استمع إلى الملخص
- **تكتيكات المقاومة**: استخدمت المقاومة أساليب جديدة مثل تفخيخ المنازل، مما أدى إلى إيقاع قتلى في صفوف جنود الاحتلال، ورفح تعتبر نموذجاً لهذه العمليات.
- **استراتيجية المقاومة**: وفقاً للخبير العسكري واصف عريقات، اعتمدت المقاومة على حرب العصابات واستنزاف الاحتلال، مما يعكس الخلاف بين المستويين الأمني والسياسي الإسرائيلي.
منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي حربه البرّية في قطاع غزة نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، توالت الإعلانات من قبل الاحتلال ووسائل إعلامه ومسؤوليه، والتي تتحدث عن القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وتحديداً "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة حماس. وكان الاحتلال يطلق تصريحاته، سواء عبر المتحدث باسم جيشه، دانيال هاغاري، أو وزير الأمن يوآف غالانت، مؤكداً القضاء على عدد من الكتائب التابعة لـ"القسام" في مختلف مناطق القطاع، في إشارة للقضاء عليها وتفكيكها وإنهاء وجودها. غير أن عودة الجيش الإسرائيلي إلى الكثير من هذه المناطق، بعد الإعلان عن الانسحاب منها وإنهاء مهمته فيها خلال الحرب، جعل الميدان يكذّب هذه المزاعم، من خلال العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة الفلسطينية في تلك المناطق التي ادعى الاحتلال القضاء على المقاومة وكتائبها فيها.
الميدان والتاريخ لصالح المقاومة الفلسطينية
وتكرر هذا الأمر في مناطق عدة بالقطاع، أبرزها مخيم جباليا للاجئين شمالي غزة، وحي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة، وتل الهوى غرب المدينة، وخانيونس ورفح جنوبي القطاع، حيث كانت المقاومة تنفذ عمليات متكررة بعد انسحاب الاحتلال وإعلانه القضاء على المقاومة. وخلال الأسابيع الأخيرة، أعلن غالانت وجيش الاحتلال القضاء على الكتائب العسكرية للقسّام والمقاومة، أربع مرات، غير أن هذه الإعلانات تبعتها على الفور عمليات نوعية للمقاومة استهدفت قوات إسرائيلية. وجاءت العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية أول من أمس الثلاثاء في رفح، والتي استهدفت فيها قوة هندسة إسرائيلية، وأدت إلى مقتل أربعة جنود إسرائيليين، لتعزز من كذب الرواية الإسرائيلية بشأن القضاء على الكتائب والوحدات الميدانية التابعة للمقاومة في القطاع.
تعتبر رفح النموذج الأكثر ضراوة في العمليات العسكرية بين المقاومة والاحتلال
ولجأت المقاومة إلى أسلوب تفخيخ المنازل والوحدات السكنية لاستهداف قوات الاحتلال، في تغيير لطريقة عملها، ما أدى إلى إيقاع قتلى في صفوف جنود الاحتلال، مرّات عدة، جراء عمليات النسف للمنازل وانهيارها بهم.
وتطرح العمليات المتتالية للمقاومة الفلسطينية أسئلة بشأن حقيقة الإعلانات الإسرائيلية، والجهة المستهدفة من وراء هذه الإعلانات المتتابعة على مدار أشهر الحرب التي أوشكت على دخول عامها الأول. وتعتبر رفح النموذج الأكثر ضراوة في العمليات العسكرية بين المقاومة والاحتلال، إذ أعلن جيشه أكثر من مرة القضاء على الفصائل فيها، لتشهد المدينة سريعاً أحداثاً أمنية ينجم عنها قتلى وجرحى في صفوفه.
ترميم متواصل للقدرات
ورأى الخبير في الشأن العسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات، أن المقاومة الفلسطينية نجحت على حساب الاحتلال في كسب الميدان لاعتبارات ميدانية وعملياتية اعتمدت عليها في المواجهة. وقال عريقات لـ"العربي الجديد"، إن اعتماد المقاومة على أسلوب "الفدائيين" أو حرب العصابات عبر توجيه ضربات نوعية ومركزة في أوقات ركود القوات، مكّنها من استنزاف الاحتلال وتوجيه ضربات قوية له كما حصل في رفح. وأشار إلى أن نقطة نجاح المقاومة، هي أنها ليست جيشاً بالمعنى النظامي كما جيش الاحتلال، وبالتالي فإن إعلان الاحتلال المتكرر عن تفكيكه لكتائبها غير صحيح، نظراً لتتابع العمليات بشكل واضح على مدار أشهر الحرب.
