نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تقريراً عن الحرب السيبرانية المحتدمة بين إيران والإحتلال الإسرائيلي، حيث انخرط الطرفان لسنوات طويلة في حرب سرية، سُخّر لها البر والبحر والجو والكمبيوتر. ورغم أن الأهداف كانت عسكرية عادة، أو متصلة بحكومتي البلدين، فإنها اتسعت أخيراً لتصبح حرباً إلكترونية تستهدف المدنيين على نطاق واسع، بحسب ما أوردت الصحيفة.
أخيراً، أدى هجوم إلكتروني على نظام توزيع الوقود في إيران إلى شلل محطات الوقود فيها، البالغ عددها 4300 محطة، الأمر الذي استغرق قرابة 12 يوماً لإعادة تأهيلها للعمل مجدداً.
وتكشف الصحيفة أن إسرائيل وقفت خلف الهجوم، نقلاً عن اثنين من مسؤولي الاستخبارات في البنتاغون الأميركي. ولم تكد تمر أيام على هجوم محطات الوقود حتى شهدت إسرائيل هجمات إلكترونية طاولت مؤسسة لـ"مجتمع الميم" وموقع مواعدة، حيث وجد مئات آلاف الإسرائيليين تفاصيل حياتهم الحميمة منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي. وسارعت إسرائيل إلى اتهام إيران بالوقوف خلف الهجوم.
وبحسب "نيويورك تايمز"، يأتي التصعيد الحالي في وقت حذرت فيه واشنطن من محاولات إيرانية لاختراق شبكات الكمبيوتر في المستشفيات والبنية التحتية الحيوية لمؤسسات أخرى في الولايات المتحدة. وترجّح الصحيفة تصاعد وتيرة الهجمات مع تلاشي الآمال في التوصل إلى حل دبلوماسي في مفاوضات فيينا النووية.
وفي يوليو/تموز الماضي تعرضت شبكة السكك الحديدية الإيرانية لاختراق بسيط نسبياً، واتهمت إسرائيل طهران بمحاولة شنّ هجوم فاشل على شبكة المياه الإسرائيلية العام الماضي. ورغم أن هذه الهجمات لم تترك أضراراً كبيرة، إلا أنها كانت الأولى التي تستهدف المدنيين على نطاق واسع، حيث تكون الشبكات المدنية أقل حماية من تلك المرتبطة بالدولة.
ومع أن تلك الهجمات لم تترك ضحايا بين الطرفين، فإنها ـ بحسب "نيويورك تايمز" ـ نجحت في هدفها، وهو خلق الفوضى والغضب والاضطرابات النفسية لدى السكان على نطاق واسع.
وتنقل الصحيفة عن بني كفودي، وهو محرر في إذاعة إسرائيلية، قوله: "قد تكون هناك حرب بين إسرائيل وإيران، لكن من منظورنا كمدنيين، نحن محتجزون كسجناء في المنتصف، ولا حول لنا ولا قوة".
ويتحدث كفودي عن اختراق موقع المواعدة الإسرائيلي، الذي هدد بفضح آلاف الإسرائيليين الذين حاولوا إبقاء تفاصيل حياتهم الجنسية سراً، ليكتشفوا لاحقاً أن الموقع جمع معلومات محرجة عن المستخدمين، بالإضافة إلى صور فاضحة.
وعلى الضفة الأخرى، يكشف علي، سائق سيارة أجرة في طهران، في مكالمة هاتفية مع الصحيفة، أنه خسر يوماً من العمل في الانتظار ضمن طابور امتد لأميال أمام محطات الوقود. ويقول: "كل يوم تستيقظ في هذا البلد لنجد أمامنا مشكلة جديدة... من الصعب بالنسبة إلينا البقاء على قيد الحياة".
الهجوم الإسرائيلي على نظام توزيع الوقود الإيراني
وبحسب التقرير، فإن كلا الطرفين يهاجمان المدنيين لإرسال رسائل إلى المسؤولين في حكومتيهما. فاختراق نظام توزيع الوقود الإيراني حدث في 26 أكتوبر/تشرين الأول، بالقرب من الذكرى السنوية الثانية للاحتجاجات الكبرى المناهضة للحكومة التي شهدتها إيران بعد زيادة أسعار البنزين، والتي ردت عليها طهران وقتها، بحملة قمع وحشي، أوقعت ما يقارب من 300 قتيل، بحسب منظمة العفو الدولية.
وكان واضحاً أن الهجوم الجديد يحاول خلق موجة أخرى من الاضطرابات المناهضة للحكومة. إذ توقفت مضخات الوقود فجأة عن العمل، ووصلت للعملاء رسائل تدعوهم إلى تقديم شكوى إلى المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، مع عرض رقم هاتف مكتبه.
