أنهى أكثر من 10 قادة سياسيين عراقيين، يمثلون قوى وكتلاً مختلفة، اجتماعاً مغلقاً في العاصمة بغداد بحضور رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، والمبعوثة الأممية إلى العراق جينين بلاسخارت، واستمر الاجتماع أكثر من ساعتين، في ثاني جلسات الحوار التي تعقد برعاية حكومية مع غياب تام لـ"التيار الصدري" أو من ينوب عنه في الاجتماع.
وأصدر المجتمعون بياناً مشتركاً من المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، جاء فيه أنه "استمراراً لمبادرة الحوار الوطني، اجتمعت الرئاسات مع قادة القوى السياسية الوطنية العراقية بدعوة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، اليوم الإثنين، لمناقشة التطورات السياسية، وبحضور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق".
وأضاف البيان أن المجتمعين أكدوا "أن تطورات الأوضاع السياسية وما آلت إليه من خلافات تحمّل الجميع المسؤولية الوطنية في حفظ الاستقرار، وحماية البلد من الأزمات، ودعم جهود التهدئة، ومنع التصعيد والعنف، وتبني الحوار الوطني، للتوصل إلى حلول، مشددين على ضرورة استمرار جلسات الحوار الوطني".
بيان
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء 🇮🇶 (@IraqiPMO) September 5, 2022
.....
استمراراً لمبادرة الحوار الوطني، اجتمعت الرئاسات مع قادة القوى السياسية الوطنية العراقية بدعوة من رئيس مجلس الوزراء @MAKadhimi ؛ لمناقشة التطورات السياسية، وبحضور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق.
وخلص الاجتماع إلى الاتفاق على ما يأتي: pic.twitter.com/YOLv0hG8t0
كما قرر المجتمعون "تشكيل فريق فني من مختلف القوى السياسية، لتنضيج الرؤى والأفكار المشتركة حول خريطة الطريق للحل الوطني، وتقريب وجهات النظر، بغية الوصول إلى انتخابات مبكرة، وتحقيق متطلباتها بمراجعة قانون الانتخابات، وإعادة النظر في المفوضية"، وفقاً لما جاء في البيان.
وحملت النقطة الثالثة من الاجتماع التأكيد على "تفعيل المؤسسات، والاستحقاقات الدستورية"، إلى جانب "دعوة التيار الصدري للمشاركة في الاجتماعات الفنية والسياسية، ومناقشة كل القضايا الخلافية، والتوصل إلى حلول لها".
كما أكد المجتمعون على "ضرورة تنقية الأجواء بين القوى الوطنية، ومن ضمن ذلك منع كل أشكال التصعيد، ورفض الخطابات التي تصدر أو تتسرب وتسبب ضرراً بالعلاقات الأخوية التاريخية، ومعالجتها من خلال السبل القانونية المتاحة، وبما يحفظ كرامة الشعب العراقي، ومشاعره، واستحقاقاته، واحترام الاعتبارات الدينية والسياسية والاجتماعية".
وختم البيان بأن المجتمعين شددوا على ضرورة تحقيق الإصلاح في بنية الدولة العراقية، وتثمين المطالبة بمعالجة أي اختلال في أطر العمل السياسي أو الإداري من خلال التشريعات اللازمة، والبرامج الحكومية الفعالة، وبتعاون كل القوى السياسية، وبدعم من شعبنا العزيز، ومن ضمن ذلك مناقشة أسس التعديلات الدستورية، والتمسك بالخيارات الدستورية في كل مراحل الحوار والحل".
وشهد الاجتماع مشاركة واسعة لقيادات تحالف "الإطار التنسيقي"، وأبرزهم هادي العامري زعيم كتلة "الفتح"، وعمار الحكيم زعيم "تيار الحكمة"، ونوري المالكي زعيم "ائتلاف دولة القانون"، وفالح الفياض زعيم "الحشد الشعبي" وكتلة "عطاء"، وزعيم كتلة "النصر"، رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
كما شهد الاجتماع مشاركة رئيس تحالف "السيادة" خميس الخنجر، ووزير الخارجية فؤاد حسين ممثلاً عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، وبافل الطالباني رئيس "حزب الاتحاد الوطني الكردستاني".
في السياق ذاته، أبلغ مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء العراقية "العربي الجديد"، بأن "الاجتماع شهد عددا من وجهات النظر والطروحات المتباينة المتعلقة بكيفية الخروج من الأزمة".
مضيفاً أن قوى "الإطار التنسيقي" ركزت على أهمية "إعادة تفعيل البرلمان وعقد جلساته بعد انتهاء المراسم الدينية للزيارة الأربعينية في كربلاء، ثم الخوض بعدها بقضية حل البرلمان والإجراءات المتعلقة بهذا الصدد".
وبين المصدر، الذي طلب عدم كشف اسمه، أنَّ "قوى الإطار التنسيقي أعلنت رفضها لما جاء في بعض النقاط التي حملها بيان رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، أمس الأحد، كما حملته مسؤولية استمرار تعطيل عمل البرلمان لأسباب وصفتها بالحزبية والسياسية".
وأضاف أنَّ "الاجتماع لم يحقق تقدما ملموسا في ما يخص الأزمة، كما أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أبلغهم بأن اجتماعاً ثالثاً سيكون قريباً يجمع القوى السياسية بهدف الوصول إلى حلول، مع دعوته إلى إيقاف أي تصعيد قد يدفع التيار الصدري إلى النزول من جديد للشارع العراقي".
