منذ يوم أمس الثلاثاء، ومدينة رهط في النقب تعيش حالة من الحزن والغضب الشديد على خلفية استشهاد سند سالم الهربد (27 عاماً) برصاص وحدات المستعربين التابعة للشرطة الإسرائيلية.
والتزمت معظم المحال التجارية في المدينة بقرار الإضراب الشامل الذي أعلنته البلدية أمس، تضامناً مع أسرة الشهيد الذي خلّف وراءه خمسة أطفال، آخرهم رضيع عمره أسبوعان فقط.
الإضراب في المدينة شمل الطلاب في جهاز التربية والتعليم، إلا أن وزارة المعارف الاسرائيلية أرغمت الطواقم التدريسية على الوصول إلى المدارس وعدم التغيب للمشاركة في الإضراب.
ومنذ ساعات الصباح الأولى استعدت المدينة لتشييع جثمان الهربد سيراً على الأقدام من خيمة العزاء قرب بيته إلى مقبرة أبو منصور، غربي رهط، في ظل ترقّب كبير للشرطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحسباً لأي طارئ.
دعوة للمشاركة الكثيفة في التشييع
ودعا رئيس بلدية رهط فايز أبو صهيبان المواطنين إلى المشاركة بصورة سلمية في الجنازة والوقفة الاحتجاجية التي ستليها، لتفويت الفرصة على عناصر الشرطة لاستهدافهم.
وسبق لشرطة الاحتلال أن تعرّضت للمشيعين عندما قتلت الشهيد سامي الجعار بنفس الظروف، في عام 2015، ما أدى إلى استشهاد سامي الزيادنة خلال مراسم التشييع.
قتل الاحتلال الشهيد الزيادنة عام 2015 أثناء تشييع الشهيد الجعار
ورأى مساعد رئيس بلدية رهط علي الدبسان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "ما جرى مع ابننا سند هو حدث جلل، ممكن أن نسميه قتلاً بدم بارد. لا علاقة لسند بالحدث برمته، فقد خرج عند الساعة الخامسة صباحاً واشترى مستلزمات وخرج للعمل، وهو معتاد أن يأخذ ابن عمه الذي يسكن في الحارة 12 في رهط يومياً للعمل في مجال الكهرباء. وبعد وصوله إلى الحارة 12، توقف بسيارته وخرج منها لينظر، بعد رؤيته حركة ومشاغبات غريبة هناك، فلاحظ شباناً يهربون من الشرطة. وحين أصبحت المسافة بينه وبين الشرطة نحو 10 أمتار بدأت الأخيرة بإطلاق النار بصورة عشوائية. وأدى ذلك إلى إصابة سند بثلاث رصاصات، واحدة في الرأس واثنتان في الصدر".
وشدّد الدبسان على أنه "لم يكن هنالك أي مبرر لإطلاق النار، ولم يكن هناك ما يهدد سلامة الشرطة كما ادّعت، وبالأصل لم يعلم أحد أنهم شرطة لأنهم تخفوا بملابس عربية وركبوا سيارة مدنية فلم يتعرف عليهم أحد".
ولفت إلى أن "الشرطة نفسها تعلم أن الحارة 12 شهدت مشاكل عائلية على مدار أسبوعين متتاليين". وتطرق إلى تفاصيل اقتحام شرطة الاحتلال المنازل، مشيراً إلى أنها "اقتحمت المنازل عند الساعة الرابعة والنصف فجراً بطريقة غير شرعية وغير قانونية وغير إنسانية، ونحن كعائلة نؤكد أن الشهيد لم يطلق النار، ولم يكن معه سلاح أصلاً. والشرطة ادّعت ذلك كذباً، وأخرجت صورة لسلاح من الأرشيف، مدّعية أنه السلاح الذي كان بحوزة سند، ونحن نعلم أن هذه الاتهامات دائماً حاضرة وجاهزة في حالة إطلاق النار على عربي وقتله".
وقال الدبسان: "صباح أمس، قالت الشرطة إن سند أطلق النار على أفرادها، وفي ساعات العصر تراجعوا عن هذا الادّعاء، واعتبروا أنه وجّه السلاح نحوهم. كل هذه أكاذيب ومسرحيات، وابننا قُتل بدم بارد وتُرك ينزف من دون مساعدة حتى توفي، والإصابة كانت من مسافة قريبة في الرأس والصدر، وكأن مطلق الرصاص قناص".
وأكد: "نحن سنشيع جثمان ابننا الشهيد سيراً على الأقدام ثم ننطلق لوقفة احتجاجية على هذه الجريمة، وبعدها نحن بصدد ترتيبات احتجاجية أخرى، لن نقبل أن تحقق الشرطة مع نفسها في هذا الحادث، بل سنطلب تحقيقاً قضائياً عادلاً حتى تظهر الحقيقة".
الناشط رائد أبو القيعان استذكر خلال مراسم تشييع الشهيد سند ما حدث مع خاله الشهيد يعقوب أبو القيعان، الذي ادّعت الشرطة الإسرائيلية التي حضرت لهدم منزله في قرية أم الحيران في عام 2017 أنه حاول دهس رجال الشرطة.
وقال أبو القيعان في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "التهم للعرب دائماً جاهزة ومعروفة. الشرطة الإسرائيلية دائماً تدّعي بعد جرائمها بحق المواطنين العرب أن الشهيد أقدم على إطلاق النار أو الدهس، كما حدث مع خالي، وتقول إنهم هددوا حياة عناصرها".
لم يكن الشهيد الهربد مسلّحاً بل كان يمرّ في الحارة 12
وأضاف: "تابعنا ملف الشهيد يعقوب أبو القيعان ولم نتهاون فيه للحظة واحدة، على الرغم من ادّعاء الحكومة الإسرائيلية أنه متطرف تابع لداعش وأنه مخرب. فنّدنا كل هذه الادّعاءات وظهرت براءة الشهيد بعد سنوات، لذلك على إخواننا من عائلة الهربد المتابعة وعدم التهاون أو التنازل عن دم ابنهم. لا بد من المطالبة بتحقيق قضائي ومتابعة حثيثة وعدم اعتماد رواية الشرطة الكاذبة وفبركاتها أو الاعتماد على تحقيق الشرطة مع ذاتها، لأن الملف سيُغلق من دون نتائج صادقة وحقيقية".
وحدة النقب أمام الاحتلال
من جانبه، قال المحامي طلب الصانع، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هذا المصاب ليس مصاب عائلة بل هو مصاب مجتمع عربي نقباوي بأكمله. والشهيد هو ابن النقب وهناك حالة من الاستياء العارم، بسبب ظروف وملابسات هذه الجريمة".
واعتبر أن "ما جرى كان اعتداءً همجياً وإجرامياً، وكل ما ذكره الأهل بخصوص ظروف الاعتداء والقتل تم التأكد من صحته، وبالتالي لا بد من محاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة، ومحاكمة قائد المنطقة الذي يتبنى عقلية عسكرية وعدائية ضد العرب في النقب.
وشدّد الصانع على أن "الجنازة ستتم بمشاركة قيادات المجتمع العربي من الجليل والمثلث والنقب، لأن القضية هي قضية الجميع ومن المهم أن نوصل رسالة واضحة مفادها أن خلف أي شاب أو شابة أو شهيد نقباوي، يوجد مجتمع بأكمله وأن دمنا ليس رخيصاً. إن تشييع الجثمان ثم الوقفة الاحتجاجية يعنيان التكافل والتضامن النقباويين، وهي رسالة وطنية أيضاً للطرف الآخر الذي يستهدف الوجود العربي على مستوى الأرض والإنسان".