اتفاق السودان... عدّ تنازلي للحظة حل الأزمة

21 مارس 2023
أكد البرهان أنه لن يتراجع عن دعم حكومة مدنية (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

بدأ العد التنازلي في السودان للاتفاق النهائي بين المدنيين والعسكر، الذي من المفترض أن يطوي صفحة الخلافات وينهي حالة الانقلاب العسكري ويعيد السلطة للمدنيين. واتفقت الأطراف، أول من أمس الأحد، على جدول زمني يُسرّع خطوات التسوية السياسية.

ويبدأ ذلك بالتوقيع على الاتفاق النهائي في الأول من إبريل/ نيسان المقبل، وبعده بخمسة أيام، أي في السادس من إبريل، يكتمل التوقيع على الدستور الانتقالي المقرر أن يحكم الفترة الانتقالية المقررة، على أن تُتوج الخطوات في الحادي عشر من الشهر ذاته بالبدء في تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي أولاً، بتسمية اسمي رئيس المجلس السيادي ورئيس مجلس الوزراء الذي عليه التشاور سريعاً لتشكيل الحكومة.

السودان: لجنة لصياغة الاتفاق النهائي

وقررت الأطراف في الاجتماع المطوّل الذي عُقد الأحد، تكوين لجنة من 11 من الشخصيات القانونية والسياسية لصياغة الاتفاق النهائي استناداً إلى مرجعية الاتفاق الإطاري "المبدئي" الموقّع في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع وأكثر من 40 حزباً سياسياً وأجسام نقابية ناهضت انقلاب قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

كما تستند صياغة الاتفاق إلى مرجعية إعلان سياسي تمّ التوافق حوله مع أحزاب وحركات مسلحة، رفضت التوقيع على الاتفاق الإطاري، واستناداً كذلك إلى مرجعية مشروع دستور انتقالي أعدته نقابة المحامين السودانيين وشكّل أساس عملية التسوية الحالية، إضافة إلى مرجعية توصيات مؤتمرات وورش عُقدت خلال الأسابيع الماضية متعلقة بتحديد خريطة طريق تفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وملف شرق السودان، واستكمال السلام، والعدالة الانتقالية وورشة أخرى ستعقد في الأيام المقبلة عن تفاصيل الإصلاح الأمني والعسكري.

كوّنت أطراف الاتفاق لجنة من 11 من الشخصيات القانونية والسياسية لصياغة الاتفاق النهائي

وتعود أسس التسوية السياسية الحالية بين العسكر والمدنيين إلى منتصف العام الماضي، حين أعلنت المؤسسة العسكرية بعد 8 أشهر من فشل انقلابها العسكري وعجزها عن تشكيل حكومة وعن مواجهة الضغوط الشعبية المناهضة للانقلاب والضغوط الخارجية، نيّتها الانسحاب من المشهد السياسي والعودة إلى الثكنات وترك أمر السلطة لتوافق بين المدنيين، وتعهدها بتسليم السلطة لهم متى ما توصلوا إلى اتفاق.

دفع ذلك سفراء 4 دول، هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، إلى تبني وساطة جمعت العسكر وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير في لقاءات مباشرة وغير مباشرة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة.

وانتهت تلك المبادرة المدعومة أيضاً من آلية ثلاثية مكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "ايغاد"، بالتوقيع على الاتفاق الإطاري في ديسمبر على أن تستكمل بعض تفاصيل الاتفاق النهائي بعقد ورش ومؤتمرات يشارك فيها أصحاب المصلحة للتقرير بتوصيات في مواضيع لم تُحسم في الاتفاق الإطاري.

وتعرضت التسوية لارتدادات من قِبل العسكر في فترة من الفترات بالتحفظ على دعم الاتفاق بحجة عدم شموله لأطراف سياسية، لكنهم سرعان ما تجازوا ذلك وأظهروا من جديد حماسهم للتوصل إلى اتفاق نهائي، كما ذكر قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، أول من أمس، من تأكيدات وتعهدات بعدم التراجع عن دعم قيام حكومة مدنية من دون مساومة أو ابتزاز.

وأشار البرهان في كلمة خلال افتتاح فرع للمؤسسة العسكرية التعاونية، إلى أن قيادة القوات المسلحة أقدمت على العملية السياسية الجارية بقلب مفتوح وتريد أن يحصل الشعب على حكومة مدنية، تقدّم للناس الخدمات وتقف على قضاياهم بالحق، وليس بالتدليس والتزوير أو أي نهج قد يقود إلى تدمير البلاد أو يوردها موارد الهلاك.

ولفت البرهان إلى أن المؤسسة العسكرية رحبت برغبة الكثيرين من قطاعات الشعب بالخروج من العملية السياسية لإفساح المجال للقوى المدنية التي ينتظر أن تكون واعية ومدركة لاحتياجات الشعب، وتكون قوى سياسية حقيقية وليست مزيفة. وحذر من استخدام بديل للقوات المسلحة، وشدّد على أنها محاولات لن تنجح، لأن البديل المقلد لن يصمد ولن يتحول إلى أصيل، على حدّ تعبيره.

توقعات بتسوية نهائية سلسة

ولا يبدو أن هناك عراقيل أساسية قد تعيق إكمال المرحلة النهائية لعملية التسوية السياسية بين العسكر والمدنيين، باستثناء إصرار "تحالف الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية"، المكون من أحزاب سياسية وحركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام مع الحكومة، على رفض تلك التسوية والانضمام إليها. وكانت آخر مظاهر تحفظات هذا التحالف رفضه المشاركة في اجتماع الأحد، ومطالبته بتمثيل عادل للأطراف والاتفاق على آلية اتخاذ القرار وعلى مرجعيات الحوار.

