تشهد منطقة البحر الأبيض المتوسط تحركات مكثفة خلال الأيام الأخيرة، بسبب تفاقم مشكلة الهجرة وتزايد أخبار غرق المراكب في البحر وتعقّد أزمة المهاجرين جنوباً، خصوصاً بين تونس وليبيا.
وتعيش تونس بالذات على وقع مشكلة المهاجرين في صفاقس، الذين جرى ترحيل جزء منهم إلى جنوب البلاد في ظل موجة حر قياسية وانتقادات حقوقية داخلية وخارجية للسلطات التونسية لهذا الإجراء.
وتدفع الحكومة التونسية عن نفسها تهمة الإهمال، ويؤكد الرئيس قيس سعيّد أن المعاملة على عكس ما يروّجون، إنسانية للغاية، وهؤلاء الناقدون يروجون لأخبار عارية من الصحة ومنهم مرتزقة للخارج، وفق تعبيره.
ويفترض أن يزور تونس، اليوم الأحد، كل من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، ورئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، وسيكون لهم لقاء مع سعيّد.
وفي يونيو/حزيران الماضي، التقى المسؤولون ذاتهم الرئيس التونسي، وقدّموا عرض شراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس مصحوباً بدعم مالي يصل إلى أكثر من مليار يورو.
وبدا سعيّد وكأنه يستبق لقاء اليوم الأحد في اتجاهين اثنين محتملين، إما بتوجيه رسائل استباقية إلى ضيوفه القادمين، أو تمهيداً للتونسيين لنتائج هذا الاجتماع الثاني المنتظر.
مواقف استباقية لسعيّد
وأعلن الرئيس التونسي مساء أول من أمس الجمعة، في اجتماع لمجلس الأمن القومي، أن "تونس لا تقبل بأن تكون أرض عبور أو أرض توطين"، وأن "شبكات متعددة تقف وراء موجات الهجرة وتتاجر بالبشر والأعضاء، وهناك تحويلات مالية كبيرة وصلت إلى الأفارقة الموجودين في تونس، وفي صفاقس تحديداً".
مجدي الكرباعي: كان يجب على سعيّد عقد مؤتمر دولي للهجرة وعدم الاكتفاء بالتصريحات
ومساء الاثنين الماضي، استقبل سعيّد رئيس الحكومة المالطية روبرت أبيلا، وأشار إلى أن "الحل لا يمكن أن يكون إلا جماعياً بين كل الأطراف المعنية، لذلك جرت الدعوة من قبل تونس منذ أسابيع إلى تنظيم اجتماع رفيع المستوى لمعالجة الأسباب الحقيقية عوض معالجة النتائج، لأنه من دون القضاء على الأسباب لا يمكن التصدّي لهذه الظاهرة التي تتفاقم يومياً".
ولا يتوانى سعيّد عن تذكير كل ضيوفه بأنه وراء الدعوة إلى تنظيم مؤتمر دولي للهجرة، بينما أعلنت الحكومة الإيطالية، على لسان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أنطونيو تاياني، أنها ستنظم في 23 يوليو/تموز الحالي مؤتمراً حكومياً بين دول أفريقية وأوروبية بشأن ملف الهجرة. وقال تاياني، في تصريح إعلامي قبل أيام: "يجب أن ندافع عن حدودنا... ولكن لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا، فنحن بحاجة أيضاً إلى دول أخرى".
ولا يعرف ما إذا كان موضوع هذا المؤتمر سيُناقش اليوم الأحد في تونس، علماً أن سعيّد كان تحدث هاتفيا في 2 يونيو/حزيران الماضي مع رئيسة الوزراء الإيطالية، أي قبل زيارتها إلى تونس، وتناولت المكالمة المبادرة التي كان تقدّم بها سعيّد لعقد مؤتمر رفيع المستوى بين كل الدول المعنية، وهي دول شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء ودول شمال البحر الأبيض المتوسط، لمعالجة أسباب الهجرة غير النظامية ووضع حد لهذه الأوضاع غير الإنسانية.
