تشهد العلاقات بين روسيا وحليفها الميداني الأبرز في الجنوب السوري، "اللواء الثامن"، توتراً وصل إلى حد إقدام موسكو على قطع رواتب عناصر اللواء، وذلك على خلفية رفض قيادته تعزيز مشاركته في العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش" في البادية السورية، وسط توقعات باتخاذ السلطات الروسية إجراءات تصعيدية أخرى.
وذكر المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران"، أبو محمود الحوراني، لـ"العربي الجديد"، أن أصل الخلاف يعود إلى شهر رمضان الماضي، حيث طلب الروس من قائد "اللواء الثامن"، أحمد العودة، إرسال 300 عنصر إلى البادية السورية للمشاركة في عمليات التمشيط ضد "داعش" في البادية السورية. وبالفعل، أُرسِلوا، لكنهم سرعان ما عادوا بعد 13 يوماً فقط، حيث قالت قيادة اللواء إنهم "أنجزوا مهمتهم".
وأعرب الحوراني عن اعتقاده بأن "شيئاً ما قد حدث خلال وجودهم في البادية لم يتضح حتى الآن، دفع قيادة اللواء إلى سحب عناصرها بقيادة العقيد نسيب أبو عرة، القائد العسكري في "اللواء الثامن"".
ونقل المتحدث ذاته عن مصادر مقربة من اللواء قولها إن "سبب الخلاف أن الروس طلبوا إرسال المزيد من العناصر، وأن يبقوا هناك ويقيموا معسكرات في البادية، الأمر الذي رفضته قيادة اللواء، واعتبرت أن مهمة عناصر اللواء كانت تقتصر على التمشيط فقط، وهو ما حصل".
وأكد أن الروس لم يدفعوا منذ ذلك الوقت أية رواتب للواء، موضحاً أن "الأمر لا يعني قطيعة تامة بين الطرفين، حيث تحتاج روسيا إلى قوة محلية في الجنوب السوري تعتمد عليها، ولكنها ربما تضغط بموضوع الرواتب للتأثير بقيادة اللواء".
ورأى الحوراني أن مستقبل العلاقة بين الطرفين "غير واضح حتى الآن، ومن غير المعلوم ما إن كانت روسيا تسعى إلى تغيير قيادة اللواء، وتحديداً قائده أحمد العودة، أو تتجه إلى حل اللواء برمته، أو قد يتوصل الطرفان إلى اتفاق جديد".
ويتلقى عناصر اللواء البالغ عددهم نحو 1600 عنصر رواتب شهرية تقدر بـ200 دولار كمتوسط لكل منهم".
في المقابل، قال مصدر مقرب من "اللواء الثامن" فضل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن "قيادة اللواء ما زالت ملتزمة اتفاق التسوية مع روسيا، القاضي بإخراج المعتقلين وبقية بنود الاتفاق، رغم إيقاف روسيا توزيع الرواتب".
ولفت المصدر إلى أن الاتفاق على مشاركة "اللواء الثامن" في معارك البادية ضد تنظيم "داعش" جرى مع القيادة الروسية، مقابل إخراج المعتقلين من المحافظة، والعمل على إيقاف عمليات الاعتقال، وتحسين الوضع الأمني والمعيشي لأهالي المحافظة. وأوضح أن رفض قيادة اللواء إرسال مزيد من العناصر إلى البادية السورية سببه عدم تقيد روسيا بالاتفاق.
ورأى الناشط محمد الشلبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخلاف الجديد بين الطرفين يشير إلى وجود أزمة بينهما، حيث تعتبر روسيا أن "اللواء الثامن" لا يتقيّد دائماً بالتعليمات، خصوصاً بشأن التعاون مع قوات النظام السوري المنتشرة في جنوب البلاد.
وذكر أن "قوات العودة" دخلت في مواجهات مع قوات النظام في أكثر من مناسبة، فضلاً عن رفض العودة وضع صناديق اقتراع في مناطق سيطرته خلال الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام أخيراً.