معتبراً أنّ تشكيل اللجنة المصغرة التي ذكرها البيان تبقى رهن قبول الصدر انتداب أحد من تياره إليها ومدى إمكانية ترجمة ما تتوصل إليه على أرض الواقع".
بالتزامن مع دخول القيادات السياسية العراقية الاجتماع، أصدر مقتدى الصدر بياناً تحدث فيه عن "الاستمرار على الإصلاح"، في خطوة فهم منها رسالة للاجتماع الذي يقاطعه للمرة الثانية.
وقال الصدر مخاطباً أنصاره: "استمروا على الإصلاح مهما حدث، فأنا وأصحابي لا شرقيون ولا غربيون، ولن يحكم فينا (ابن الدعي) كائناً من كان".
من جانبه، قال القيادي في تحالف "الإطار التنسيقي" عائد الهلالي لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع في القصر الحكومي لم يخرج بما كان يأمل الشارع منه أن يساهم في إيجاد حل للأزمة السياسية، خصوصاً مع استمرار التيار الصدري في مقاطعة هذه الاجتماعات، التي تهدف للوصول إلى تفاهمات ما بين الإطار والتيار بصورة خاصة".
وبين الهلالي أنّ "الإطار التنسيقي ثابت على موقفه بالسير وفق الإجراءات القانونية والدستورية لحل مجلس النواب وتحديد موعد الانتخابات المبكرة، خصوصاً مع تعديل القانون وإجراء تغييرات جوهرية في المفوضية، وهذا ما يرفضه التيار الصدري، حتى لم تم حل البرلمان، وأعلن ذلك بشكل رسمي وصريح".
وأضاف أنّ "بقاء الأزمة دون حلول خلال الأيام المقبلة، سيدفع قوى الإطار التنسيقي إلى عقد جلسة برلمانية ما بعد انتهاء زيارة الأربعين بهدف انتخاب رئيس الجمهورية، والمضي بإكمال تشكيل الحكومة، فهذا القرار لا تراجع عنه، حتى لو كان هناك اتفاق سياسي لحل البرلمان".
في السياق، قال المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي لـ"العربي الجديد"، إن "نتائج جلسة الحوار الوطني الثانية، لم تكن مختلفة عن الجلسة الأولى، فقد انتهت دون حلول أو تفاهمات واضحة حيال الأزمة، بسبب مقاطعة التيار الصدري لهذه الجلسات، وهو عنصر أساسيّ ومهم في الأزمة الحالية".
وبين أنَّ "تمسك باقي الأطراف السياسية بمواقفها وخصوصاً الإطار التنسيقي، يعني عدم حل الأزمة، ولهذا اجتماع اليوم لم يختلف عن الاجتماع السابق، وهذا ما يؤكد عمق الأزمة، وقد نكون أمام عودة التصعيد مجدداً".
وأضاف المحلل السياسي أن "تغريدة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، التي نشرها خلال الاجتماع، أوضحت أنه لا حلول بهذا الاجتماع، وهو رافض لكل ما يتم الاتفاق عليه خلال الاجتماع، الذي قاطعه التيار الصدري".
مسببات أساسية للأزمة
وتتلخص محاور الأزمة السياسية العراقية بشكل مختصر حالياً في إصرار قوى الإطار التنسيقي"، الذي يضم القوى السياسية القريبة من طهران، على استئناف جلسات البرلمان العراقي ومعاودة عمله بشكل كامل، وانتخاب رئيس جمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات بدلاً عن حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، ثم الذهاب نحو تعديل قانون الانتخابات الحالي، الذي تراه قوى "الإطار التنسيقي"، سبباً في تراجع مقاعدها البرلمانية بالانتخابات الأخيرة، كما تصر على تغيير مفوضية الانتخابات، قبل الذهاب إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
في المقابل يرفض التيار الصدري ذلك، ويصر على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال 9 أشهر، كما يطرح تعديل الفقرة 76 من الدستور المتعلقة بالكتلة الأكبر التي يحق لها تشكيل الحكومة، مع رفعه مطلباً آخر، وهو تعديل قانون المحكمة الاتحادية لتكون أكثر استقلالية عن الأحزاب السياسية التي تولت فعلياً منذ عام 2005 اختيار أعضاء هذه المحكمة وعددهم 11 عضوا، بطريقة المحاصصة الطائفية والحزبية.
إلى جانب ذلك يرفض التيار الصدري أيضاً تعديل قانون الانتخابات ويصر على بقائه، وهو القانون الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة والفوز للنائب الأعلى أصواتاً، على خلاف القانون السابق المعروف بقانون "سانت ليغو" الذي منح أغلبية عددية للقوى السياسية الكبيرة على حساب القوى السياسية الناشئة والصغيرة، بسبب بند القاسم العددي في توزيع أصوات الدوائر الانتخابية، كما يرفع الفيتو أمام أي حكومة تتشكل سواء كانت مؤقتة أو دائمة، من خلال مشاركة كتلتي "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي و"صادقون"، بزعامة قيس الخزعلي.
فيما لمح التيار الصدري إلى قبوله إسناد ذلك للمستقلين كحل وسط، على لسان أعضاء فيه خلال تصريحات سابقة لهم.