اتفاقية وادي عربة: 28 عاماً من السلام البارد

26 أكتوبر 2022
من تظاهرة في عمّان ضد التطبيع، نوفمبر 2021 (محمد صلاح الدين/الأناضول)
+ الخط -

28 عاماً مرّت على توقيع اتفاقية وادي عربة بين الأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلي (المعروفة بمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية)، والشعب الأردني لا يزال على ‏موقفه ‏الثابت الرافض لهذه الاتفاقية ولكل أشكال التطبيع، مواصلاً مطالبه بإلغائها. أما العلاقات الرسمية بين الطرفين، فتبدو في حالة غير مستقرة سياسياً، صعوداً وهبوطاً، فيما التنسيق الأمني وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية مستمر، ليبقى الجدل الرسمي والشعبي بشأن تقييم الاتفاقية محتداً، ترتفع وتيرته مع كل انتهاك إسرائيلي جديد بحق الأردن وفلسطين، وهي انتهاكات واستفزازات لا تتوقف.

وعلى مدى 28 عاماً للاتفاقية الأردنية-الإسرائيلية التي وُقّعت في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994، لم يجنِ الأردن من السلام سوى تراجع إسرائيلي متتالٍ عن تطبيق الاتفاقات، وأهمها الانسحاب من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

كذلك لم تُراعِ إسرائيل الوصاية الهاشمية، فالقدس ومقدساتها عرفت فصولاً لم تتوقف من الانتهاكات، وتنوّعت الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية والمسيحية. أما على المستوى الداخلي الأردني، فالحياة المعيشية لم تتحسن، والوعود المرتبطة باتفاقية وادي عربة بقيت وعوداً، وواقع التجربة الديمقراطية ومستوى الحريات في تراجع منذ توقيع الاتفاقية.

أزمات متتالية بين الأردن وإسرائيل

ولا تكاد تنتهي أزمة بين الأردن والاحتلال حتى يبدأ الحديث عن أخرى، ولم تنجح اتفاقية السلام بتهدئة العلاقات المضطربة بين عمّان وتل أبيب حتى اليوم، والسلام ما زال غائباً. وربما لخّص العاهل الأردني عبد الله الثاني هذه العلاقة، خلال مقابلة مصورة له مع مستشار الأمن القومي الأميركي السابق الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر، في مايو/أيار الماضي، عندما شبّه العلاقة بإسرائيل "بمن يخطو خطوتين للأمام ومثلهما للخلف، ما لم تُحَلّ القضية الفلسطينية".

وعن ذلك، قال الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، نضال الطعاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن العلاقات مع إسرائيل لم تحقق الطموحات المرجوّة رسمياً، على الرغم من مرور 28 عاماً على توقيع اتفاقية وادي عربة، بل الأردن عانى من سياسة اليمين المتطرف لسنوات طويلة، وخصوصاً في ظل سيطرة حكومة بنيامين نتنياهو على مقاليد الحكم، الذي ما انفك يحاول تصدير أزماته الداخلية إلى الأردن.

الطعاني: كل المشاريع المشتركة لم تأتِ بخير أو نتائج إيجابية للأردن

وأضاف: لا انفكاك بين العلاقات الأردنية والقضية الفلسطينية، فالموقف واحد والمصالح واحدة، لكن الحكومات الإسرائيلية المتتابعة بقيت تحاول السيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية، ولم تتجه لإيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية، فيما استمرت محاولات التجاوز على صلاحيات الأوقاف الأردنية بالقدس والوصاية الهاشمية.

وحول التعاون الاقتصادي بين الحكومة الأردنية وإسرائيل، رأى الطعاني أن كل المشاريع المشتركة لم تأتِ بخير أو نتائج إيجابية للأردن، مستدركاً بأن هذه الاتفاقيات تمت في ظل ظروف إقليمية ودولية وحاجة سياسية أردنية.

