اتصالات مصرية ألمانية لاحتواء قضية الجاسوس المصري في برلين

02 مارس 2021
الجاسوس كان يعمل في المكتب الإعلامي لميركل (توبياس شفارتس/فرانس برس)
+ الخط -

مفاوضات للتفاهم بين القاهرة وبرلين، وأخرى متزامنة بين الدفاع والمحكمة، تدور في الوقت الحالي لحسم قضية الجاسوس المصري (أمين ك.)، الذي تم اكتشافه في المكتب الإعلامي الاتحادي للمستشارة أنجيلا ميركل في يوليو/ تموز الماضي، واتهم بالعمل لحساب جهاز المخابرات العامة المصرية، وتقديم معلومات متواضعة وفقيرة بالنظر للمركز الوظيفي المتميز الذي كان يتمتع به. وبحسب لائحة الاتهام، فقد كان هذا الشخص يقدم للمخابرات المصرية تحليلاً لتوجهات الإعلام الألماني في تناوله للقضايا المصرية "مستغلاً إمكانياته اللغوية المتميزة"، ومعلومات عن المصريين في مواقع مختلفة من برلين، وأنه قدم تلك الخدمات نظير حصول والدته المقيمة بمصر على معاش تقاعدي.

وحصل "العربي الجديد" على نسخة من مذكرة الدفاع التي قدمت للمحكمة في برلين مع بدء محاكمة الجاسوس المفترض الثلاثاء الماضي، والتي عرضت التوصل إلى تفاهم معقول، بإدلاء الجاسوس بتصريح اعتراف كامل عن تعاونه مع المخابرات المصرية منذ عام 2010، مقابل تخفيف العقوبة لتصبح عامين بحد أقصى. لكن المحكمة، في جلستي الأربعاء والخميس الماضيين، لم تبت في الطلب، واعتبرت أنّ إجابات الجاسوس المتهم عن أسئلتها ما زالت مريبة ومثيرة لمزيد من التساؤلات، خصوصاً مع إصراره على أنه لم يتقاض أي منفعة مالية من هذه العلاقة، وأنه كان يقدم المعلومات كصديق وليس كعميل، وأنه لم يكن مجبراً على إكمال علاقة العمالة لصالح المخابرات المصرية.

تفسيرات الجاسوس لم تلق قبولاً لدى المحكمة حتى الآن

وادعى الجاسوس المتهم أنه كان يعطي ضابطاً تابعاً للمخابرات العامة بالسفارة المصرية في برلين، التحليلات والمعلومات التي يطلبها، أملاً في تذليل عقبات بيروقراطية تقابل أسرته في مصر، وأنه لم يكن يفكر في الموضوع باعتباره تجسساً، بل تبادلاً للمنافع بين صديقين.

هذه التفسيرات من الجاسوس البالغ من العمر 66 عاماً، لم تلق قبولاً لدى المحكمة حتى الآن، وتهدف على ما يبدو إلى إبراء ساحة المخابرات المصرية، مع الأخذ في الاعتبار أنّ القاهرة لم تدل بأي تعليق بشأن القضية منذ كشفها، الأمر الذي قد يؤدي لصعوبة تقبلها عقد صفقة للاعتراف مقابل تخفيف العقوبة.

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية متابعة للملف، لـ"العربي الجديد"، إنّ من العوامل التي تجعل تأثير هذه القضية على العلاقات بين البلدين محدوداً، هو ضعف المعلومات التي كشفت التحقيقات وصولها للمصريين عبر الجاسوس، وتأكدها من أنّ المهمة الأولى والرئيسة للعميل المصري كانت مراقبة المواطنين المصريين المقيمين في ألمانيا، ورجال الأعمال من أصل مصري والدبلوماسيين المصريين أيضاً، مرجحة بحسب متابعتها، أن يصدر الحكم في العاشر من شهر مارس/ آذار الحالي.

لكن ما يشغل المحكمة هو أنّ الجاسوس كان قد تقدّم لشغل وظيفة في مجلس النواب الألماني (البوندستاغ)، وهو ما اعتقد المحققون أنه كان بتوجيه من المخابرات المصرية، ليصبح أكثر قدرة على مقابلة شخصيات مختلفة، وأوسع دراية وأسهل وصولاً للمعلومات، ممن يلتقيهم في الدائرة الإعلامية لمكتب المستشارية.

