إقليم تيغراي: انقلاب معادلة أبي أحمد

05 يوليو 2021
أسرى من القوات الإثيوبية في ميكيلي (ياسويوشي شيبا/فرانس برس)
+ الخط -

تزداد حالة عدم اليقين في إقليم تيغراي بشمال إثيوبيا ومستقبل المنطقة، على الرغم من إعلان حكومة رئيس الوزراء أبي أحمد وقف إطلاق النار من جانب واحد. ولعل الثابت الوحيد في المشهد اليوم أن المعادلة التي أراد أبي أحمد إرساءها في الإقليم بعد تسعة أشهر من القتال، بطرد قادة "جبهة تحرير شعب تيغراي"، ومحاكمتهم وإنهاء تمردهم، فشلت، وعادت الأمور لتنقلب على عكس ما تمناه رئيس الوزراء. فالوضع اليوم، على الأقل من الجهة العسكرية، عاد إلى ما قبل 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهو التاريخ الذي أعلنت فيه الحكومة الإثيوبية انتهاء الصراع بالنصر على "جبهة تحرير شعب تيغراي" والسيطرة على عاصمة الإقليم ميكيلي، علماً بأن الصراع استمر في الأشهر التالية، إلى أن شهد النزاع منعطفاً رئيسياً جديداً الإثنين الماضي، مع استعادة قوات تابعة لـ"جبهة تحرير تيغراي" السيطرة على ميكيلي.

ليس ذلك فقط، فالجبهة توعّدت الحكومة وحذرتها من حشد قواتها في المناطق المتاخمة لتيغراي مرة أخرى، مؤكدة نيتها مواصلة القتال. وذهب زعماء تيغراي أبعد من ذلك، متحدثين عن احتمال تمدد المعارك جغرافياً، ومعلنين أنهم لن يترددوا في دخول إريتريا، التي ساندت قوات منها قوات الحكومة الإثيوبية، بما يثير مخاوف من تجدد الصراع على نطاق أوسع مرة أخرى. وفضلاً عن انعكاس التطورات الجديدة على أبي أحمد نفسه والتحالف الذي أقامته الحكومة الإثيوبية مع إريتريا والمقاتلين في إقليم أمهرة ضد مقاتلي تيغراي، والذي يمكن أن ينفجر مع استمرار القوات الإثيوبية في الانسحاب من المعركة، ومقاتلي تيغراي في الهجوم لاستعادة الإقليم بشكل كامل، فإن حلم الانفصال عاد كما يبدو ليدغدغ قادة الإقليم وحتى شعب تيغراي، الذي احتفل قبل أيام في ميكيلي بـ"هزيمة الحكومة"، وبالقبض على آلاف الأسرى من الجنود الإثيوبيين الذين تم عرضهم في موكب ضخم في العاصمة وصفه كثيرون بـ"المذل"، وسط هتافات الناس المحتفلين.

ووسط كل هذه التطورات، تطرح تساؤلات عما تحقق بالفعل اليوم في تيغراي بعد تسعة أشهر من القتال، مع عودة "جبهة تحرير تيغراي" إلى المشهد، غير ازدياد الكوارث والمخاوف على الوضع الإنساني المزري الذي خلّفته الحرب، مع مواجهة مئات الآلاف أوضاعاً مأساوية وسط تحذيرات دولية متواصلة من خطر الوضع القائم، ولا سيما مع تعثر وصول المساعدات إلى مناطق عديدة في الإقليم.

جبرميكائيل: مستقبل تيغراي كجزء من إثيوبيا أصبح موضع شك

وقبل يومين، استعاد زعيم "جبهة تحرير شعب تيغراي"، ديبرصيون جبرميكائيل، الثقة ولغة القوة بعد أن كان مختبئاً طيلة الأشهر الماضية في الجبال، ليعود مجدداً إلى ميكيلي، موجهاً اتهامات لأبي أحمد والحكومة الإثيوبية، ومؤكداً أنه "حتى لو انتهى الصراع قريباً، فإن مستقبل الإقليم كجزء من إثيوبيا، أصبح موضع شك". وأوضح أن "الثقة انهارت تماماً". ومع ذلك، أضاف: "لم يتم تقرير أي شيء، الأمر يعتمد على السياسة في المركز".
وقال جبرميكائيل في تصريحات نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" إن "أبي أحمد متهور وعديم الخبرة وتجاوز حدوده". واتهم الحكومة الإثيوبية بارتكاب جرائم إبادة بحق المدنيين في الإقليم، متعهداً بـ"محاسبة المسؤولين عن كل مظاهر الظلم والوحشية". وقال: "لم أكن أتوقع أن أعود إلى الحياة... الشيء المهم هو أن شعبي حر". وأكد أنهم تمكنوا من "شل الجيش الإثيوبي، وهزموا 7 فرق من أصل 12 فرقة تابعة للجيش، وقتلوا ما لا يقل عن 18 ألف جندي وأسروا أكثر من 6 آلاف"، رافضاً قبول وقف إطلاق النار في تيغراي. وقال: "لقد استولوا على الأرض بالقوة، لذا سنعيدها بالقوة". وتابع: "هذا بلد معقد وفوضوي للغاية... أبي أحمد لم يكن لديه خبرة ولا نضج... وبسبب طموحه في أن يصبح حاكم إثيوبيا، اعتبرنا عقبة في طريقه". وحذر جبرميكائيل من محاولة حكومة أبي أحمد حشد قواتها في المناطق المتاخمة لتيغراي مرة أخرى، مؤكداً نيته إرسال مقاتلين لاعتراضها.