كذلك سيطر المخترقون على اللوحات الإعلانية في مدن مثل طهران وأصفهان، ونشروا عبارة "خامنئي.. أين بنزيني؟"، بدل الإعلانات المنشورة عليها.
يقول محسن، وهو مدير محطة وقود في شمال طهران: "في الساعة 11 صباحاً توقفت المضخات فجأة عن العمل... لم أر قَطّ شيئاً كهذا من قبل". وانتشرت شائعات بأن الحكومة هي التي تقف وراء الأزمة، لرفع أسعار الوقود. فيما ضاعفت شركات سيارات الأجرة أجور النقل المعتادة ثلاث مرات تقريباً، استجابةً لاضطرار السائقين إلى شراء وقود غير مدعوم، بثمن باهظ.
لم يحقق الهجوم غايته بخلق حركة احتجاج شعبي، إذ سارعت الحكومة إلى احتواء الأضرار، وعقدت الحكومة اجتماعات طارئة. وأصدر وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، اعتذاراً علنياً نادراً عبر التلفزيون الحكومي، وتعهد بتقديم 10 لترات إضافية من الوقود المدعوم إلى جميع مالكي السيارات.
ولإعادة تشغيل المضخات، وجَب على الوزارة إرسال فنيين إلى كل محطة وقود في البلاد. واستغرقت العملية ما يقرب من أسبوعين لاستعادة شبكة الوقود المدعوم، التي تخصص لكل سيارة 60 لتراً شهرياً بنصف السعر.
وتكشف الصحيفة عن مصادر إيرانية خاصة، أن القلق الأكبر لم يكن من احتجاج السائقين، بل من الخشية من أن يكون المخترقون قد توصلوا إلى بيانات حول مبيعات النفط الإيراني، وهي سرّ من أسرار الدولة، يمكن أن يفضح الطرق التي تتبعها طهران للتهرب من العقوبات الدولية.
وتتصاعد الشكوك بحصول المخترقين على "مساعدة داخلية"؛ لأن شبكة الوزارة تعمل دون اتصال بالإنترنت.
إيران ترد وتنشر معلومات محرجة لـ1.5 مليون إسرائيلي
بعد أربعة أيام من هجوم محطات الوقود في إيران، تمكن مخترقون من الوصول إلى قاعدة بيانات موقع مواعدة إسرائيلي خاص بالمثليين وأفراد "مجتمع الميم". ونُشرَت ملفات ومعلومات شخصية لنحو 1.5 مليون إسرائيلي، أي حوالى 16 بالمئة من سكان البلاد، على قناة على "تليغرام".
ورغم استجابة تليغرام" لطلب إسرائيل بحظر القناة، فإن المجموعة غير المعروفة التي أطلقت على نفسها اسم "الظل الأسود"، استمرت بإنشاء قنوات جديدة في كل مرة يجري فيها الحظر.
ونشرت المجموعة نفسها ملفات من شركة التأمين الإسرائيلية "شيربيت"، المعنية بالتأمين على موظفي وزارة الدفاع الإسرائيلية، التي اختُرِقَت في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتنقل "نيويورك تايمز" عن ثلاثة من كبار المسؤولين الإسرائيليين، أن مجموعة "الظل الأسود" هي جزء من الحكومة الإيرانية، أو مخترقون يعملون لحسابها.
لم تعلن أي من إيران أو إسرائيل مسؤوليتهما علناً عن الجولة الأخيرة من الهجمات الإلكترونية. كذلك رفض المسؤولون الإسرائيليون توجيه اتهامات علنية إلى إيران، فيما ألقى مسؤولون إيرانيون باللوم في هجوم محطات الوقود على دولة أجنبية، دون تسميتها.
وتنقل الصحيفة عن خبراء بالأمن السيبراني، أن المخترقين الإيرانيين أدركوا أنهم "لا يحتاجون إلى مهاجمة وكالة حكومية، شديدة التحصين"، إذ يمكنهم بسهولة مهاجمة الشركات الصغيرة الخاصة، التي تتمتع بحماية أقل، وتتحكم بكميات هائلة من المعلومات، بما في ذلك المعلومات المالية أو الشخصية الحميمة للعديد من المواطنين".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بحديث لمیثم بهروش، كبير المحللين السابق بوزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية، والمقيم في السويد، والذي يرى أن الطرفين "في مرحلة خطيرة.. ستكون هناك جولة قادمة من الهجمات الإلكترونية واسعة النطاق على بنيتنا التحتية"، مؤكداً أن هذه الهجمات "تجعل الطرفين يقتربان خطوة من المواجهة العسكرية".