لا تزال تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد تثير جدلاً كبيراً في تونس، بعدما أعلن البارحة الأحد أن رئيس الجمهورية ليس القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية فقط، وإنما أيضاً القائد الأعلى لبقية القوات المسلحة، الشرطة والجمارك والحرس (الدرك)، والتي تخضع منذ عقود وإلى حد الآن لإمرة الحكومة.
واشتعلت مواقع التواصل ووسائل الإعلام التونسية بردود الفعل على هذا الإعلان الخطير، خصوصاً أن رد رئيس الحكومة هشام المشيشي كان قوياً بدوره، حيث اعتبر أن تأويل سعيد للدستور شاذ وخارج السياق.
وفي تعليق على هذا الجدل، أوضح أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما حصل تحديداً هو أن الرئيس سعيد قدم قراءته الرسمية بخصوص هذا الأمر، حيث يعتبر أن القوات المسلحة تشمل القوات العسكرية والقوات الأخرى التي نص عليها القانون، وهي قوات الأمن الداخلي وتشمل الشرطة والحرس الوطني والديوانة.
وتبين أن هناك اختلافاً بين قراءة رئيس الجمهورية وقراءة رئيس الحكومة للقانون المتعلق بالوظائف السامية والعليا، لأن رئيس الحكومة يعتبر أن القوات المسلحة تقتصر فقط على الجيش، والقوات الأخرى تخرج عن نطاق رئيس الجمهورية باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولكن قراءة رئيس الجمهورية لا تخلو من صواب، بمعنى أن القانون لم يحدد أن سعيد هو القائد الأعلى للجيوش، وإنما قال القوات المسلحة، وهو لفظ يحمل عدة أوجه، مؤكداً أن الإشكال لا يكمن في الخلاف النظري والدستوري، وإنما في ما سيترتب على ذلك من صراع الصلاحيات، وأضاف الخرايفي أن الرئيس سعيد قسّم في خطابه التونسيين أمام القضاء، بين مواطنين لا حول ولا قوة لهم، وأصحاب نفوذ ومال ونواب يتمتعون بالحصانة والإفلات من العقاب، وتخفى ملفاتهم في مجلس النواب، وهذا حدث بالفعل في البرلمان الحالي والسابق، وصلاحياته على كل قوات الأمن تعني إمكانية إصدار أوامر بالإيقاف.
وأشار أستاذ القانون الدستوري إلى الرسائل التي تتضمنها الجملة التي أطلقها الرئيس سعيد في خطابه أمس، حين قال: "اليوم صبر وغداً أمر". وهذا يعني أننا دخلنا اليوم الاثنين في مرحلة الأمر، مشيراً إلى أن اعتبار البعض أن خطاب سعيد خطير يأتي بسبب أنه لأول مرة يكون صريحاً ومباشراً وواضحاً، وبعد عودته مباشرة من مصر.
وتابع أن رد رئيس الحكومة هشام المشيشي على سعيد لم يكن صائباً، لأنه بيّن أنه متصادم مع رئيس الجمهورية، والمفروض أن مؤسسات الدولة لا تعلق على بعضها، وهنا كان صمت راشد الغنوشي أكثر حكمة، إذ لم يبدِ أي موقف.
وفي تعليق على تصريحات سعيد، اعتبر أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك أن "أحاديث رئيس الجمهورية استهتار بالدستور والتشريع وفاتحة انقضاض على دولة القانون". وأضاف، في تدوينة على صفحته الشخصية على فيسبوك، أن الوضع "يقتضي وقفة صارمة من كلّ القوى السياسية والمدنية المؤمنة بالديمقراطية والرافضة لوقع أقدام العسكر. ويقتضي الأمر فوراً وقبل فوات الأوان إسناد البلاد بحكومة قوّية ورئيس لها قادر على مسك الأمور بقوّة، وحماية المؤسسات الديمقراطية، وتحييد العبث قبل انفلات الوضع".
وحذر الوزير السابق المكلف بالأمن رضا صفر من أن هناك "حلقة جديدة من التجاذب السياسي الموجود في البلاد، مبيناً أن هذا التجاذب طبيعي باعتبار أن الدستور فيه بعض الغموض، بالإضافة إلى غياب المحكمة الدستورية" وفق تعبيره.
وأشار صفر في تصريح لإذاعة إكسبرس الخاصة إلى أن "رئيس الجمهورية أقحم مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسسة الأمنية، في هذا التجاذب السياسي، وهذا خطير، مبيناً أن إقحام المؤسسة الأمنية كشاهد على تأويل في الدستور من شأنه أن يزعزع إيمانها"، وفق قوله.
من جانبه، اعتبر رئيس الهيئة السياسية لحزب أمل، أحمد نجيب الشابي، أن تونس تشهد "منذ مدة على الهواء مباشرة انقلاباً ناعماً على السلطة، يقوده رئيس الجمهورية، تمثلت حلقاته الأولى في تعطيل تشكيل الحكومة، ثم في الاعتراض على قيام المحكمة الدستورية، وأخيراً في إعلان رئيس الجمهورية توليه رئاسة قوات الأمن الداخلي بمناسبة الذكرى الـ65 لتأسيسها. الانقلاب ليس بالضرورة عملاً عسكرياً، وإنما يعرفه فقهاء القانون الدستوري بأنه "عمل تسلطي غير شرعي من شأنه النيل من قواعد تنظيم الهيئات القائمة أو من سير أعمالها أو صلاحياتها".
واعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، أن رئيس الجمهورية فضّل مرة أخرى الخوض في معركته الخاصة على حساب معركة التونسيين المصيرية، وفق تعبيره. وأضاف الشابي، في تدوينة نشرها على صفحته الشخصية في فيسبوك، أنّ ما تضمنه خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيّد يعد خروجاً عن نص الدستور وروحه، ومحاولة لتوسيع سلطاتهن على خلاف ما نص عليه الدستور"، وفق قوله.
وشدد الشابي على أن تونس "في حاجة إلى دولة متماسكة تسيّر وفق الدستور والقانون وليس وفق أهواء القائمين عليها، موضحاً أن أحكام الدستور واضحة وصريحة إلا ّبالنسبة للذين يعملون على تطويعه".
وأشار إلى أن "اللحظة عصيبة وتتطلب الانتصار للدولة الديمقراطية والقوانين المنظمة لها، والوقوف في وجه كل محاولة لإقحام القوات العسكرية أو الأمنية في الصراع الذي بين رأسي السلطة التنفيذية"، وفق تعبيره.