يأتي ذلك بينما كانت قد استعرضت الجبهة، يوم الجمعة الماضي، موكباً من آلاف الجنود الأسرى من الجيش الإثيوبي في ميكيلي، وهم يمشون وسط حشود مستهزئة بهم وتحتفل بالانتصار، وبطرد القوات الحكومية من المدينة، بينما تم اقتياد الأسرى إلى سجن كبير على الحافة الشمالية للمدينة. وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن أكثر من 7 آلاف جندي ساروا جنوب غربي مكيلي، لمدة 4 أيام. واعتبرت أن موكب الأسرى كان توبيخاً واضحاً لأبي أحمد، الذي أعلن في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء الماضي في أديس أبابا أن التقارير عن هزيمة قواته كانت "كذبة"، وأصر على أنه أعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد لأسباب إنسانية. وقال جبرميكائيل إنه سيتم إطلاق سراح معظم الأسرى من الجنود الإثيوبيين ذوي الرتب المنخفضة، لكن سيتم الإبقاء على الضباط محتجزين.

أبي أحمد يواجه الآن تحديات سياسية هائلة

ويقول المحللون إن أبي أحمد يواجه الآن تحديات سياسية هائلة. لعل أهم هذه التحديات اليوم تكمن في أن التحالف الذي أقامته الحكومة مع إريتريا والمقاتلين في إقليم أمهرة يمكن أن ينفجر مع استمرار القوات الإثيوبية في الانسحاب من الإقليم، ومقاتلي جبهة تحرير تيغراي في الهجوم. وفي السياق، قال مهاري تاديلي مارو، أستاذ الحوكمة والجغرافيا السياسية في معهد الجامعة الأوروبية لـ"نيويورك تايمز"، إن "دعم أمهرة لأبي أحمد سيتضاءل في النهاية"، مضيفاً أن "الشيء الوحيد الذي كان يجمع الطرفين أخيراً هو العداء لحكام تيغراي. وبمجرد خروج تيغراي من اللعبة، فإن هذا الحلف لن يكون متماسكاً"، وهو ما قد يؤثر على وضع أبي السياسي داخل البلاد.

من جهته، قال غيتاتشو رضا، أحد كبار زعماء تيغراي، لـ"نيويورك تايمز" يوم الثلاثاء الماضي، إن قوات تيغراي "لن تتردد في دخول إريتريا، وربما تحاول التقدم نحو عاصمتها، إذا كان هذا هو ما يتطلبه الأمر لمنع القوات الإريترية من الهجوم مرة أخرى". ولكن جبرميكائيل بدا في مقابلته مع "نيويورك تايمز" أكثر حذراً بشأن التعامل مع إريتريا. وقال إن قوات تيغراي "ستقاتل لدفع القوات الإريترية إلى خارج حدود الإقليم، لكن ليس بالضرورة أن تذهب أبعد من ذلك".

دعوات لحماية المدنيين في إقليم تيغراي وإيصال المساعدات

إلى ذلك، فإن المزاج المبتهج الذي ساد ميكيلي الأسبوع الماضي، يمثل أيضاً تحدياً لجبرميكائيل. فحالة الانتشاء بـ"الانتصار" هذه قد تتغيّر في الأسابيع المقبلة، حيث يعيش سكان تيغراي على وقع أزمة إنسانية خطيرة. وتقول مجموعات إنسانية دولية إن سكان تيغراي الأكثر ضعفاً قد يتضورون جوعاً إذا لم تسمح حكومة أبي أحمد بتوصيل المساعدات الحيوية للسكان، علماً بأن الأخيرة تنفي عرقلة وصول المساعدات.

ودعت المفوضية الإثيوبية لحقوق الإنسان، أول من أمس السبت، إلى إقرار "تدابير عاجلة" لحماية ومساعدة المدنيين في إقليم تيغراي، وذلك غداة تحذير مسؤول رفيع في الأمم المتحدة بأن أكثر من 400 ألف شخص في الإقليم "باتوا يعانون مجاعة". وأثار تدمير جسرين حيويين لنقل المساعدات إلى تيغراي قلقاً الأسبوع الماضي، بينما نفت الحكومة الإثيوبية، المتهمة بمنع وصول هذه المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، مسؤوليتها عن ذلك.

بدوره، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أول من أمس، أنه "لا بد من وقف حقيقي لإطلاق النار، يفتح الطريق أمام حوار يأتي بحل سياسي"، مضيفاً أنّه "من غير المقبول على الإطلاق" تدمير البنى التحتية المدنية.
ويوم الجمعة الماضي، حذّر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالوكالة راميش رجاسينغام من أن "أكثر من 400 ألف شخص باتوا يعانون مجاعة، وأن 1,8 مليون آخرين هم على عتبة المجاعة. البعض يقول إن الأعداد أكبر من ذلك. ويعاني 33 ألف طفل سوء التغذية الحاد". وقال خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول تيغراي إن الوضع "تدهور بشكل كبير"، مشدداً على أن "حياة عدد كبير من الأشخاص (في تيغراي) رهن بقدرتنا على إيصال المواد الغذائية وأدوية إليهم. يجب أن نصل إليهم الآن وليس الأسبوع المقبل، بل الآن".
(العربي الجديد)

المساهمون