ونهاية العام الماضي، كانت "قوات العودة" على وشك التدخل لنصرة أهالي بلدة الكرك الشرقي الواقعة في ريف درعا الشرقي، التي كانت على أبواب عملية اقتحام من جانب قوات النظام السوري بعد مقتل ضابطين على حاجز في مدخلها. لكن العودة تلقى تعليمات من الطرف الروسي بأن تظل قواته على الحياد، وطلبوا منه عدم التدخل في أية منطقة تعتزم قوات النظام اقتحامها.
وتشكل "اللواء الثامن"، بقيادة أحمد العودة، عام 2018 بعدما رعت روسيا "اتفاق التسوية" بين قوات النظام وفصائل المعارضة في الجنوب السوري، وألحقه بـ"الفيلق الخامس" بقيادة العميد سهيل الحسن، الذي يعمل في مجمل الأراضي السورية، لكن "اللواء الثامن" احتفظ بخطوط تواصل مباشرة مع الروس، دون أن يكون له أية صلة مع قوات النظام، ودون أن يخضع لقيادة للواء الخامس.
ويعتبر العودة من أبرز القادة السابقين في "الجيش الحر" في الجنوب السوري، وكان قد دخل في اتفاق التسوية مبكراً حين دخلت قوات النظام إلى الجنوب السوري عام 2018، ما أتاح له البقاء في مدينته بصرى الشام الواقعة في ريف درعا الشرقي، وسط اتهامات له من بعض قوى المعارضة بتسليم مناطقه للنظام دون قتال.
وكان العودة قبل تشكيل "اللواء الثامن" يقود فصيل "شباب السُّنة" التابع لـ"الجيش الحر". وضمّ إلى هذا اللواء عناصر الفصيل السابقين، والعديد من عناصر الفصائل الأخرى ممن فضلوا عدم الرحيل إلى الشمال السوري، ويتمركزون أساساً في بصرى الشام وما حولها شرقيّ درعا.
ويرتبط العودة بصلة مصاهرة مع رجل الأعمال السوري المقيم في الإمارات والمقرب من روسيا خالد المحاميد، إذ يُعَدّ الأخير أحد داعمي العودة وفصيله "شباب السُّنة" منذ ما قبل التسوية. وزار العودة قاعدة حميميم الروسية، وهو يتواصل مع الضباط الروس مباشرةً، ويزور الأردن بصورة متكررة.
وحسب الشلبي، فإن "روسيا قد تحاول خلال الفترة المقبلة عزل العودة من قيادة "اللواء الثامن" بسبب طموحاته للتمدد في الجنوب السوري، وصداماته المتكررة مع قوات النظام السوري، فضلاً عن اتصالاته الخارجية التي لم تتوقف حتى بعد اتفاقية التسوية، حيث يعتقد أنه يتلقى أيضاً تمويلاً من مصادر أخرى خارجية غير روسيا".
ويرى مراقبون أن "التوتر الحالي بين "اللواء الثامن" وروسيا يصبّ في مصلحة إيران ومليشياتها في الجنوب السوري، وخاصة "الفرقة الرابعة" التابعة لقوات النظام، التي سعت خلال الفترة الماضية إلى قطع الطريق على تمدد "اللواء الثامن" في ريف درعا الغربي، ليظل محصوراً في ريفها الشرقي، ونشطت الفرقة، في المقابل، في الريف الغربي في تجنيد شبان المنطقة لمصلحتها ومنحهم بطاقات أمنية يستطيعون التحرك بواسطتها والاحتفاظ بسلاحهم".
وفي أواخر إبريل/ نيسان الماضي، انتشر عبر تطبيق "واتساب" بين شبان محافظة درعا وأهاليها تسجيل صوتي قدم فيه قيادي من درعا عرضاً يتضمن التحاق من وُضعت إشارات حجز على أملاكهم بالمليشيات الموالية لإيران، مقابل تسوية أوضاعهم الأمنية، ورفع إشارات الحجز عن أملاكهم.