وحمّل التحالف في بيان مساء أمس أطراف التسوية السياسية من المدنيين والمكون العسكري مسؤولية فشل الانتقال المدني والديمقراطي في البلاد.

وأعلن عدم مشاركته في اجتماعات "العملية السياسية النهائية" بسبب عدم الاتفاق على "الأطراف المشاركة، ولعدم الاتفاق على آلية اتخاذ القرار وعلى الأسس والمرجعيات التي تستند إليها عملية الحوار"، موضحاً أنه "حريص على الحوار الشامل الذي لا يستثني إلا المؤتمر الوطني"، وجدد تمسكه بعملية "حوارية متكافئة لا غلبة فيها لطرف على اخر، وبتمثيل منصف وآلية عادلة لاتخاذ القرار تستند الى مرجعيات متوافق عليها بين الأطراف".

وللتعاطي مع موقف الرفض هذا، قرّرت أطراف التسوية السياسية تشكيل لجنة خاصة للتواصل مع الرافضين جميعهم وحثّهم على اللحاق بالعملية السياسية والمشاركة في صياغة الاتفاق النهائي وإعداد الدستور، وفق ما قال المتحدث الرسمي باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، في تصريحات صحافية.

مبارك أردول: قوى التسوية تريد تكرار تجربة حزب المؤتمر

لكن هذه المهمة تبدو صعبة، كما قال القيادي في "تحالف الكتلة الديمقراطية" مبارك أردول، الذي وصف ما يدور بعملية إقصاء ممنهجة لأنه ليس من حق أي حزب تحديد من هم أطراف العملية السياسية ومشاركته في اتخاذ القرار.

وأوضح أردول في مؤتمر صحافي، أن "الكتلة الديمقراطية" اشترطت مشاركة كل مكوناتها وهذا ما رفضته الأطراف الأخرى التي تصّر على مشاركة حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل فقط.

وطالب أردول قائد الجيش باتخاذ موقف واضح بعدم الانحياز لأي من المكونات السياسية، كما طالب قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالموقف نفسه. وأضاف أردول أن قوى التسوية تريد تكرار تجربة حزب المؤتمر الوطني بالانفراد بالسلطة لمدة 30 عاماً واحتكار القرار السياسي، مؤكداً أن الكتلة غير مهتمة بالجداول الزمنية التي أعلنت الأحد، وأن أي حكومة تشكل لن تجد أي شرعية.

لكن المتحدث الرسمي باسم قوى إعلان الحرية والتغيير، شهاب إبراهيم، أكد لـ"العربي الجديد"، أن العملية السياسية ماضية إلى نهايتها ولا تراجع عنها ولا توقف وفقاً للجداول الزمنية المعلنة، لأن عامل الزمن نفسه هو واحد من مهددات العملية السياسية ويدفع بعض المكونات للتراجع عنها أو عدم الالتزام بها. وأشار إبراهيم إلى أن المتبقي فقط هو تنظيم ورشة الإصلاح الأمني والعسكري والمتوقع تنظيمها خلال يومين فقط، لتلحق توصياتها بالتوصيات الأخرى وتكون جزءاً من الاتفاق النهائي وجزءاً من برنامج الحكومة الانتقالية.

وأضاف إبراهيم أن اللجنة المعنية بالتواصل مع الرافضين ستسعى لإلحاق الأحزاب المعنية بالعملية السياسية، لكن عدم التوافق مع هذه الأحزاب لا يعني التوقف، وسيمضي الاتفاق النهائي ويترك أمر التواصل مع المعترضين مستقبلاً للحكومة الانتقالية مثلهم مثل أطراف أخرى كحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو.

ولفت إلى أن هناك مجموعة أخرى من الرافضين مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي، اللذين كانا جزءاً من "الحرية والتغيير"، وسيتم التواصل معهما أيضاً من قبل اللجنة المعنية للاتفاق على قضايا مشتركة بشأن التحول الديمقراطي.

واستبعد إبراهيم فرضية أي تراجع من المكون العسكري لأن العملية السياسية مرحلة لا يمكن التراجع عنها، معتبراً أنه إذا حدث أي شيء فلن يعدو أن يكون إلا انقلاباً جديداً. ونفى اتفاق الأطراف على أي أسماء لرئاسة المجلس السيادي أو مجلس الوزراء، لافتاً إلى أن الموضوع لم يُناقش أصلاً داخل هياكل "الحرية والتغيير" ولا هياكل الموقّعين على الاتفاق الإطاري، إنما هناك فقط مشاورات بينية بين المكونات لم تأخذ الطابع الرسمي.

مؤشرات إيجابية

من جهته، رأى المحلل السياسي أشرف عبد العزيز، أن كل المؤشرات إيجابية حول إكمال العملية السياسية والالتزام بجداولها المعلنة، خصوصاً بعد المرونة التي أبداها المكون العسكري الذي كان يتحدث في السابق عن اتفاق سياسي وفق رؤيته، لكنه في تصريحاته ومواقفه الأخيرة ذكر أنه سيسمح بتشكيل حكومة مدنية غير قابلة للابتزاز، وهذا شرط مفروغ منه لأن أي حكومة مدنية غير قابلة للابتزاز أصلاً.

وأشار عبد العزيز، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن مواقف الكتلة الديمقراطية لن تؤثر في شيء إلا في إطار الرأي العام. ورأى أنه من الواضح أن أطراف التسوية السياسية قرّرت تجاوز الكتلة وعدم انتظارها، ما يمهد الطريق لاتفاق سريع وسلس، مبيناً أن العقبة الوحيدة هي تغلغل عناصر النظام السابق داخل الأجهزة العسكرية والأمنية وسعيهم المستمر لنسف الاتفاق، وهو ما بدا فيه الفشل.

المساهمون