ويُطرح السؤال اليوم، لماذا سُحب تنظيم المؤتمر من تونس وأصبح في إيطاليا؟ وهل أن الأمر جرى بالتنسيق بين الطرفين أم أن الحكومة الإيطالية استحوذت على الفكرة لعدم قدرة تونس ربما على تنظيم لقاء كهذا بسبب توتر علاقاتها مع عدد من الدول؟ وهل يقود هذا الأمر إلى توتر بين البلدين أم أنها محطة عابرة ستُطوى بسبب الارتباط الوثيق بين مصالح البلدين، خصوصاً حاجة تونس إلى دعم إيطاليا التي أصبحت محاميها في المحافل الدولية؟
النائب التونسي السابق عن "التيار الديمقراطي"، المقيم بإيطاليا، مجدي الكرباعي، قال لـ"العربي الجديد" إن ميلوني "سبق أن تداولت فكرة تنظيم مؤتمر دولي حول الهجرة منذ أن قررت مخطط (ماتي) من أجل إنقاذ الدول الأفريقية والمعاملة بالمثل، وسبق أن أثارت مسائل تتعلق بمسألة الهجرة بعيداً عن الطرح الذي يقدمه الرئيس سعيّد حالياً".
إيطاليا وتونس ومؤتمر الهجرة
واستبعد الكرباعي أن "تكون إيطاليا تخطط للسطو على فكرة سعيّد بشأن تنظيم مؤتمر دولي للهجرة يجمع دولاً من ضفتي المتوسط"، لافتاً إلى أن "الفكرة لمن ينفذها وليس لمن يكتفي بتردادها". وأضاف: "كان على الرئيس سعيّد المرور إلى تنفيذ عقد مؤتمر دولي للهجرة وعدم الاكتفاء بالتصريحات والنوايا".
وأشار الكرباعي إلى أن "عقد مؤتمر يعالج مشاكل الهجرة يندرج في إطار خطة رئيسة الحكومة الإيطالية التي تسعى إلى تنفيذها منذ وصولها إلى السلطة، وذلك في إطار مقاربة شاملة يثار خلالها الملف على مستوى أوسع، تشمل كذلك غرب آسيا التي يتدفق منها المهاجرون أيضاً".
ورأى أن "عدم التوصل إلى توقيع اتفاق نهائي بشأن ملف الهجرة بين تونس وإيطاليا تسبب في تعكير الأجواء بين البلدين، وهو ما يفسر لقاء سعيّد بمسؤولين من كل من مالطا وليبيا". وتوقع الكرباعي أن "يكون عدم التوصل إلى اتفاق بين تونس وإيطاليا بشأن ملف الهجرة مرده عدم قبول الرئيس سعيّد بالعرض الأوروبي ومطالبته بزيادة المنح الموجهة إلى تونس".
في المقابل، أشار إلى أن "الفتور في العلاقات بين البلدين لا يمكن أن يؤدي إلى قطيعة أو انتهاء شهر العسل نظراً لترابط مصالح البلدين"، متوقعاً أن "تعود المياه إلى مجاريها في الفترة القريبة المقبلة". ورأى أن "إيطاليا تصنف تونس دولة آمنة وليس من مصلحتها توتير علاقاتها مع حليف مهم في المنطقة".
وخطة "ماتي" سُمّيت على إسم مؤسس شركة "إيني" الإيطالية للطاقة إنريكو ماتي. وأعلنت ميلوني نيتها طرح الخطة خلال القمة الإيطالية ـ الأوروبية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وتتمحور خطة "ماتي" حول تحويل إيطاليا إلى مركز رئيسي للطاقة وتوزيع الغاز من شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط إلى بقية أوروبا. وكذلك، ستناقش ميلوني مع نظرائها الأفارقة خطة عمل في القمة تتعلق بالمهاجرين، في ظلّ تأييدها رفع المساعدات الممنوحة للدول الأفريقية وتطوير روابط أقوى مع القارة "من أجل تقليل عدد المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط"، وفقاً لها.
وكانت السلطات التونسية قد كثفت لقاءاتها محاولة الحصول على موقف موحد لدول جنوب المتوسط على الأقل، لطرحه على طاولة المؤتمر المنتظر، إذا جرى وشاركت فيه.
وفي 4 يوليو الحالي، أجرى سعيّد اتصالاً مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة. وجرى التطرق إلى "ظاهرة الهجرة غير النظامية وضرورة تكاتف الجهود من أجل إيجاد حلول سريعة لها"، بحسب بيان للرئاسة التونسية.