ولفت إلى أن الأردن يدرك أن العلاقات الاقتصادية ذات المردود الإيجابي هي التي تُعقد مع الدول العربية، أما الأردن ومصر فمنذ عقدهما اتفاقيات السلام مع إسرائيل، ومديونيتهما في تزايد، وهذا يعني أن الاتفاقات لم تنعكس إيجاباً على معيشة الشعوب.

وأشار إلى أن عدد المطبّعين الأردنيين محدود جداً، وأغلبهم بسبب علاقات رسمية، وقلة من التجار وأصحاب المصالح، مضيفاً أن المطبّعين يقل عددهم ولا يزيد كلما توفي واحد منهم، مؤكداً أن الشعب الأردني بكل فئاته يرفض التطبيع. أما بالنسبة إلى العلاقات الرسمية، فرأى أنها كانت وما زالت مرتبطة بالأوضاع الإقليمية والدولية.

غياب الأدوات الشعبية لمواجهة التطبيع

من جهته، قال المحلل السياسي، المنسق العام لحملة "غاز العدو احتلال"، هشام البستاني، لـ"العربي الجديد"، إن اتفاقية وادي عربة وتوابعها أوجدت نوعاً من الارتهان والتبعية لدولة الاحتلال. ولفت إلى أنه خلال السنوات الأخيرة انتُقِل بالمعاهدة من الشكل السياسي المتعلق بالسلطة الحاكمة إلى شكل عضوي يتضمّن فرض آثار المعاهدة على المواطنين من خلال الملفات الاستراتيجية الكبرى، ومنها ملفات الغاز والطاقة والمياه.

البستاني: اتفاقية وادي عربة وتوابعها أوجدت نوعاً من الارتهان والتبعية لدولة الاحتلال

واعتبر أن هناك تحوّلاً نوعياً، فالأردن إضافةً إلى أنه يدعم الاحتلال بمليارات الدولارات بسبب اتفاقية الغاز، تحوّل إلى معبر لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر ودول الإقليم، واصفاً ذلك بأنه "تحوّل استراتيجي كبير، فيما نسمع من الحكومة إدانات كلامية للانتهاكات في القدس وتوسع الاستيطان بما لا ينسجم مع ما يحدث على الأرض".

وعن إمكانية تحوّل الرفض الشعبي للتطبيع من مواقف إلى أفعال، رأى البستاني أنه "في الأردن لا توجد أدوات شعبية تستطيع أن تؤثر بصانع القرار، الذي فتّت وأضعف جميع الأدوات والمؤسسات التي ينطلق منها عموم الرافضين للتطبيع، عبر مسار طويل انتهى بتفتيت التنظيمات السياسية والأحزاب والنقابات، وآخرها نقابة المعلمين".

وتابع: "الشعب الأردني لم يعد يملك الأدوات لتحويل مشاعره وشعاراته السياسية إلى أفعال سياسية، فالسلطات عملت على تصحير البلاد من قواها السياسية، وهذا مسار سيأخذ البلاد إلى المجهول، ويعمّق تبعية مواقف الدولة لإسرائيل والقوى الأخرى، ويجعل السلطات في موقف ضعيف تجاه إسرائيل والقضايا الإقليمية، وهذا واضح، فالدولة تتحدث عن مواقف تجاه إسرائيل وتفعل عكس ذلك".

اتفاقيات لدفع التطبيع

من جهته، أكد مسؤول لجنة مقاومة التطبيع في حزب "جبهة العمل الإسلامي" الأردني، محمد مروان، لـ"العربي الجديد"، أن "العلاقة مع إسرائيل مرفوضة شعبياً بكل تفاصيلها وأشكالها، وعلى الرغم من مرور 28 عاماً، لا نرى علاقات وتواصلاً شعبياً مع الاحتلال، والتطبيع مع الاحتلال مرفوض".