ولفت عريقات إلى أن المقاومة سخّرت الأسلحة الرشّاشة والمضادات الخاصة بالمدرعات إلى جانب مخلفات الاحتلال من الصواريخ غير المتفجرة فضلاً عن تنفيذها كمائن وتفخيخ منازل، لتحقيق أهدافها في استنزاف الاحتلال وإلحاق خسائر كبيرة به. وأعرب عن اعتقاده بأن فكرة القضاء على المقاومة الفلسطينية هدف لن يتحقق، وبرأيه، فإن التاريخ لم يسجل أن أي احتلال نجح في القضاء على مقاومة، نظراً للأساليب التي تستخدمها ضد الاحتلال والتي تأخد أشكالاً متنوعة.
المقاومة سخّرت الأسلحة الرشّاشة ومضادات مدرعات ومخلفات الاحتلال فضلاً عن تنفيذها كمائن وتفخيخ منازل، لتحقيق أهدافها
وأكد الخبير في الشأن العسكري أن الإعلانات المتكررة عن القضاء على الكتائب التابعة للمقاومة تعكس حجم الخلاف بين المستويين الأمني والسياسي الإسرائيلي، كما يجري حالياً في رفح أو غيرها من مناطق القطاع التي شهدت عمليات عسكرية إسرائيلية. ولفت إلى أن المستوى الأمني الإسرائيلي، يدرك أن هدف القضاء على "حماس" والمقاومة بعيد المنال، ولن يتحقق نظراً لما جرى في الميدان على مدار الحرب المتواصلة للشهر الثاني عشر على التوالي. وأشار إلى أن تكتيك "اضرب وانسحب" الذي اتّبعته المقاومة في غزة، أثبت نجاعته في الحرب الدائرة حالياً، كونه يعتمد على عدد قليل من العناصر وأدوات بسيطة تلحق خسائر بالاحتلال، على الرغم من أن المقاومة تكبدت خسائر في الأرواح والمعدات العسكرية.
وخلال الأشهر الماضية، أعلن الاحتلال القضاء على 20 كتيبة من أصل 24 كتيبة تتبع لحركة حماس في القطاع، في الوقت الذي نفت فيه المقاومة هذا الأمر، كاشفة عن أنها استطاعت تجنيد الآلاف في مختلف المناطق مجدداً.
من جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، حسام الدجني، أنه لا يمكن لأي قوة عاتية مهما كانت أن تقضي على المقاومة باعتبارها فكرة مرتبطة بوجود الاحتلال بحدّ ذاته على الأرض. وقال الدجني لـ"العربي الجديد"، إن المقاومة تمارس عملياتها على الأرض بعد كل القتل والإبادة والتدمير الذي قام به الاحتلال بحق قطاع غزة، سواء في رفح أو غيرها من المدن، حتى بما في ذلك في الضفة الغربية المحتلة، ما يعكس أن المشكلة متعلقة بالاحتلال في حد ذاته.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن فكرة المقاومة لا يمكن القضاء عليها حتى لو ظهر للاحتلال أنه قتل المئات من المقاومين، وبالتالي فإنها ستواصل عملها وترميم قدراتها بما هو متوفر من إمكانات وأن الأمر يرتبط بسلوك الاحتلال القائم على فكرة القضاء على القضية الفلسطينية ككل وحالة انسداد الأفق السياسي. وبيّن أن المقاومة تمارس تكتيكاتها من خلال أساليب عدة، أبرزها التخفيف في بعض الأوقات من العمليات في ظلّ عدم وجود خطوط إمداد خلافاً للاحتلال الإسرائيلي الذي يمتلك خطوط إمداد متواصلة. ورأى أن سلوك المقاومة الفلسطينية ميدانياً منسجم مع الواقع الذي تعيشه، وبالتالي فإن المقاومة وعبر عملياتها الأخيرة التي تتبع إعلانات الاحتلال، تسعى إلى تكذيب مزاعم جيشه أمام المجتمع الدولي بالقضاء عليها، وأنه سيفشل بذلك حتى لو استمرت حربه سنوات.