وأوضحت المصادر أنه على الرغم من ذلك، فإنّ الاتصالات التي تجرى على مراحل بين مصر وألمانيا لاحتواء تأثير هذا الملف "ما زالت على قدر من الحساسية، خصوصاً من قبل القائمين على التواصل الأمني والاستخباراتي"، وأنّ التعامل المصري مع القضية يتجه إلى حصرها في هذا المستوى فقط، مع العمل على استمرار إنعاش العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع حكومة ميركل، وعقد مزيد من الصفقات مع المصنعين الألمان بالتعاقدات الحكومية في مجالات مرفقية مختلفة، وكذلك في المجال العسكري.

ترجيحات بصدور الحكم في العاشر من شهر مارس الحالي

ومن أحدث المجالات التي تسعى الحكومة المصرية لتوجيه الصفقات فيها إلى المستثمرين الألمان، قطاع الصحة والمستشفيات. فبينما تتواصل محاكمة الجاسوس، تسعى وزارة الصحة المصرية لإبرام تعاقدات طويلة الأمد مع الجناح الطبي بشركة "سيمنز" الألمانية، لتزويد المستشفيات المصرية بعشرات الأجهزة الحديثة في مجال التحاليل الطبية والأشعة، بأنظمة سداد ميسرة.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أعلن، في يناير/ كانون الثاني الماضي، الاتفاق مع "سيمنز" على إنشاء منظومة متكاملة للقطار الكهربائي السريع في مصر، بإجمالي طول يبلغ نحو 1000 كيلومتر على مستوى الجمهورية، وبكلفة إجمالية قدرها 360 مليار جنيه (نحو 23 مليار دولار)، وذلك بدءاً بالتنفيذ الفوري لمشروع الخط الذي سيربط مدينة العين السخنة بمدينة العلمين الجديدة، مروراً بالعاصمة الإدارية الجديدة و15 محطة أخرى، بطول 460 كيلومتراً، ويستغرق تنفيذه سنتين.

ووفقاً لمصدر مطلع سبق وتحدث لـ"العربي الجديد" بعد تحريك قضية الجاسوس، فإنّ عدداً محدوداً للغاية من الأشخاص الذين عملوا بالسفارة المصرية في السنوات الأخيرة، كانوا على دراية بطبيعة نشاط هذا العميل، وأنّ بعض السفراء المصريين في برلين الذين تعاقبوا على مدار السنوات العشر، لم يعرفوا شيئاً عن ذلك النشاط إطلاقاً، ما يرجح أنه كان يعد تقارير عن مسلكهم وعلاقاتهم أيضاً. وأوضح المصدر أنّ المعلومات والتقارير التي أرسلها العميل إلى المخابرات المصرية كانت متواضعة الكم والأهمية قبل انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، إذ زاد بعد ذلك اهتمام النظام المصري بمراقبة تحركات المصريين المقيمين في برلين، خصوصاً الآلاف من الشباب والنشطاء والإسلاميين الذين هاجروا خوفاً من بطش النظام، وحاولت مجموعات منهم العمل على التجمع واللقاء والتنسيق قبيل بعض المناسبات، مثل زيارات السيسي إلى ألمانيا.

ما يشغل المحكمة هو أنّ الجاسوس كان قد تقدّم لشغل وظيفة في مجلس النواب الألماني

وفي العاشر من يناير الماضي، كشف "العربي الجديد" من خلال بيانات رسمية، أنّ مصر أنفقت على استيراد الأسلحة الألمانية في فترة جائحة فيروس كورونا أكثر من جميع الدول التي استوردت السلاح الألماني في الفترة نفسها، عدا المجر. فقد أنفقت حتى فبراير/ شباط 2020، أي قبل شهر تقريباً من انتشار وباء كورونا في مصر، مبلغ 312 مليون يورو، منها 305 ملايين على مجموعة من الغواصات البحرية وقطع غيار غواصات وسفن سبق استيرادها في السنوات الخمس الأخيرة. ثمّ رفعت مصر الإنفاق خلال النصف الثاني من العام، فأبرمت عقوداً بقيمة 452 مليون يورو، ليقفز إجمالي قيمة الأسلحة التي استوردتها من ألمانيا فقط عام 2020 إلى 764 مليون يورو، ليصبح هذا العام ثاني أعلى الأعوام في استيراد مصر للأسلحة الألمانية عبر تاريخ العلاقات بين البلدين، بعد عام 2019 الذي شهد إبرام عقود تسليح بقيمة تتجاوز 801 مليون يورو.

المساهمون