أسامة الصغير: ليست لقيس سعيّد أي سياسات تهم ملف الهجرة
وفي حين تتكثف الاتصالات التونسية الايطالية، توجد بوادر تنسيق مع ليبيا في الفترة الأخيرة، ولكن اللافت أنه ليس هناك تنسيق تونسي مغربي في هذا الملف مطلقاً بحكم التوتر بين البلدين، وغاب أيضاً التنسيق التونسي الجزائري، إذ لم يشر مسؤولو تونس إلى أي موقف مشترك بين البلدين في الآونة الأخيرة، وهو ما يطرح أسئلة كثيرة واستغراباً في هذا الشأن.
القيادي في حركة النهضة، رئيس لجنة الصداقة التونسية الإيطالية بالبرلمان السابق، النائب عن دائرة إيطاليا أسامة الصغير، قال في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "إيطاليا لديها سياسة واضحة في ملف الهجرة، تبلورت خلال سنوات عديدة، عنوانها إيقاف الهجرة أو التقليص قدر المستطاع من القادمين من دول جنوب المتوسط، تونس وليبيا والجزائر تحديداً".
وشدّد الصغير على أن "سياسة إيطاليا واضحة وليست لها في عناوينها الكبرى علاقة باليمين أو اليسار بل هي السياسة نفسها، تتغير فقط الحدة والجرأة مع قدوم حكومة يمينة كالتي تحكم الآن، ولكن معالم سياستها والحلول المطروحة نفسها".
لا سياسة تونسية تجاه الهجرة
في مقابل ذلك، أكد الصغير "أن تونس ليست لها سياسة تجاه الهجرة، بل تعامل يومي وتفاعل تجاه ما يطرحه الآخرون، ويدور حول قبول طائرات ترحيل تونسيين، وتونس قبلت بذلك وسعيّد قبِل بمضاعفة عدد المرحّلين وجرى تخصيص مطار طبرقة (محافظة جندوبة شمالاً) لاستقبالهم".
وتابع: "غالبية دول أوروبا طالبت تونس بأن تكون محطة لطالبي اللجوء، ويعلم الجميع أن المهاجرين الأجانب لا يأتون إلى تونس بهدف التوطين، فهذه العبارات لا أساس لها من الصحة بل هي محاولة لإلهاء الناس حول حقيقة الملف".
وأوضح الصغير أن أوروبا "تطلب من تونس إنشاء مراكز لطلب اللجوء ودراسة ملفات اللاجئين عن بعد، يجرى بعد ذلك توزيعهم على دول الاتحاد الأوروبي".
وأكد الصغير أن "ليست لقيس سعيّد أي سياسات تهم ملف الهجرة، وكل ما يقوله من كلام هو ردود فعل ومحاولات لإخفاء ما يقوم به من معاملة تجاه الأفارقة جنوب الصحراء، وليست له أي حلول، والمخجل هو ترك الفقراء من الشعب التونسي يواجهون فقراء من جنوب الصحراء الأفريقية في غياب كامل للدولة، وكأن الدولة تأتي عندما يستفحل العنف وتجمع المهاجرين وترميهم إما على الحدود الليبية أو الجزائرية".
وبخصوص مؤتمر الهجرة، بيّن المتحدث أن "سعيّد لا يملك التمويلات والإمكانيات لإنجاز المؤتمر، بينما إيطاليا يمكنها ذلك"، موضحاً أنه "لا يتوقع إن قامت تونس بتنظيم المؤتمر أن يكون له أي نجاح".
وذكّر بما حصل مع الأفارقة من اعتداءات، وبيانات عدد من الدول الأفريقية المنددة بسياسة تونس وتعاطي السلطات مع المهاجرين، بل ووصف البعض تونس بالعنصرية وبعدم احترامها للأفارقة، وبأنها دولة انحازت لليمين الأوروبي المتطرف.
وأشار الصغير إلى أن "التعامل الأمني القوي وغير الإنساني وجمع المهاجرين ورميهم على الحدود بتلك الطريقة، كل هذا ربما يكون ناجعاً في مقاومة الهجرة مرحلياً، ولكنه معالجة غير إنسانية"، متسائلاً: "هل هناك اتفاق تونسي إيطالي لانتهاج هذا الأسلوب الأمني غير الإنساني لمعالجة ملف الهجرة أو لإضعاف الهجرة؟ ليست لدي إجابة، ولكنه سؤال مطروح".