البلاد، إلا أن تردي الأوضاع المعيشية دفع أبناء هذه الطائفة إلى الانفجار؛ أولاً في محافظة السويداء، جنوب سورية، وهو حراك تواصل وحمل لاحقاً أبعاداً سياسية.

حياة لا تطاق في جرمانا

"الحياة لم تعد تطاق في جرمانا وفي كل المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام"، يقول مدحت طرودي في حديث مع "العربي الجديد"، مضيفاً: "لا كهرباء ولا ماء ولا فرص عمل، ولا خدمات من أي نوع. نحن نعيش في بؤس". ويتابع: "الأصعب من كل هذا أنه لا تلوح في الأفق أي بوادر انفراج، والمسؤولون يكذبون ووعودهم زائفة في تحسين الأوضاع". وإلى جانب الدروز، "هناك عدد كبير من النازحين من مختلف المحافظات السورية في جرمانا التي باتت مكتظة بالسكان"، وفق طرودي الذي يؤكد أن الاحتجاجات "مستمرة". وبرأيه، فإنه "ربما تتراجع الاحتجاجات بعض الشيء، ولكنها سرعان ما تعود، ما دامت الأوضاع كما هي لا تتقدم".

ولطالما اعتبر النظام السوري جرمانا من المناطق المؤيدة له، رغم اشتعال محيطها بالثورة، بدءاً من بلدات بيت سحم وعقربا من الجنوب، واللتين يفصلهما عن جرمانا طريق المطار الدولي، مروراً ببلدات شبعا والمليحة وجسرين وكفر بطنا وعين ترما، وصولاً إلى جوبر في الشمال. 

ويشير ناصر الشامي، وهو أحد سكان جرمانا، إلى أن "الأمان النسبي في البلدة وجد العديد من تجار دمشق فيه الفرصة الأفضل للإنتاج لقربهم من دمشق وتوفر اليد العاملة والخدمات العامة". ويضيف: "هذا ما أنعش البلدة وزاد من تمسكها بحالة الرفض لأي حراك ضد السلطة بما فيه الحراك الدائر في السويداء". ويتابع: "لكن سوء الخدمات منذ أكثر من عام، وخصوصاً الكهرباء والمياه وتردي الوضع الاقتصادي والحياة المعيشية، والحراك الشعبي المستمر ضد النظام في السويداء، دفع سكان البلدة من الدروز للخروج إلى الشارع للتعبير عن غضبهم".

من جهتها، تقول المواطنة هالة سلطان إن البلدة "لم تعد تلك التي نعرفها، حيث عمّ البؤس جوانبها"، مضيفة في حديث مع "العربي الجديد" أن "النظام لن يتحرك لتحسين الأحوال إذا لم يتحرك الشارع احتجاجاً على سوئها". وتلفت إلى أن "السلطات المحلية تقدم خدمات المياه والكهرباء والهاتف وغيرها لمكون سكّاني رسمي لا يتجاوز 500 ألف نسمة بحسب السجلات المدنية، بينما يستخدم هذه الخدمات ما لا يقل عن ثلاثة ملايين نسمة بحسب التقديرات غير الرسمية"، مؤكدة أن "جرمانا تكتظ بالنازحين والقادمين من كل المحافظات". وتبيّن سلطان أن الكثير من شبّان المنطقة "هاجروا أو في طريقهم إلى ذلك بسبب تدني الحالة المعيشية وندرة فرص العمل"، مضيفة أنه "حتى هذه اللحظة، فإن مطالب الناس في جرمانا خدمية ولكن عدم الاستجابة من المسؤولين ربما يدفعهم إلى رفع سقف المطالب مثلما حدث في السويداء تماماً".

جرمانا تضامنت مع السويداء قبل نحو عام، إلا أن محافظها هدّد حينها بالفوضى

وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها جرمانا احتجاجات، حيث كان السكان حاولوا خلال السنوات الماضية التعبير عن غضبهم، إلا أن النظام كان سرعان ما يبادر إلى تطويق أي احتجاج عن طريق مجموعات محلية تابعة لأجهزته الأمنية. وكانت جرمانا تضامنت مع محافظة السويداء قبل نحو عام، وخرج السكّان في تظاهرات غاضبة، إلا أن محافظ ريف دمشق حينها صفوان أبو سعدة، والمتحدر من السويداء، أقنع وجهاء البلدة بالتوقف، مهدداً بالفوضى الأمنية في حال استمرار هذه التظاهرات.

وتعد جرمانا خاصرة دمشق من الناحية الجنوبية الشرقية، وخط دفاع عن طريق المطار والعاصمة، لذا من المتوقع ألا يتساهل النظام مع الحراك في البلدة والذي في حال استمراره يمكن أن يدفع أحياء أخرى في العاصمة للتحرك وهو ما يعد من الخطوط الحمراء لدى النظام.

خيارات النظام

ويتردد النظام في استخدام القوة ضد المحتجين، سواء في جرمانا أو في محافظة السويداء، نظراً للخصوصية التي يتمتع بها مكونها السكاني، مع حرص النظام على إبقاء ورقة الأقليات بيده والتي رفعها في وجه المجتمع الدولي منذ عام 2011 واتخذ منها ذريعة للفتك بالسوريين المطالبين بالتغيير. كما لا يمكن للنظام إلصاق التهم الجاهزة لديه بسكان جرمانا والسويداء وهو ما يجعله شبه عاجز أمنياً وعسكرياً عن التدخل كما حدث في بقية المناطق السورية.

نورس عزيز: موقع جرمانا الجغرافي لا يسمح للنظام على الإطلاق بالتساهل مع استمرار الاحتجاجات

لكن الكاتب والصحافي نورس عزيز، يرى في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك اختلافاً كبيراً بين الحراك في السويداء وفي جرمانا، لافتاً إلى أن "موقع جرمانا الجغرافي لا يسمح للنظام على الإطلاق بالتساهل مع استمرار الاحتجاجات". وبرأيه فإن "حراك السويداء سياسي بامتياز أما الحراك في جرمانا فهو خدمي لا أكثر وأقل وفي حال استمراره سيعمد النظام إلى بتره، إذ لن يتساهل أبداً مع بقائه في جرمانا خشية امتداده إلى المحيط".

من جهته، يرى كاتب ثانٍ مقيم في حي جرمانا طلب عدم ذكر اسمه لأسباب تخص سلامته، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام لن يعمد إلى استخدام القوة في البلدة لأسباب بات الكل يعرفها"، مضيفاً أن "العنف هناك يعني تحركاً شعبياً واسعاً من قبل الدروز السوريين في دمشق وفي صحنايا والسويداء وريف القنيطرة". ويُعرب الكاتب عن اعتقاده بأن "أهم أسباب عدم قمع الحراك في السويداء هو الخشية من انتفاضة في جرمانا وصحنايا (جنوب دمشق) وهذا ما لا يريده النظام وعمل على تفاديه منذ عام 2011". ويشير إلى أن النظام "يعتمد على شخصيات من الطائفة الدرزية مرتبطة به ومصالحها معه من أجل التعامل مع أي حراك ضده وخصوصاً في جرمانا والسويداء"، مضيفاً: "يدرك النظام خطورة انفجار الأوضاع في البلدة الواقعة على أطراف دمشق، لذا سيعمد على التعامل معها بهدوء، وربما يعمل على تحسين الأوضاع الخدمية فيها، لاحتواء استياء السكان".


 

المساهمون