وقارن مروان بين علاقة الأردنيين بدولة الاحتلال، وبعض سكان الدول التي وقّعت "اتفاقيات إبراهيم" (اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل ودول عربية)، معتبراً أن "الشعب الأردني يرفض التواصل مع الاحتلال باستثناء التواصل الرسمي، وقلة من أصحاب العلاقات التجارية المشبوهة". وذكّر بأن "السلطات وعدت الشعوب بتحسن الحياة المعيشية بعد توقيع الاتفاقية مع الاحتلال، وهذا ما لم يلمسه المواطنون، ليكتشفوا حقيقة مثل هذه المعاهدات".

مروان: اتفاقيات الغاز والماء مقابل الطاقة محاولة لإرغام الناس على التطبيع

أما على المستوى الرسمي، فقال: "نحن نعلم أنها حكومات مطبّعة، لكن الكل يعرف أن حكومات الاحتلال خلال السنوات الـ28 الماضية استهدفت كل شيء يتعلق بالأردن ومصالحه بالدسائس والمكر، ولم تتوانَ عن تهديد النظام ومحاولة إحراجه، في العديد من المواقف". ورأى أن اتفاقيات الغاز والماء مقابل الطاقة محاولة لإرغام الناس على التطبيع، وهو بالمحصلة تطبيع حكومي، وما يسعى له الاحتلال هو تطبيع الشعوب، فتطبيع الحكومات تحصيل حاصل.

وأقرّ مروان بأن الفترة الأخيرة شهدت تراجعاً في النشاطات المضادة للتطبيع بعد الانقسام الذي تركته الثورة السورية والمواقف المتعلقة بها على العديد من النقابات المهنية والجهات السياسية في الأردن، داعياً جميع الجهات والنشطاء السياسيين إلى العودة بزخم إلى النشاطات التوعوية المتعلقة برفض التطبيع، وخصوصاً في النقابات المهنية.

من جهته، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية أيمن الحنيطي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن العلاقة الأردنية الإسرائيلية منذ توقيع الاتفاقية غير مستقرة، وتخللها الكثير من التوتر. وأشار إلى أن "العلاقات كانت في أزمة خلال الفترة الأخيرة لتولي نتنياهو رئاسة الحكومة، لكن بعد تغيّر الحكومة الإسرائيلية، شهدت العلاقات تحسناً من خلال العديد من الزيارات واللقاءات بين العاهل الأردني عبد الله الثاني، ورئيسي الحكومة نفتالي بينت ويئير لبيد، والرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ".

وأضاف أنه "مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية، واستطلاعات الرأي التي تشير إلى عودة نتنياهو للحكم، من المتوقع عودة الأمور إلى التوتر مجدداً، خصوصاً مع الترشيحات بمشاركة وزراء متطرفين ممن قادوا انتهاكات المسجد الأقصى في الفترة الأخيرة".

وفي ما يتعلق باستمرار التعديات في الأقصى، على الرغم من تغير الحكومات الإسرائيلية، لفت الحنيطي إلى أن "النهج واحد، فعلى الرغم من تحسن العلاقات خلال الفترة الأخيرة، إلا أن اقتحامات الأقصى وصلت إلى أعداد غير مسبوقة تتجاوز جميع السنوات الماضية". وأضاف أن التهويد مستمر، واقتحامات الأقصى متواصلة، ومخطط التقسيم الزماني والمكاني يُفرض على أرض الواقع، والفراغ السياسي في إسرائيل بسبب الحكومات ذات العمر القصير يساهم في استمرار الأوضاع كما هي.

وتابع: "لا يمكن القول إن هناك علاقات تطبيعية بين الشعب الأردني والاحتلال، فنظرة الأردني إلى إسرائيل تتمثل بأنها دولة محتلة تنتهك حقوق الأردن، أما العلاقات الاقتصادية، "فمجبر أخوك لا بطل"، وأصبحت احتياجات المواطن الاقتصادية وحاجته للماء والكهرباء، هي التي تتحكم". ووفق الحنيطي، لا يعتقد الإسرائيليون أن الأردنيين مقبلون خلال الفترة المقبلة على تطبيع شعبي، في ظل المقارنة بما وصلت إليه العلاقات مع موقِّعي "اتفاقيات إبراهيم".

المساهمون