يسعى النظام المصري، جاهداً، إلى إنقاذ عسكر السودان من فشل انقلابهم ضد الحكومة المدنية، والذي نفّذوه في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والسيطرة على التداعيات المنتظرة لحالة الانهيار التي قد تلحق بالمشهد السوداني برمّته، وما قد يرتبه من أزمات متلاحقة للقاهرة. وفي هذا السياق، قالت مصادر مصرية خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن وفداً مكوناً من ثلاث شخصيات مصرية رفيعة المستوى، يعملون على إدارة الملف السوداني، بإشراف شخصي من رئيس جهاز الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، زار رئيس الوزراء (في الحكومة السودانية التي أعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان حلّها) عبد الله حمدوك في مقر إقامته، حيث يخضع للإقامة الجبرية، وعرض عليه التوصل إلى صيغة تضمن خروج جميع الأطراف الحالية من المأزق الراهن، من دون الدخول في مزيد من الخسائر.
تحاول مصر منع انهيار الموقف الدولي إزاء السودان وتحوله ضد البرهان
وأضافت المصادر، أن المسؤولين في مصر انخرطوا، طوال الأيام الثلاثة الماضية، في اتصالات مع مسؤولين رفيعي المستوى في كلّ من السعودية والإمارات، في محاولة لمنع انهيار الموقف وتحوله ضد البرهان، في ظلّ الضغوط الأميركية والأوروبية الشديدة عليه. وكشفت المصادر أن الهدف من التنسيق مع الجانبين الإماراتي والسعودي، على الرغم من التباين بين القاهرة وأبوظبي أخيراً حول الملف السوداني، هو تكوين لوبي ضغط لامتصاص الضغط على البرهان، ومحاولة كسب مزيد من الوقت لإقناع حمدوك والمكونات المدنية في "قوى الحرية والتغيير"، بأن الوقت لا يزال متاحاً لحل سياسي للأزمة من دون الدخول في دوامة التظاهرات والانفلات.
وأوضحت المصادر أن الوفد المصري الذي زار حمدوك، عرض عليه القبول بالعودة إلى رئاسة الحكومة الجديدة، وتغيير عدد من الوجوه القديمة التي أساءت للمؤسسة العسكرية السودانية. وأشارت المصادر إلى أن حمدوك تمسّك بإطلاق سراح كافة المقبوض عليهم، قبل الشروع في أي حديث يرتبط بالتباحث حول حلول للأزمة الراهنة، كاشفة أيضاً عن أنه شدّد على ضرورة تقديم بعض المتورطين في الأحداث الأخيرة (الانقلاب) للمحاكمات، حتى يكونوا بمثابة عبرة لمن يفكر في أيّ مرحلة مقبلة في الانقلاب على اختيارات الشعب. وقالت المصادر إن حمدوك طالب برفع الإقامة الجبرية عنه أيضاً، قبل الحديث عن حلول، مؤكداً أنه ينبغي على الوسطاء أن يزيلوا مخلفات الانقلاب إذا ما أردوا حلاً ينقذ حلفاءهم في الداخل السوداني. وحول ما إذا كان تمّ الاتفاق بين الوفد المصري وحمدوك بشأن مخرجات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، شهد أي تقدم، أوضحت المصادر أن هناك تكتماً بشأن نتائج اللقاء، لافتة في الوقت ذاته إلى أن حمدوك قدّم تعهدات للقاهرة وللأطراف الخليجية التي يصفها بـ"المتورطة في الأحداث الأخيرة"، بعدم الإضرار بمصالحها.
وأشارت المصادر إلى أن هناك مخاوف من جانب السعودية، بشأن مصير القوات السودانية المشاركة في عملية "عاصفة الحزم" في اليمن. وقالت المصادر إن القاهرة والرياض تشعران بمزيد من القلق بشأن الوضع في السودان، خشية انزلاق الأوضاع إلى مزيد من الانتهاكات كلّما تصاعد الضغط الدولي على البرهان بالشكل الذي يؤدي في النهاية للإطاحة به، مشيرة إلى أن "القلق المصري متعدد المحاور: فتارة بشأن مستقبل السودان الذي يمثل أمناً قومياً لمصر عند الحدود الجنوبية، وتارة أخرى بسبب أزمة سدّ النهضة، التي تخشى القاهرة من تولي أطراف للمسؤولية في السودان والتي قد تعادي المصالح المصرية".
تمسّك حمدوك خلال لقائه بالوفد المصري بشروطه
وكشفت المصادر أن القاهرة بالتنسيق مع الإمارات والسعودية، أكدت للإدارة الأميركية في سلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية، أنه لا مستقبل مستقراً للسودان في حال تمّت الإطاحة بالبرهان في الوقت الحالي، مطالبة إدارة جو بايدن بالضغط على حمدوك والقوى المدنية للقبول بحل وسط، لا يتضمن أي مساس بالمؤسسة العسكرية التي تعد بمثابة عمود الخيمة للاستقرار في السودان، على حد تعبير المصادر.
وكان التحالف السياسي المدني الرئيسي في السودان قد رفض إجراء أي مفاوضات مع الجيش، وأعرب عن تمسّكه بموقفه قبل أيام، وذلك في أول مؤتمر صحافي يعقده منذ انقلاب 25 أكتوبر بقيادة البرهان.